الأحد 4 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

دراسات

ليه بنترعب من أفلام الرعب؟!

مشهد من فيلم The Ring
مشهد من فيلم The Ring

لا نزال مع نوعية «أفلام الرعب» بالدراسة والتحليل.. وها هو الجزء الثانى من الدراسة استكمالًا للجزء الأول الذى صدر فى العدد السابق. وحتى يمكننا فهم المقصود بالرعب أكثر لنُقارن بين فيلمين شهيرين – الأول من الدراسة – الفيلم الأول هو The Ringالأمريكى (2002)، والذى تمت إعادة إنتاجه أو عمل Remake له من فيلم الرعب اليابانى(Ringu 1998)، وهو النموذج الثانى للمقارنة، مع شرح الاختلافات الثقافية والبنيوية بين الفيلمين.



 

فيلم Ringu اليابانى هو الفيلم الأصلى، والذى قامت عليه  Remakesعديدة، فالفيلم الأمريكى The Ring ليس الـRemake الوحيد للفيلم اليابانى، فقد ظهر ذات الفيلم بعدة أشكال أخرى، منها فيلم الرعب Ring من كوريا الجنوبية عام 1999.. ظهرت العديد من الأجزاء اللاحقة لـ Ringu بعد ذلك مثل 2 Ringu عام 1999، وكان آخرها فيلم «ساداكو فى مواجهة كاياكو» عام 2016 ( ساداكو وحش فيلم Ringu وكاياكو وحش فيلم يابانى شهير تم تحويله لنُسخة أمريكية أيضًا وهو The Grudge).

أخرج «هيديو ناكاتا» الجُزء الأول من Ringu، ثم انتقل إلى السينما الأمريكية لإخراج The Ring Two.. والفيلم ذاته فى الأصل مقتبس عن رواية «حلقة» للكاتب «كوجى سوزوكى»، والتى استوحاها من فيلم الرعب الشهير «بولترجاشيت» عام 1982.

مشاهد من التراث اليابانى
مشاهد من التراث اليابانى

 

 

ومعنى عنوان «الحلقة» أو Ring غامض، ففى النُسخة الأمريكية تم تفسيره – كما هو واضح على أفيش الفيلم – بأنه الدائرة أو الحلقة بعد غلق البئر على «سامارا»، فى حين أن النسخة اليابانية تشير لـ«رنين الهاتف» Phone is ringing.. لكن مؤلف الرواية الأصلية «كوجى سوزوكى» يُشير دائمًا  إلى أن المقصود من العنوان هو «الطبيعة الدورية للمؤامرة».

نجاح الفيلم اليابانى الكبير، جعل الناقد «ستيفن شنايدر» يضعه فى قائمته الخاصة بعنوان «1001 فيلم يجب أن تُشاهدها قبل أن تموت»!

وهو نفس ما حدث مع الـRemake الأمريكى، والذى حاز على تقييم 72 % على موقع Rotten Tomatoes، وتقييم 57 /100 على موقع «ميتاكريتيك».

كما منح موقع Bloody Disgusting المرتبة السادسة للفيلم على قائمة أفضل 20 فيلم رعب بهذا العقد. لكن هنالك نُقاد لم يروه بهذه الجودة، منهم «روجر إيبرت»، والذى أعطى الفيلم تقييمًا سلبيًا، لكن نجاح النُسخة الأمريكية الكبير، حمَّس صُناع الأفلام الأمريكية لعمل Remake من أفلام رعب يابانية أُخرى مثل One Missed Call.

ورغم فكرة الاقتباس هنا؛ فإن الفيلمين اختلفا فى العديد من النقاط على مستوى البناء والشخصيات والثقافات أيضًا.

 

اختلافات مع السينما الأمريكية
اختلافات مع السينما الأمريكية

 

فشخصية الطفلة المرعبة «ساداكو» فى النسخة اليابانية كانت ابنة لـ«شيزاكو» – وليست طفلة متبناة كـ«سامارا» فى النسخة الأمريكية، بل إن «شيزاكو» كانت تتمتع بموهبة الإدراك الفائق للحواس، فكانت تستطيع قراءة الأفكار والعقول، لكن «ساداكو» تفوق والدتها كقوة عقلية.. وقد تعاونت «شيزاكو» – قبل ولادة «ساداكو» – مع «د.إيكوما» فى محاولة لاعتراف العالم بقوتها العقلية.

لكن يحدث العكس، ويخاف الناس منها أكثر.. ونكتشف مع الوقت أن «شيزاكو» كانت عشيقة «د.إيكوما» – رغم أن لديه زوجة وعائلة - وأن «ساداكو» ابنته أيضًا، وهو ما تسبب فى فضيحة لـ«د. إيكوما»، وفصله من العمل.

