الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

خــلاف حـــول تعـــريـف الـوفـــاة .. ودعـــــوات للتــقـنــين

«السوق البيضاء»تقضى على «تجارة الأعضاء»؟

واحدة من أهم إنجازات عالم الطب، وهى زراعة الأعضاء التى تعتبر الملاذ الأخير للفرار من الموت المحقق لدى مرضى الفشل العضوى فى مراحله المتقدمة، كما فى أمراض القلب والكبد والكلى المزمنة، وهو ما يعطى الأمل فى الحياة لملايين المرضى، ومنحهم حياة جديدة، أو تحسين حياة آخرين.



وقبل 4 أعوام، شهدت مصر الوصية الأولى للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وكانت أول وثيقة يتم تسجيلها بالشهر العقارى فى 13 أكتوبر 2017، وقدمها الموصى إلى اللجنة العليا لزراعة الأعضاء البشرية بوزارة الصحة، وهو ما أعلنت بعده الوزارة عن تلقى الطلبات من الراغبين فى التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، بشرط توثيقها فى الشهر العقارى.

ومن وقتها، كان هناك خلاف حول تحديد وقت الوفاة، فيما بين موت جذع المخ أو الأعضاء، وهو ما أحدث نوعا من القلق لدى الأطباء فى مصر بالرغم من أنه أمر محسوم، فموت جذع المخ يعنى التوقف التام لجميع وظائف المخ، وهو ما يعرف بـ«السكتة الدماغية»، أى توقف الدماغ عن الإمداد بضخ الدم لباقى أعضاء الجسم، ورغم استمرار القلب فى النبض فإن المريض لا يستطيع التنفس إلا من خلال جهاز التنفس الصناعى، ولذلك يفارق الحياة عند توقف جذع المخ، رغم استمرار نبض باقى أعضاء الجسد.

جدل محسوم

وأوضح استشارى الأمراض الجلدية خالد منتصر لـ«صباح الخير»، أهم نقاط الخلاف فى مسألة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، والسبب فى عدم تفعيل قانونها، قائلا إن التبرع بالأعضاء ليس جديدا، ولكن جميع الإنجازات الطبية تخضع لما يسمى بـ «الطب القائم على الدليل»، الذى يحكم العلوم الطبية فى جميع أنحاء العالم وتعترف به الدول، كما تعترف بالموت الدماغى أو ما يسمى موت «جذع المخ»، وبالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وكثير من الدول لديها أنظمة حاكمة لتنظيم تلك العملية.

وأضاف: ما زالت مصر من أواخر الدول فى تطبيق قانون التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وأرى أن ذلك عار أن نتخلف عن العالم فى هذه المسألة، وعن دول تعلم أطباؤها فى جامعاتنا، فالسعودية تعترف بالموت الدماغى، وأجريت فيها كافة أنواع الزراعات بما فيها القلب والرئتان، والأردن تمت فيها زراعة جراحات القلب بلغت 14 جراحة، فى حين أن مصر لم تجر فيها حتى الآن زراعة عضو واحد من المتوفى دماغيا.

مستطردا: عندما تنفسنا الصعداء فى عام 2010، وصدر القانون الذى يتيح إمكانية التبرع، بعد معركة طويلة من المناقشات والصراع والجدل، شاركت فيها بأول مقال عن هذا الأمر فى مجلة روزاليوسف عام 1992، وصدر القانون بعد ربع قرن من المقال، ولكن بعد صدوره تم تجميده، وأصبحنا الآن نبحث عن تفعيل لهذا القانون الذى مات إكلينيكيا.

واستكمل: المعركة الآن ليست فى القانون بقدر ما أنه فى حاجة للتفعيل، وتحديد بعض عباراته بشكل أكثر دقة وشجاعة، مطالبا بتغيير كلمة «يقينيا» فى عبارة  أن الموت ثبت ثبوتا يقينيا فهى كلمة أدبية وليست علمية، وتستبدل بـ«الموت الدماغى» والذى يعرفه الأطباء، وهو موت مؤكد ولا عودة منه للحياة.

