الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المسرح يحتـاج أفكارا جديدة فى عصر الصورة .. المشـاهـد لديـه حاسة نقديـة ولا يذهب إلا للكـوميديا .. إيـزيس تلـد حبيبها فـى مسـرحيته حلم يوسف

بهيج إسماعيل: أكتب من إبداعات الحياة

«وياريح ليالى الشوق/ إديها من قوتك/ ويانجمة عالية فوق/ إديها من عزتك/ ويا بحر نيل يا قديم/ إديها من حكمتك/ ويا بحر نيل يا حكيم إديها من سرك».



بهذه الشاعرية يكتب بهيج إسماعيل مسرحياته، فهذه الكلمات من مسرحيته «حلم يوسف» تغنيها الجماعة لفاطمة التى هى إيزيس، رمز البطولة والتضحية فى الأسطورة الفرعونية، وفى مسرحية حلم «يوسف»، لكن غناء الجماعة لا يقتصر على الإنشاد لفاطمة وإنما لكل مواطن مصرى عاشق لنهر النيل، النهر مانح القوة وسر الحياة.

سألت بهيج إسماعيل الكاتب المسرحى الكبير الذى تم تكريمه فى الدورة الرابعة عشرة للمهرجان القومى للمسرح «دورة الكاتب المصرى» 2021، عن أسرار إبداعه عن النيل الذی يجرى فى عروق أبطاله، عن النهر الخالد الذى أفرد له دور البطولة فى مسرحيته «عاشق الروح»، كتب بهيج إسماعيل أربعين نصًا مسرحيًا، وخمس سيناريوهات لأفلام مهمة، وأكثر من رواية ومجموعات شعرية منها «طائر الغيب» و«تلك الأيام»، وعملى للتليفزيون. مسرح المواطن المصرى

قلت: فى مسرحياتك تتجلى روح الشعر وتتجسد حياة المواطن المصرى، وقضاياه، فكيف جمعت بين الشاعرية والواقع، وبين الحلم والأسطورة؟

- فقال: «همى كله هو المواطن المصرى كحامل للروح المصرية الخالدة منذ أجداده الفراعنة حتى اليوم بل وغدًا، والمسرح نفسه بدأ شعرًا سواء لدى الإغريق أو اليونان القديمة وكذلك عند الفراعنة.

عاشق الروح

يقول عن مسرحياته د. حسن عطية «فيها تتجلى حقيقة أن المسرح ليس مجالا لسحر الكلمة فقط لكن إعادة إنتاج لشعر الصورة كما فى الأساطير والحكايات الشعبية ذات الأجواء الخاصة».

فسألته عن حضور «الأسطورة» فى العديد من مسرحياته مثل «عاشق الروح»، و«حلم يوسف» على سبيل المثال؟

- قال: «عاشق الروح» تدور حول أسطورة مؤداها أن نهر النيل ينام لحظة كل سبع سنوات، وحين ينام أو يغفو للحظات فمن يشرب منه حينها يمتلك قوة النيل وسحره وملكوته ويصبح تجسيدًا للنيل نفسه، ويطلق على من يشرب ماءه فى هذه اللحظة فى التراث الشعبى «شارب م البحر وهو نايم».

وفى مسرحيتى بطلان، الظاهر بيبرس بكل أمجاده وبطولاته الذى حكم مصر فى ذلك الوقت، والمواطن المصرى البسيط الذى شرب من نهر النيل وهو نائم، حيث تبع الناس هذا الرجل البسيط، وغفلوا عن الظاهر بيبرس نفسه الذى أخذ يبحث عن سر هذا الرجل فعرف، وأصبح هم بيبرس أن يشرب من بحر النيل وهو نائم».

من إبداعات الحياة

ماذا يستوقفك من أفكار فترى أنه يصلح لكتابة مسرحية؟

- قال: «لا يستوقفنى ما هو عادى فأنا أرى الحياة تختار من يرى إبداعها ويعبر عنها وكمبدع أتصيد أفكارى من إبداعات الحياة».

ومن يجتذبك من شعراء، وقد عاصرت الحركة الشعرية، وأسهمت فيها بعدة دواوين شعرية؟

- قال: «فى رأيى أن عبدالرحمن الأبنودى هو الموهوب الأول، وأصدق من كتب شعرًا بالعامية، وقد عبرت عن ذلك فى تصورى أنه وهو طفل ما زال بالجلباب فى قريته، وقع على الأرض فى بيتهم، فالتصقت أذنه بالأرض العارية فأسرت إليه بمكنوناتها.