وتنتحر الأم «شيزاكو»، ويُقدم «د.إيكوما» على قتل «ساداكو» بإلقائها فى البئر، إلا أن «ساداكو» لم تُقتل لتموت حية داخل البئر الذى أغلقه عليها «د.إيكوما»، ويموت بعدها «د.إيكوما».

فى النسخة الأمريكية كانت الطفلة المرعبة اسمها «سامارا»، وهى مُتبناة، من قبل «ريتشارد مورجان» و«آنا»، حيث حاول الاثنان كثيرًا أن ينجبا طفلًا ولم ينجحا، فقررا تبنى «سامارا».

 

"ريوجى" قدرات خاصة ومواهب
"ريوجى" قدرات خاصة ومواهب

 

ونفهم من سياق الفيلم أن الأب «ريتشارد» هو من قتل «سامارا»، لكن يُفاجئنا الفيلم بتحول مهم بإظهار أن قاتل «سامارا» هى الأم نفسها «آنا»، وأنها هى التى قامت بإلقاء «سامارا» فى البئر.

البطلان فى النُسخة اليابانية هما زوجان مُنفصلان .. «ريكو»، وزوجها «ريوجى»، وكان «ريوجى» غير مُرتبط بعد انفصاله عن «ريكو»، ونعرف من الفيلم أن «ريوجى» كان مثل «شيزاكو» – والدة «ساداكو» - يتمتع بالإدراك الفائق للحواس، فكان يستطيع قراءة الأفكار، ولهذا السبب كان لا يرغب فى انجاب ابن أو ابنة من «ريكو»، لأنه لا يُريد أن يُورث ما يتمتع به – والتى اعتبرها لعنة – لابن أو ابنة من بعده!

وقد ساهم «ريوجى» فى تفسير مسألة «ساداكو» عندما قابل والد «شيزاكو»، ووضع يده عليه ليقرأ عقله وماضى «شيزاكو» و«ساداكو»!.. وشاهد البطلان شريط الرعب القاتل – وكذلك ابنهما –لهذا يحاولان فك طلاسم لغز «ساداكو»، وهذه الرحلة هى التى ساهمت فى التقُرب من بعضهم البعض.

البطلان فى النُسخة الأمريكية أيضًا زوجان مُنفصلان.. «ريتشل» وزوجها «نواه» وارتبط «نواه» بعد انفصاله عن «ريتشل» بطالبة. ونعرف من الفيلم أن «نواه» لم يشأ إنجاب طفل من «ريتشل» لأن والده لم يكُن أبًا جيدًا.

ساهم «نواه» فى تفسير مسألة «سامارا»، فكان الدور الأساسى لـ«ريتشل» أكثر، فهى التى سافرت بمُفردها إلى الجزيرة للتقصى – على العكس من النُسخة اليابانية حيث سافر الزوجان معاً إلى الجزيرة – وهنا تظهر شخصية الطبيبة «جرازنيك» وابنها المُعاق «درابي»، وكأنها تُمثل مُعادل شخصية «د.إيكوما» فى النُسخة اليابانية خاصةً وأن ابنها «داربى» مُعاق مثل «ساداكو» المُعاقة والغريبة فى نظر الناس أيضًا. والاثنان «ريتشل» و«نواه» أو الزوجان البطلان قد شاهدا شريط الرعب القاتل – وكذلك ابنهما – كما فى النسخة اليابانية.

أدوار محدودة

فى النُسخة اليابانية كان دور الابن «يوشى» – ابن الزوجين «ريكو» و«ريوجى» – محدودًا، بحيث تم الاكتفاء بمعرفة أن لديه قدرة خارقة فى الحديث مع الموتى، ونفهم بعد ذلك أنه ورث تلك القدرات من «ريوجى»، والذى لديه قدرة قراءة الأفكار.

وكانت العلاقة بينه وبين والده «ريوجى» فاترة، فكان أكثر قُربًا من الأم «ريكو»، كما تتركه الأم لدى والدها أثناء رحلتها إلى الجزيرة مع «ريوجى» للبحث عن سر الشريط القاتل.

لكن فى النسخة الأمريكية من الفيلم فكان الابن «آيدن» – ابن الزوجين «ريتشل» و«نواه» –دوره أكبر، خارقة أكبر، وإن كانت لم تُوضح كثيرًا، وهو لم يرث هذه القدرة من أحد، وفى الفيلم كانت العلاقة بينه وبين والده «نواه» فاترة، فكان أكثر قُربًا من الأم «ريتشل»، كما تتركه الأم لدى زوجة ابنة عمه «كاتى» أثناء رحلتها إلى الجزيرة بمفردها للبحث عن سر الشريط القاتل، ثم يتبعها «نواه» بعدما ذهب للمستشفى النفسى للبحث عن سر «سامارا». 

