الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صور ومعلومات لا تصدق

خرائط قديمـة لنيل القاهـرة

مياه النيل عند أهرامات الجيزة
مياه النيل عند أهرامات الجيزة

ارتبط المصريون بنهر النيل منذ آلاف السنين، وانعكست تغيراته على حياتهم التى لم تقتصر على الاقتصاد فقط ولا الاجتماع أيضًا ولكنها امتدت لتشكل البيئة والأرض.



وتُعد منطقة وسط القاهرة واحدة من أهم هبات النيل؛ إذ إنها تكوّنت مما طرحه النهر عبر مراحل مختلفة من السنين.

ومع مرور الزمان تغيرت الملامح الجغرافية للعديد من المناطق بسبب روافد النيل، خاصة وقت الفيضان، حيث أكلت قوة تيار النهر الأجزاء الضعيفة على الشواطئ والجزر لتطرحها فى مكان آخر، كان النهر يهب القاهرة (الفاطمية) لما تضيق على سكانها أراضى جديدة، ظهرت على الخرائط القديمة اكتسبتها بطرح النهر.

عند منطقة فم الخليج «السيدة زينب حاليا»
عند منطقة فم الخليج «السيدة زينب حاليا»

كانت المسألة التى أرقت المصريين، كيف نصل لضبط مياه النيل والوقاية من الفيضانات العالية وكذلك التعامل مع الفيضانات المنخفضة التى تجلب المجاعة والأمراض.

مرت القاهرة بالعديد من التحولات التى أحدثتها الفيضانات على مر التاريخ، وتوضح خريطة الأرض التى اكتسبتها القاهرة من خلال التحولات الفيضانية تغيرات كبيرة بين انحسار الماء وسريانه فى مناطق مختلفة، وحاليًا انحسرت مياه النيل عن كثير من المناطق والشوارع التى لا يتصور الأجيال الحالية أنها كانت محلا لجريان النيل وتواجدت فيها مياهه، فالتحول الأول أحدثه فيضان عام 688 ميلادية وطرح النهر أرضا جديدة بمنطقة السيدة زينب، أما التحول الثانى فكان 941 ميلادية فطرح النهر فيها أرضا جديدة تقع بين تقاطع شارع التحرير وشارع محمد فريد وسط البلد وبين جامع الطيبى، وكان مصير هذه الأراضى مجهولا، فإما أن يأكلها ماء النهر ويغرقها أو يزيد من طميه ويقويها وأن تضاريس الأرض وارتفاعها ساعدت على تكوين العديد من البرك فضلا عن تحويلات مجرى النهر.

 

النيل يمر داخل منطقة بركة الفيل زمان
النيل يمر داخل منطقة بركة الفيل زمان

 

وتسبب الطرح الثالث فى إضافة مساحة جديدة للقاهرة تتمثل فى المنطقة التى يمر فيها اليوم شارع محمود بسيونى وشارع شامبليون ومنطقة معروف بوسط البلد.

وبالطرح الخامس اتصلت الأراضى بين جامع سليمان باشا الفرنساوى بشارع كورنيش النيل وبين النقطة التى يتلاقى فيها شارع مريت باشا بشارع رمسيس الحالى.

أما الطرح السادس والذى يعد أكبر طرح ظهر لمدينة القاهرة فكان سنة 1281 بمنطقة بولاق بأكملها وجزء من منطقة الأزبكية وضمت أيضا منطقة ميدان رمسيس وأرض السيالة وشارع جزيرة بدران ومنطقة شبرا حاليًا.

وفى عام 1403 كان التحول السابع حيث طرح النهر الأرض الواقعة حاليًا بمنطقة فندق هيلتون النيل والنقطة التى يتقابل فيها شارع أبوالفرج بشارع جزيرة بدران بشبرا فى القاهرة.

 

قنطرة الخليج المصرى  عند باب الشعرية زمان
قنطرة الخليج المصرى عند باب الشعرية زمان

 

وحسب الراحل رشدى سعيد فى كتابه «نهر النيل» أن دلتا النيل كانت تتكون من سبعة فروع، قبل أن تستقر عند فرعين فقط دمياط ورشيد، ولكن نهر النيل نفسه غيّر مجراه فى القاهرة إلى العديد من المرات وأن معظم أراضى القاهرة الحديثة كانت تحت مياه نهر النيل، ومناطق الجيزة والدقى والعجوزة بما فيها شارع مراد وحديقة الحيوان والأورمان وشرق الدقى والعجوزة وشارع الجيزة والنيل، كانت تقع كلها شرق مجرى النيل الحالى، ولو تخيلنا ذلك سنكتشف أنه فى القرن السابع عشر كانت بعض المناطق مثل قصر عابدين وميدان رمسيس والأزبكية والسيدة زينب كانت تغمرها كلها مياه النهر.

