السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ترمومتر اجتماعى.. وخلاصة خبرة

أمثالنا الشعبية حب وخداع وهروب من المسئولية أحيانًا

تعبر الشعوب باختلاف طبقاتها وانتماءاتها عن مشاعرها باستخدام الأمثال الشعبية التى تحظى بتداول وانتشار سريع يجسد العادات والتقاليد والمعتقدات، وبمرور السنوات تصبح خلاصة حكمة الشعوب وذاكرتها. 



وتتناقل الأجيال المتتالية الأمثال لسهولة انتشارها، إضافة إلى نصها الجمالى والموجز، لكن ليس دائما ما تكون الأمثال دلالة صدق أو معيار قيمة.

والمثل الشعبى فى الأصل هو قول مأثور بنصيحة شعبية، أو حقيقة أو ملاحظة تجريبية أو حتى موقف ساخر من عادة اجتماعية أو خبرة قد تكون بعضها سيئًا.

 والذى يصوغ المثل الشعبى شخص على درجة عالية من الحكمة بقدرة على التركيز، وموهبة خاصة فى استخدام اللهجة الشعبية، وجودة اختيار ألفاظها.

هنا دراسة تحليلية لأشهر 10 أمثال أصل حكاية كل منها، والمناسبات التى قيلت فيها.

 

 
 
بعض الروايات تنسب للفراعنة أمثالا شعبية
بعض الروايات تنسب للفراعنة أمثالا شعبية

 

سوء الحظ

«جت الحزينة تفرح مالقتلهاش مطرح» واحد من أبرز الأمثال المتداولة ويُقال فى بعض الدول العربية «جت الحزينة تفرح مالقت إلها مطرح»، ويرجع  أصله إلى إحدى القرى العربية التى كانت بها عائلة كبيرة تشتهر بالكرم وحسن الضيافة، وكان اسمها «تفرح».

 ويقال إنه كان لدى هؤلاء فتاة فائقة الجمال وتعرف بحسن خلقها وتدعى «الحزينة»، وفى أحد الأيام نزل شهبندر التجار الذى يسمى «مطرح» إلى هذه القرية، وقرر أن يقضى بها ليلة، فما كان من أهل القرية إلا أن وجهوه إلى بيت «تفرح» لاتساعه للضيوف، والقدرة على حسن استقبالهم.

وبعد أن بلغ الشهبندر المنزل، رأى «الحزينة»، فقرر أن يخطبها لولده الذى يسمى «إلها» وبالفعل تمت الخطبة، لكن «الحزينة» كانت عصبية بعض الشىء، وقبيل العُرس، نشبت مشاجرة بين «إلها» و«الحزينة» حتى اعتذرت له عن خطئها، وبعد أن جاء موعد الفرح قرر «إلها» أن ينتقم منها، وبعد ارتدائها فستان العُرس، جلست تنتظره، وتأخر الوقت كثيرًا ولم يأتِ «إلها»، فقال المعازيم جملة «جت الحزينة تفرح ما لقت إلها مطرح».

أما مثل «المنحوس منحوس.. ولو علقنا فى رأسه فانوس» فيقال هذا المثل على الشخص الذى يلاحقه النحس، وتعود قصته لأخوين أحدهما غنى والثانى فقير، فقرر الأول أن يمد أخيه بالمال بشكل غير مباشر، لكى لا يحرجه، وفى أحد الأيام ألقى فى طريقه سرة من المال، انتظارا لخبر عثور أخيه على نقود فى الطريق، لكن أخاه أخبره أنه قرر أن يأتى مغمضا عينيه هذا اليوم. 

 

الطيور موجودة فى الأمثال
الطيور موجودة فى الأمثال

 

 الرضا وعدمه 

 «شايل طاجن ستك» مثل مشهور دارج يشير إلى إدمان الهم والتشاؤم، وجرى العرف منذ القدم أن أشهى المأكولات وأفخمها كانت تطهى فى الطواجن، فكانت الفتاة أو السيدة تقف طوال اليوم للانتهاء من طاجن شهى، تحمله على رأسها وتتوجه به إلى الجدة لأجل إرضائها، ولكن الجدة كعادتها لا يعجبها شىء، فصار «طاجن ستها» مثالا دومًا للنكد والحزن، وتعبيرًا عن عمل شاق لم يلق استحسانًا، وجرى من هنا استخدام المثل للتعبير عن حالة القنوط والاستياء وعدم الرضا.

