الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
اللولب المتجول

اللولب المتجول

عشت مغامرات عديدة فى عملى كطبيب مكلف بالريف؛ مثلًا لاحظت خلو عيادة تنظيم الأسرة من الرواد، وبالبحث والاستقصاء علمت سريان شائعة مستحيلة الحدوث، عن تجربة أنواع جديدة من وسائل تنظيم الأسرة فى النساء، وأن هذا تسبب فى وفاة سيدة فى بلد مجاور.



فى شائعة أخرى قيل إن لولب منع الحمل يسرح فى الجسم، حتى إنه خرج من فم سيدة، وقيل من أنفها، وفى رواية أخرى من أذنها، ولم يصلنى قول بخروجه من فم زوجها، لكن هذا غير مستبعد فى ظل كثرة اختلاق الشائعات وسهولة انتقالها مهما كانت غير معقولة، لدرجة أن حدثنى محمد سعد عامل الوحدة الصحية أنه سمع من صديقه متولى اللى قالت له مراته عطيات النمر أنها رأت اللولو سارح تحت الجلد فى ضهر بنت أختى بهانة، وكل ما نيجى نمسكه، يفلت، ولما جه فى سمانة رجلها اليمين، ربطنا عليه، ورحنا بيها للدكتور نظمى السقا، قال لازم رنين مغماطيسى، عملنا لها سونار ع المخ، لقينا اللولو فى بيت الكلاوى، ورحنا المستشفى، حولونا ع الإدارة الزراعية، عملوا لها عملية المرارة، وطلعوا اللولو من المصران الأعرج، بس الطحال سليم الحمد لله.   

وغير شائعة اللولب المتجول، تكاثرت _قبل حملة للتطعيم ضد شلل الأطفال_ شائعات ضد التطعيم، منها أنه يتسبب فى العقم مستقبلًا، وقيل يسبب العجز الجنسى، وقيل الحَوَل، وفى رواية أخرى أن طفلًا من بلد مجاور، أخذ التطعيم فانغلق فمه وامتنع عن الرضاعة حتى مات.

وقيل إن هدف حملة التطعيم جمع دماء الأطفال لاستعمالها فى إنتاج عقارات ضد الشيخوخة. هذه الشائعة ذكرتنى بأخرى قديمة عن عصابات لخطف الأطفال وذبحهم على سيور المكن لتشغيل المصانع، ومثلها حديثة عن عصابات تخطف الأطفال لاستعمال أعضائهم قطع غيار بشرية.

تلك الشائعات ومثيلاتها من السخافة، والجهالة، والبعد عن البداهة والمنطق لدرجة تجعل نقاش محتواها نوعًا من العبث، لكنها طوال الوقت يُعاد إنتاجها بتنويعات أخرى، وربما بحذافيرها رغم ثبوت زيفها، وهذا يشير إلى غياب العقل النقدى الذى يتشكك ويتساءل، وحضور العقل الرجعى، النقلى، الذى تشكل _ بالإلحاح لسنين بل قرون طويلة_ على ثقافة السمع والرواية الشفاهية، غمرًا بالخطب والمواعظ، حتى اعتاد التلقى الخانع للمقولات والشائعات مهما كانت خزعبلاتية، وفضلًا عن ذلك فهو يعمل على نقلها بحماس موهوم بالإرشاد للحق والصواب، والتحذير من الباطل.

ويكشف محتوى مثل تلك الشائعات عن مفاهيم العقل الرجعى وتصوراته ومخاوفه وأسس تفكيره؛ كالعداء ضد العلم، والقانون والدولة باعتبارها تمثيلا وتجسيدا للحداثة فى الواقع. ولا يخفى ما وراء شائعة اللولو المتجول من عداء لتنظيم الأسرة وانتصار لثقافة التكاثر الأساسية فى العقل الرجعى.