وعندما تولى إسماعيل باشا عرش مصر 1863 كان تعداد القاهرة قد بلغ 270 ألف نسمة وكانت كل الأحياء التى تمتد من منطقة القلعة وتنتهى حدودها الغربية عند مدافن الأزبكية وميدان العتبة والمناصرة يفصلها عن النيل مجموعة من البرك والمستنقعات والمقابر والتلال ما جعل إسماعيل يفكر فى ثورة عمرانية وإقامة القاهرة الإسماعيلية على تلك الأراضى.

 

النيل يمر فى شارع السد زمان
النيل يمر فى شارع السد زمان

 

ونتج عن هذه الثورة نقل مجرى النيل الرئيسى من حيث كان يمر بمنطقة بولاق الدكرور وبمحاذاة شارع الدقى حاليًا وإمبابة إلى حيث مكانه الحالى، كما نقل المجرى الذى حلت محله الآن حدائق الحيوان والأورمان وجامعة القاهرة وأحياء الدقى والعجوزة والمهندسين وإمبابة وبين السرايات بالجيزة، وبدأت عملية تحويل مجرى نهر النيل فى نفس العام لبدء تخطيط القاهرة الخديوية أواخر سنة 1863.

ونتج عن انحسار النيل بعد تحويل مجراه أن ظهرت أراضى كثيرة غزيرة الطمى بين شارع الجيزة «مراد شارل ديجول» وكورنيش النيل الأعظم، وتقدمت إحدى الشركات الفرنسية المشاركة فى تحويل مجرى النهر لاستغلال هذه الأراضى للاستثمار العقارى وسلمت للحكومة مسطحات أراض أقيمت عليها مشروعات عامة فى غابة الأورمان وحديقة الحيوان والجامعة المصرية (جامعة القاهرة) ومصلحة المساحة ودار الإحصاء وبعض المدارس وسميت الشركة وحتى اليوم شركة تقاسيم أراضى الجيزة والروضة.

وقد أدى ذلك إلى تحول القاهرة من البرك والمستنقعات المردومة إلى شواطئ وميادين رئيسية، كميدان العتبة، وميدان الأوبرا، ميدان رمسيس، ميدان سليمان باشا (طلعت حرب باشا) ميدان الخديو توفيق (ميدان التوفيقية) ميدان الأنتيكخانة ميدان عابدين (الجمهورية) ميدان الإسماعيلية (التحرير) وشارع قصر العينى.

كما ظهرت أيضًا فروع ضخمة بنيت على شواطئها القصور القديمة والمنتزهات بزراعات حولها وأشهرها شارع بورسعيد الحالى بالسيدة زينب والذى كان معروفًا بالخليج المصرى، حتى أمر الخديو عباس حلمى الثانى بردم هذا الخليج.

وكان الخليج المصرى الذى كان يدخل فى السيدة زينب من منطقة فم الخليج بمجرى العيون حاليًا أقدم مجرى مائى تم حفره، وتذكر بعض الكتابات أنه يعود لعصر الفراعنة، حين اتصل النيل بالبحر الأحمر فى عهد سنوسرت الثالث قبل أن يُردم مرة أخرى، ويُحفر من جديد فى عهد عمرو بن العاص.

وبلغ طول الخليج نحو 46.20 كم، وخمسة إلى خمسة عشر مترًا وكانت البيوت تطل عليه مباشرة.

لكن فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى عندما قرر ردم الخليج نهائيًا تم ردم الأرض وسار فيها الترام، الذى كان يصل ما بين غمرة وباب الشعرية والسيدة زينب وشارع مدرسة الطب، وتحول إلى شارع عمومى أطلق عليه اسم شارع بورسعيد.

 

شارع فيصل زمان
شارع فيصل زمان

 

شارع بورسعيد من أطول شوارع القاهرة يبدأ من السيدة زينب ويمُر بأحياء؛ الهياتم، درب الجماميز، الحلمية، بركة الفيل، الحبانّية، عابدين، باب الخلق، الغورية، المناصرة، الأزهر، الموسكى، خان الخليلى، باب الشعرية، الظاهر، السكاكينى، غمرة، مهمشة، وينتهى عند الزاوية الحمراء، بل  وهو نفس مسار الخليح القديم الذى كان تحفةً للناظرين.