 أما «ياما جاب الغراب لأمه»

 فتقول إحدى الدراسات المختصة بسلوك الغربان وحياتها، أنها تحب كل الأشياء التى لها بريق فى الشمس، وأن لكل غراب مخزنه السرى الخاص به الذى قد يكون ثغرة فى شجرة، أو حفرة فى سقف برج قديم، أو حجر فى باطن كوبرى.

وتمكن أحد فريق الدراسة من الوصول لأحد مخازن الغربان، فوجد به قطعة من مرآة مكسورة ويد فنجان، وقطعة من صفيح وأخرى من معدن، وأشياء تافهة لا قيمة لها سوى أنها تلمع فى الشمس، ومن هنا جاء المثل لكل من يأتى بشىء لا قيمة له ولا فائدة.

 ويقال إن مثل «عصفور فى اليد خير من عشرة على الشجرة»، فالغرض منه لفت الانتباه والنهى عن الطمع واستغلال الفرص القريبة، وأحيانًا ما يستخدم للنقيض أيضاً، أى العمل وفق مبدأ الحرص والحذر والخوف من المخاطرة.

وللمثل حكايات وروايات عديدة، أكثرها تداولاً هى عن شخص كان يحمل عصفوراً، وأثناء سيره وجد مجموعة عصافير على الشجرة، فطمع بها، وترك العصفور الذى بيده وصعد إلى الشجرة، فطارت العصافير مباشرة، ولم يستطع الحصول لا على هؤلاء ولا على ما كان معه، فعاد حزينًا. 

أما المثل الدارج  «100 فل و14» فيعود إلى عصور الفراعنة حيث استخدم للتعبير عن مدى كمال ما يتحدثون عنه جودة    أوضاعه ، لكن ما هو أصل هذه الجملة على الرغم من انتشارها، وما سرها عند «الفراعنة».

كان قدماء المصريين عندما يقومون بتسجيل حياتهم على الجدران، يضعون لكل كائن عدد محدد من المربعات لا يتجاوز الخروج عنها، وكان طول الإنسان العادى فى الرسومات 19 مربعًا، وعرضه 6 مربعات، أى أن 6×19 = 114 فجاء المثل الشهير للتعبير عن إتمام الشى على وجهه الأمثل.

 

قبة الشيخ مضرب الأمثال
قبة الشيخ مضرب الأمثال

 

الهروب.. واللوم

 يروى أن قصة «موت ياحمار» المثل الدارج الشهير أن أحد الحكام  شاهد حمارا دخل بستانه، فأمر بإحضاره وإعدامه، فهمس الوزير فى أذنه «إنه حمار يا مولاى»، فأمر الحاكم أنه على الحمار أن يتعلم الأصول ويراعى الأوامر الملكية، وأذن مؤذن فى المدينة بدعوة من يملك القدرة على تعليم الحمار، وله من المال ما يشاء.

ويقال إن هذا الأمر أحدث جدلاً كبيرًا فى الشارع المصرى، ويقال إنه حدث فى العراق، وفى رواية أخرى يربط هذا المثل ببعض أحداث شخصية جحا الأسطورية.

وضمن الحكاية أن رجلًا تقدم وقرر أنه سيعلم الحمار بشرط أن يمنحه السلطان قصرًا يعيش فيه ومالاً وفيرًا، وبستاناً كبيرًا، ومدة للتعليم 10 سنوات.

فوافق الحاكم، وأخبر الرجل أنه سيقطع رقبته إن لم يفلح فى تعليم الحمار.

وانطلق الرجل إلى زوجته بالخبر السعيد وبالقصر والحياة الرغدة التى تنتظرها، ولكن المرأة سألته عن مصيره المحتوم، بعد انتهاء المدة المحددة، فهى تعلم أن الحمار لن يتعلم، والحاكم سوف يقطع رقبته فرد الرجل «بعد 10 سنين إما سيموت السلطان أو أموت أنا أو يموت الحمار».

هنا قال العرب «موت ياحمار»، وصار مرتبطًا فى الوطن العربى بالأشخاص الذين يعتمدون على عنصر الزمن فى التنصل من مسئولياتهم، أو الهروب من التفكير فيما يخفيه القدر.

 

الإيد الشقيانة لها نصيب
الإيد الشقيانة لها نصيب

 

«تحت القبة شيخ»

المثل الدارج «احنا دافنينه سوا» و«تحت القبة شيخ» يروى أنهما يعودان لقصة واحدة لمحتالين، أحدهما يدعى نائل اللئيم، والثانى أبوالمفاهيم، أثارت أفعالهما، وخصالهما الذميمة غضب الكثيرين، وعندما ذاع صيتهما واشتهرا، وجدا أنه لا مفر من الرحيل، فسرقا حمارا وحفنة من الذهب، ولاذا بالفرار من المدينة ليلاً، وحملهما الحمار إلى قرية بعيدة، ويعرف أهلها بالطيبة والتدين.