فى النسخة اليابانية كان تصوير الفيلم، فى أجواء نهارية غالبًا والمؤثرات فقيرة، كما أن المَشاهد الحوارية طويلة، مما أثر على جودة الفيلم، وإن استمرت القصة وأحداثها مُشوقة.. وتبدو مشاهد العُنف أقل رُعبًا عن نظيرتها الأمريكية، رغم أنه من المفترض أن الرُعب اليابانى أكثر عُنفًا!. 

لكن فى النُسخة الأمريكية من The Ring، كان التركيز أكثر على تأثير التليفزيون فى حياتنا ومدى تغلغله.. وإن كان يُمكن اعتبار التعاطى مع «سامارا» فى النُسخة الأمريكية بوصفها حالة غريبة وأنها نذير شؤم على الجزيرة يُلامس الفكرة الخاصة بالنُسخة اليابانية والتعامل مع الآخر الغريب والمختلف (فى بداية الفيلم تتحدث كاتى – ابنة عم الطفل آيدن – مع صديقتها، فتقول لها الأخيرة بأنها تكره التليفزيون لأنه يسبب لها الصداع، وتشرح لها بأن موجات التليفزيون والهواتف تُسبب أضرارًا للبشر، لكن الشركات الكبرى لا تهتم/ تُوضع صديقة كاتى بعد وفاة الأخيرة فى مصحة نفسية بسبب ما رأت عليه كاتى بعدما ظهرت لها سامارا، وتُعزل عن باقى المرضى، وعندما تُشاهدهم وهم يتابعون التليفزيون فى المستشفى تشعر بالخوف الشديد / تخرج ريتشل إلى الشُرفة، بعدما تركت الشريط القاتل فى يد زوجها نواه ليشاهده، وتُلاحظ فى البناية المُقابلة لمسكنها الكثيرون يُتابعون ما يعرضه التليفزيون، ومنها أم تترك طفلها أمام التليفزيون وتخرج هى الأُخرى للشُرفة لتُدخن، فتشعر ريتشل بالخوف).

فى النسخة الأمريكية على العكس من اليابانية كان أغلبه فى الأجواء الليلية، وحتى فى المشاهد النهارية سيطرت الدرجة الرمادية على الكادر، بجانب المؤثرات التى تم توظيفها بحرفية، والمَشاهد التى توصلنا للمعلومة فقط دون كثير من المونولوجات، وهو ما رفع من جودة الفيلم، بجانب القصة وأحداثها المُشوقة.

فروقــــات بـين الحبكــــــــــات المختلفة
فروقــــات بـين الحبكــــــــــات المختلفة

 

وتبدو مشاهد العنف أكثر رعبًا عن نظيرتها اليابانية.

اختلاف التفاصيل

المقارنة بين أفلام الرعب من بلدان مُختلفة توضح ما طرحناه؛ إذ يلاحظ بوضوح اختلاف بناء فيلم الرعب الأمريكى عن نظيره اليابانى، كما أننا سنكتشف ارتباط كلا الفيلمين بالأساطير والحكايات الشعبية والموروثات باختلاف ثقافة كلا البلدين.

 لكن ينبغى الإشارة إلى أن البطلة فى الفيلم اليابانى ليست مُختلفة فى ظروفها الاجتماعية والإنسانية عن البطلة فى الفيلم الأمريكى، وهو ما يذكرنا بـ«رحلة البطل - فى كتاب «البطل ذو الألف وجه» لـ«جوزيف كامبل»، والذى فيه لا يُمكن النظر للإنسان سوى بنظرة عالمية، حيث لا اختلاف بين انسانٍ وآخر فى أى مكان بالعالم.

والسينما اليابانية عادةً ما تُقدم قصصًا عن عوالم أسطورية، وانتمى بعضها إلى فئات معروفة كالتحريك وأفلام الرعب والعُنف المعروفة بقسوتها الشديدة، وحتى الأفلام الاجتماعية اليابانية المعاصرة تختلف عما نشاهده من أفلام من هذا النوع من ثقافات أخرى لأنها ترتبط على نحو وثيق بالتراث.

فى فيلم Ringu كانت تتكرر عبارة على لسان «شيزاكو» – والدة «ساداكو»: –«اللعب فى البحر يجعل العفاريت تتملكك».

 يظهر أن التركيز كان على البحر والصيادين وله دلالة، فالصيادون متشائمون من «شيزاكو»رغم أنها تُراقب البحر لساعات، بل وتُحذر الصيادين!