يَذكر الرحالة الإنجليزى«ديزموند ستيوارت» أن نهر النيل كان يشق قلب القاهرة إلى مطلع هذا القرن ليسير فى اتجاه شارع الموسكى، والعتبة قادمًا من شارع محمد فريد حاليًا بما يضفى على المنازل المطلة عليه مدينة جديرة بأن تُسمى «بندقية الشرق». 

وكان الخليج المصرى ظاهرة جغرافية مهمة فى القاهرة.. وفى مجلده «التطور العمرانى لشوارع القاهرة» تتبع «فتحى حافظ الحديدى» خط سير المياه عبر الخليج المصرى قبل أن يتم ردمه؛ حيث كان يخرج من النيل عند فم الخليج جنوب قصر العينى ويسير نحو الشمال الشرقى، حتى يصل إلى قناطر السباع (ميدان السيدة زينب حاليًا) ثم يعود سيره نحو محوره الأصلى مارًا ببركة الفيل ويستمر فى سيره نحو شارع الخليج المصرى الحالى بورسعيد، ثم ناحية الزاوية الحمراء وبعدها يتصل بشبكة الترع الكثيرة فى الأراضى الزراعية بمحافظة القليوبية.

وظلّ الخليج المصرى الذى يشق أراضى القاهرة لمئات السنين واحدًا من أهم فروع النيل، وكان يشهد احتفالات كثيرة منها وفاء النيل، والتى كان يحضرها حاكم مصر، كما حضرها نابليون قائد الحملة الفرنسية.

وفى المناطق التى تندهش الآن عندما تعلم أن مياه النيل كانت تصل منطقة الأهرامات التى ظلت لقرون مجرى معروفًا لنهر النيل، وقديمًا كان يقوم الفراعنة بنقل الأحجار التى يتم من خلالها بناء الأهرامات عبر السفن.

ومنذ ما يقرب من 200 عام مضت كان شارع الهرم مجرى مائيًا يتفرع من نهر النيل بما حوله من أراضٍ زراعية، وفى عام 1869 أمر الخديو إسماعيل بتمهيد الشارع استعدادًا لاستقبال ملوك ورؤساء دول العالم لحضور افتتاح قناة السويس؛ خصوصًا أن أوچينى إمبراطورة فرنسا، كانت قد طلبت زيارة الأهرامات.

سنة 1915 تم رد أجزاء من ترعة شارع الهرم، ومع زيادة حركة السيارات، تم تغيير طريق آخر على يسار ترام كان يمر بتلك المنطقة بدلا من الترعة، بحيث يكون الطريق فى الناحية اليمنى للسيارات القادمة من الجيزة والناحية اليسرى للسيارات العائدة إليها ووقع منتصف الطريق خط الترام.

وتعرض مكتبة نيويورك صورًا تم التقاطها عام 1861 لمنطقة الأهرامات الثلاثة حينما كان يمر من أمامها فرع النيل، إضافة كذلك إلى مناطق أخرى كان يشقها.

ومن أهم الأحياء التى كان النيل يعبر من خلال أراضيها منطقة الزمالك.

تبدأ حكاية الزمالك فى القرن الرابع عشر الميلادى عندما ظهرت جزيرة عرفت باسم «حليمة» عام 1273، وأقبل الناس عليها وبنوا فيها الخصوص والعشش وزرعوا حولها الزهور، وقال المؤرخون إن كلمة الزمالك أعجمية تعنى العشش، ولم يكن يفصل فرع النيل الغربى الزمالك عن العجوزة والدقى.

وفى عام 1877 قد تم حفر المجرى الحالى وتحولت المنطقة إلى جزيرة الزمالك.

وفى أواخر القرن التاسع عشر وللحد من عمليات تحرك مجرى النيل غربًا بذلت الحكومة جهدًا كبيرًا لإيقاف هذا التحرك واضطرت الحكومة إلى إلقاء حجارة كبيرة وكثيرة فى الفرع الذى يجرى بين جزيرة الروضة والجيزة، كما قامت بتقوية الجسور على طول شارع الجيزة وأدت الجهود إلى تثبيت النهر فى مجراه الحالى ووقف تحوله ناحية الغرب.. كما أدت إلى تثبيت سهل الفيضان الغربى للنيل الذى تم صرف مياهه وشق الترع فيه لتظهر أحياء العجوزة والدقى والجيزة.