وعلى أعتاب القرية نفق الحمار دون طعام أو شراب.

حزن اللصان، وفكرا فى تركه وإكمال رحلتهما على الأقدام، ولكن اللئيم راودته فكرة، فقال لصاحبه «صبر معنا هذا الحمار أميالا كثيرة، وحملنا دون شكوى أو اعتراض، ومن حقه علينا أن ندفنه هنا».

فقال له «ولم نكلف أنفسنا المشقة؟»

رد اللئيم «هذا حقه، لقد كان هذا الحمار صابرا معنا، فهو أبوالصبر وعندما سندفنه هنا سندبر أمراً يجعلنا فى ثراء وغنى، وقد نحكم هذه القرية فى الحال».

حفر الرفيقان الأرض، ودفنا الحمار، وأقاما على القبر سورًا من الطين، قبل أن يسمعا أصواتاً آتية، فجلسا يبكيان ويقولان «لا إله إلا الله، أبوالصبر حبيب الله» مات.

اقترب الناس قال اللئيم وهو يبكى، «نحن من أتباع الشيخ أبوالصبر، وهو من أولياء الله، وقد كانت له كرامات، يشفى المريض، ويزوج العانس، وقد مات هذا الصباح، وكان قد أوصانا أن ندفنه فى هذا البلد، وقال لنا إنها قرية الخير والمدد، وأهلها من أهل الجنة».

صدق الأهالى القصة، ووعدوا بمساعدتهما فى بناء مقام يليق بـ «الشيخ أبوالصبر»، وبالفعل تم بناء المقام، ثم اتسع البناء وأصبح مسجدًا والمقام فى وسطه، وحوله سور من حديد، وعندما كان أهل القرى المجاورة يأتون للقرية فيسألونهم عن اسم صاحب المقام، وسر بناء قبة ضريحه العالية، فكان أهل القرية يقولون لهم «تحت القبة شيخ» وأصبحت مثلًا.

وغمرت العطايا والهبات المحتالين، وبين ليلة وضحاها زاد مالهم، وأصبحت لهما هيمنة على شئون القرية، والأعيان والفقراء.

وفى يوم من الأيام قال نائل اللئيم لصاحبه  «سأتركك بضعة أسابيع، وأسافر إلى أهالينا، لأعطيهم ما يكفيهم من المال، وسأودع عندهم صكوك الأراضى التى اشتريناها من القرى الأخرى»، وغاب المسافر أكثر من شهر، ثم عاد، وقد بدت بوادر الثراء عليه وزيادة وزنه، فسأل صاحبه «كم أتى لنا من المال فى غيابى؟ قال أبوالمفاهيم: «لم يدخل لنا دانق ولا خردلة».

فنظر إليه فى دهشة وهم أن يبطش به، فصاح أبوالمفاهيم وهو يقول «أقسم بحياة سيدى أبوالصبر»، فرد نائل اللئيم، «سيدى أبوالصبر؟! إحنا دافنينه سوا»، فأصبحت العبارة مثلًا للدلالة على فهم حيلة آخر.

البعد والجفاء 

«بينهم ما صنع الحداد»، مثل قصته تعود لأحد العرب، كان متزوجًا من سيدة سليطة اللسان، وفى أحد الأيام فاض الكيل بالرجل فخرج من الخيمة «بينى وبينك ما صنع الحداد».

أخذت الزوجة تفكر فى جملة الزوج، وتحاول أن تخمن ما الذى قد يصنعه الحداد، ولكنها قررت فى النهاية الانتظار إلى أن يعود الزوج وتعرف قصده.

 عاد الزوج بلفة داخلها قرص كبير من الحديد، ومعه عصا طويلة، أعطاها لابنه وأمره بأن يطرق عليها ليحدث ضجيجا، وخرج من الخيمة، آمرا ابنه بالاستمرار فى الطرق أثناء ابتعاده هو عن الخيمة، وظل الرجل يبتعد وابنه مستمر فى الطرق إلى أن وصل إلى نقطة انتهى عندها مدى الصوت الذى صنعه الحداد، وهناك نصب خيمة عاش فيها بعيدًا عن لسان زوجته.