 وبالرجوع إلى الأساطير اليابانية، فسنجد أنه هناك أسطورة «فونا يوريه» التى تقول أن الأرواح الغاضبة والناقمة (العفاريت) لموتها المُروع فى أعماق البحر ترتفع لتأخذ حياة الصيادين والبحارة فى سُفنهم وقواربهم. البحر وعلاقته بالشخصيات لم تركز عليها كثيرًا فى النسخة الأمريكية.

أيضًا اسم «ساداكو» أو الطفلة المُرعبة له أصل فى الثقافة الشعبية اليابانية، فـ «ساداكو» فتاة حقيقية وُلِدتَ 1943، واكتشف الأطباء أنها مصابة «بسرطان الدم» إثر إلقاء القنبلة الذرية على مدينتها «هيروشيما» فى الحرب العالمية الثانية (ساداكو فى الفيلم تُعانى أيضًا من قُدراتها العقلية الفائقة وكأنه مرض أدى لعزلها)، فرقدت «ساداكو» فى المستشفى، زارتها صديقاتها، وقد جلبن معهن أوراقًا مُلونة ومقصًا، وطلبن من «ساداكو»أن تصنع من هذه الأوراق الملونة ألفَ طير من طيور «الغرنوق»، وهذا الطير- كما يعتقد معشر اليابانيين - يعيش ألف عام، وعندما يصنع المريض ألف طير من هذه الأوراق، فإنه سيعيش بعدها، ويُشفى من مرضه.

صدقت «ساداكو» الأسطورة، وشرعت فى صناعة 644 طيرًا  من «الغرنوق»، وملأت بها غرفتها، فكانت تعيش على الأمل، ومع طيرها الأخير، تُودع الحياة عام 1955.

تركت «ساداكو» رسائل كثيرة إلى أصدقائها، وقد نُشِرتَ فى الصحف، وقد هزت وفاتها جميع اليابانيين، فقرروا تكملة البقية الـ356 طيرًا  فى كل ذكرى وفاتها، وأصبحت «ساداكو» رمزًا للتحدى والأمل والعيش والانتصار، لو سألت أيّ يابانيٍ عن اسم «ساداكو» سيجيبك بقصتها كاملة رافعًا  رأسه للسماء لطلب الرحمة لها. 

قال الناقدان «ولفنشتاين» و«ليتز» أنه لو اشترك الجميع فى أفكار خيالية مُتشابهة فبعد فترة، تتحول تلك الأفكار لأحلام اليقظة.

يُمكننا لهذا السبب تفسير أحد أهم أسباب نجاح النسخة الأمريكية من The Ring، حيث تم اختيار اسم الطفلة «سامارا» بدلاً من «ساداكو» فى النسخة اليابانية، وذلك لارتباط اسم الفتاة بعنوان قصة «موعد مع سمارة» للكاتب الإنجليزى «سومرست موم»، والتى تحكى عن رجل يُقابل الموت فى السوق، فيهرب منه بعيدًا، ليذهب إلى «سمارة»، فيبتسم الموت بخبث مُعلنًا أن وفاة الرجل كانت يجب أن تحدث عند سمارة وليس فى السوق.

النسخة الأمريكية امتلأت أيضًا برموز من الثقافة الأمريكية أكثرها التشاؤم.. فمثلاً تمر «ريتشل» أسفل سلم خشبى.. السلالم تتكرر كثيرًا فى مَشاهد شريط الرعب القاتل، والسير تحت سلم خشبى من الأشياء التى يتشاءم منها الأمريكيون، السبب أن السلم كان يُستخدم بهذه الوضعية فى العصور الوسطى لإعدام الأهالى الأبرياء، حيث كانوا يربطون حبلًا فى إحدى درجات السلم، ويشنقون به الشخص المُراد!.

أيضًا حاولت النسخة الأمريكية إضفاء عنصر أمريكى بصرى معروف وهو الخيول، فـ«الخيول» التى كان تُزعج «سامارا» دائمًا، فتدفعها إلى الانتحار، أحد هذه الخيول حاول قتل «ريتشل» على سطح باخرة، و«الحصان» معروف أنه عادةً ما نجده فى أفلام الـ Western الأمريكية، لذلك تظهر فى النسخة اليابانية.

تكرر أيضًا ظهور المرايا عدة مرات فى النسخة الأمريكية أكثر من النسخة اليابانية، والمَعروف أن الثقافة الأمريكية ترتبط بأساطير مُتعلقة بالمرآة، مثل أُسطورة «مارى الدموية»، وهي شبح برزت فى الأساطير الإنجليزية، يُقال أنها تظهر في المرآة عند ذكر اسمها، وغالبًا ما يرتبط ظهورها لدى من يحاولون أن يكون لديهم الشجاعة أو يلعبون «لعبة الجرأة» اللعبة الأمريكية الشهيرة التى تعتمد على شجاعة المُتنافسين وعدم خوفهم.