«سوبر ماركت» التربية والتعليم

درية الملطاوي
من بين ما يحدث فى بلدنا - ليس الآن فقط ولكن منذ سنوات - ويواصل المسيرة بنجاح ويعد من المضحكات المبكيات، ما نراه أو ما يعانيه المواطن من المدارس الأجنبية أو الدولية التى انتشرت كالسيل العرم وبصورة صارخة حيث إنها أصبحت تجارة رابحة.
نعم يعانى المواطن معاناة كبيرة وكأنه لابد أن يدفع ثمناً فادحاً لمجرد أنه تجرأ وأراد أن يقوم بتعليم أبنائه تعليماً جيداً مع عدم إغفال دور البيت فى كل الأحوال وتحوله إلى مدرسة أخرى بعد ظهر اليوم أى بعد انتهاء اليوم الدراسى، وهنا تستوى كل أنواع المدارس مع بعض الاستثناءات القليلة.
فإذا أردنا التوقف أمام ما يحدث فى هذه المدارس وخاصةً الدولية التى تقوم بالتدريس على الطريقة الإنجليزية أو الأمريكية حيث إن هناك مدارس لغات أدخلت فى نظامها نفس طريقة التعليم.
نقول إذا أردنا التوقف قليلاً أمام ما يحدث داخل هذه المدارس منذ إبداء الرغبة فى التقدم لامتحان القبول وحتى بداية العام الدراسى فسوف نلمس أشياء وتصرفات وطلبات «تحرق الدم».
ففى البداية وفى مقابل استخراج استمارة التقديم لكى يتم امتحان قدرات الطفل وما إذا كان سوف يستطيع الالتحاق بهذه المدرسة من عدمه، لابد من دفع ألف وخمسمائة جنيه فقط مقابل تدوين بياناته وأسرته وإجراء المقابلة، وهنا بالطبع لا تكتفى الأسرة بمدرسة واحدة خوفاً من عدم القبول مما يضطرها إلى التقدم إلى أكثر من مدرسة وبالطبع أيضاً هذه المدارس تسير بسياسة هل من مزيد فتقبل كل الأعداد التى تريد ملء الاستمارة والتقدم إلى امتحان القبول بصرف النظر عن القبول فى حد ذاته.
وبعد ذلك إذا حدث ونجح الطفل على ذويه أن يقوموا بدفع خمسة آلاف جنيه وفى مدرسة أخرى ألف وخمسمائة دولار كحجز مكان فقط لا تحسب من المصروفات وبالطبع لا ترد فى حالة إذا ذهب الطفل إلى مدرسة أخرى قد تكون أقل فى المصروفات الدراسية التى قفزت قفزة غير عادية دون رقيب أو محاسبة وكأنه من المفترض أن كل من يتقدم إلى هذه المدارس يكون مليونيراً رغم أن هناك من يعانى بالفعل ومنهم شباب فى مقتبل حياتهم العملية لكى يلحق طفله بمثل هذه المدرسة ليس من قبيل الاستعراض ولكن للحال الذى وصل إليه التعليم فى الكثير من المدراس الأخرى والذى نلمسه جميعاً.
وهنا بكل أسف نقول لقد أصبح الأمر لا تربية ولا تعليم مما يضطر معه البعض للخضوع لأوامر تلك المدارس التى لا يقبلها عقل أو منطق، ناهيك عن رفع المصروفات فى كل عام بطريقة مبالغ فيها وبنسبة تفوق ما تحدده وزارة التربية والتعليم التى يبدو أنها اكتفت بتخصيص إدارة أو مسئولين لهذه المدارس لتلقى الشكاوى ثم لا نجد سوى الصمت المطبق دون تفعيل جدى لمقولة وضع مثل هذه المدارس التى تخرق القانون أو المسموح به تحت الإشراف المالى والإدارى، هذا إلى جانب العلاقات العامة والمجاملات وما إلى ذلك؟!
بل إن هناك من المسئولين بالوزارة من يقولون بأن هذه المدارس عرض وطلب وكأنه «سوبر ماركت» أو محل بقالة، أن من يدخلون أبناءهم هذه المدارس معهم «فلوس»! ومن يريد يدفع؟! ولهذا نقول لهم إن هناك فارقاً بين استطاعة الفرد دفع التكاليف وبين المعاناة والتنازل عن أشياء كثيرة فى مقابل تعليم جيد للطفل. ارحمونا يا سادة يرحمكم الله.
ونأتى إلى شىء مهم لا نظن أنه يحدث فى بلد آخر وهو قيام بعض هذه المدارس أو معظمها بإجبار أولياء الأمور على الدفع بالعملة الصعبة إما الدولار أو الاسترلينى، فهل هناك بلد أو وزارة لا تحترم عملة بلدها أياً كان مستوى انحدارها الذى تساهم فيه مثل هذه المواقف السلبية التى لا نجد لها أى مبرر سوى أنها جزء من منظومة الفساد والتسيب وعدم المسئولية، هذا غير المساهمة فى إنعاش السوق السوداء للعملة تحت سمع وبصر الجميع.
إن ما يحدث فى تلك المدارس لابد له من وقفة فإن كنا لا نغفل دورها فليس معنى ذلك أن نتركها تفعل ما تريد دون تحرك من الوزارة، فهل يصدق أحد أن الأمر قد وصل أيضاً إلى حد رفض بعض هذه المدارس أجازة يوم 25 أبريل- احتفالاً بعيد سيناء - وتم إجبار التلاميذ على الذهاب إلى المدرسة رغم أنف الحكومة وقرارها باعتبار أنه أجازة على مستوى الجمهورية.
ويبقى أن نقول: أصلحوا منظومة التعليم ككل يرحمكم الله فمازال فى الجعبة الكثير لم نقله بعد.