أما صلاح جاهين فهو فيلسوف فى شعره وخبير باللغة العامية فى ثرائها، وقد أدرك ذلك يحيى حقى ولذلك قدم له وكتب عنه فى كتابه «رباعيات صلاح جاهين» فيحيى حقى كان خبيرًا باللغة العامية.

أما صلاح عبدالصبور فهو شاعر متفرد ومتأمل، ولديه قضية وجودية، ولذلك أتسم شعره بالحزن لأن الحياة نفسها تستدعى ذلك.

المسرح الآن

يقول عنك الشاعر والناقد جرجس شكرى أنك تكتب العرض المسرحى لا النص الأدبى ويمكنك أن تشاهد العرض وأنت تقرأ النص من خلال بناء المشاهد الذى يعتمد على الصورة بكل مفرداتها، فماذا عن رؤيتك للمسرح الآن، وعن طريقتك فى الكتابة بشكل خاص؟

- قال: «المسرح الآن يختلف تمامًا عن المسرح فيما سبق لأن ظهور الموبايل يستدعى أن تبدأ مسرحيتك فورًا فى شد انتباه المشاهد، وإلا فتح الموبايل فورًا، وهذا ما يسمى فى الدراما «نقطة الهجوم» بمعنى أن تهجم على المشاهد فورًا بالحدث الدرامى وفى رأيى أن المسرح الآن وفى المستقبل سينحصر فى الكوميديا، حيث أنها تستدعى وجود الفرد داخل جماعة لأن الكوميديا عدوى جماعية، يذهب المشاهد للمسرح للتفريج عن الضغوط النفسية بالضحك.

أفكار جديدة

سألته: هل يحتاج المسرح الآن إلى أفكار جديدة مغايرة فى عصر الصورة؟

- قال: «نعم، بتغير الواقع، يحتاج إلى أفكار تواكبه، حتى يكون الكاتب والمشاهد على نغمة واحدة متقاربة فالمشاهد أصبح خبيرًا بالمقولات المتعارف عليها، والحِكَم المحفوظة من خلال مشاهدته لمسلسلات التليفزيون الممطوطة حتى أصبح لديه حاسة نقدية، وبالتالى لا يذهب إلا إلى الكوميديا ليشارك الضحك مع الآخرين.

المسرحية المصادرة

يذكر جرجس شكرى فى كتابه عنك أن مسرحيتك «الآلهة غضبى» قد صودرت ليلة عرضها، وقد كتبتها فى أواخر الستينيات، لماذا؟

- قال: نعم، منعت فى منتصف العرض بأمر وزير مسئول حينذاك، وكان حاضرًا فى المسرح، لأنها فُسرت على أنها ترمز إلى أسباب نكسة 1967 بكل ما فيها، وقادونى إلى التحقيق، و«قد أمكننى أن أفلت من الترحيل إلى المعتقل».

حلم يوسف

ويذكر جرجس شكرى فى كتابه «بهيج إسماعيل - الحلم والواقع ومسرح الحياة» أن مسرحيته «حلم يوسف» والتى جاءت بعد «الآلهة غضبى» تعاملت مع القوة الروحية للشعب من خلال الاعتماد على الأسطورة المصرية والتراث الشعبى، أما بهيج فيقول عنها فى هذا الكتاب: «كتبت «حلم يوسف» فى حالة عشق حقيقى لمصر فأعطتنى محتواها بصورة كلية، ولا أزعم أننى فهمت هذا المحتوى بكل دقائقه فقد تعاملت مصر من خلال اللاشعور، فمصر تلد عبدالناصر دائمًا، وحتى الآن لم يمت ولن يموت لأن عبدالناصر فكرة والفكرة لا تموت، والمسرحية تتخذ من أسطورة إيزيس وأوزوريس خليفة لها، وإيزيس وهى فى المسرحية «فاطمة» لا تلد حورس المنتقم وفقًا للأسطورة وإنما تنجب حبيبها نفسه من جديد، فالمسرحية تجسد الإيمان بالتغير، وصيرورة الحياة كقانون حاكم».

•••

بالشاعرية، والحلم، بالأساطير، والتراث الشعبى، بالكلمة الشاعرة يكتب بهيج إسماعيل مسرحه فيجتذب مشاهديه وتشاهد النص وكأنك تراه على خشبة المسرح - وهو لا يزال كتابا بين يديك، وقد صدرت للكاتب مختارات من مسرحياته حديثًا بعنوان «قطة بلدى» ومسرحيات أخرى عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، واحتوت على بعض مسرحياته «زنقة الرجالة»، و«صفير البلبل»، و«قوم يا مصرى»، و«مستعجلين»، و«قطة بلدى»، وقد حصل على جائزة الدولة للتفوق عام 2016.