مشيرا إلى أن هناك خلطا لدى الكثيرين بين الغيبوبة وموت جذع المخ، موضحا أن الغيبوبة هى موت فى القشرة الدماغية، ومن الممكن أن يستيقظ البعض منها بإعاقة أو شلل معين، ولكن مع موت جذع المخ فمن المستحيل العودة للحياة مرة أخرى.

متسائلا: هل قانون التبرع بالأعضاء مفيد فقط فى التبرع بها؟، مجيبا بـ «لا»، حيث إنه مفيد فى أحوال اخرى نعانى منها الآن فى ظل جائحة كورونا، وهى ازدحام غرف العنايات المركزة، وهذا القانون سوف يساعد فى تحديد الوفاة ورفع أجهزة التنفس الصناعى عند تعريفنا للموت، وهو أمر يريح الأسر من الاستنزاف المادى والنفسى الذى يتعرضون له، ويتعرض له المريض أيضا على أجهزة التنفس الصناعى، وهو متوفى ولن يعود للحياة، وبدون القانون لا يستطيع طبيب رفع التنفس الصناعى عن المريض، حتى لا يتم اتهامه بأنه المتسبب فى الوفاة، حيث إنه ما زال القلب ينبض.

واستطرد: الأخطر هو التبرع بالقرنية والتى لم تكن بحاجة إلى موت جذع المخ، ومن الممكن أخذها بعد 12 ساعة من الوفاة، أى بعد توقف القلب أيضا، ولكن الثقافة التى تفضل الجثة على الجسد، والموت عن الحياة، هاجمت التبرع بها، وحرمت المرضى من معجزة طبية يكون المريض قبلها أعمى ويصير بعدها حاد البصر، وأصبحنا بقائمة انتظار طويلة بعشرات الألاف يعانون من العمى، ولا يستطيعون شراء قرنية من إحدى الدول الأوروبية بآلاف الجنيهات، بعد أن كان يتم زراعتها فى مصر بمستشفى القصر العينى بالمجان من بنك العيون.

وأكد منتصر، أن هناك بالفعل أشخاص يقومون بتوثيق وصية لهم بالشهر العقارى للتبرع بأعضائهم بعد الوفاة، لكنها ستظل حبرا على ورق، فمن الصعب البحث عن أوراق لأشخاص بالشهر العقارى، فلا بد من تدخل الدولة بحسم لإزالة التعديات على مسارات حياة وسعادة البشر.

الاستثمار فى الصحة 

وقالت الدكتورة نجوى الشافعى، وكيل النقابة العامة للأطباء، عضو مجلس الشيوخ، إن الدول التى يباح فيها التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، يتم ذلك من خلال لجنة فنية متخصصة تابعة لبنك زراعة الأعضاء، والتى من بين أعضائها طبيب، أهم مهامه التأكد من وفاة المريض الذى ستنزع منه الأعضاء ومفارقته للحياة، وأنه ليس فى حالة غيبوبة ومن المحتمل الإفاقة منها بعد توقف المراكز الحيوية بالجسد.

مشيرة إلى أن هذا الأمر يحتاج لدقة شديدة فى عمليات نزع الأعضاء وحفظها، لزرعها مرة أخرى فى أجساد الأحياء، والتى منها الرئتان، والكبد، والكلى، والقلب، أما عن الأمعاء والمخ فهم تحت التجربة إلى الآن، مؤكدة على أن نزع أى من تلك الأعضاء ليس بالأمر الخطير الذى يسىء لإنسانية وكرامة المتوفى، داعية إلى أهمية وضرورة تغيير ثقافة المجتمع.

وأضافت الشافعى أن الدول الأوروبية يتم إضافة فصيلة الدم والموافقة على التبرع بالأعضاء بعد الوفاة لمن يرغبون بذلك على بطاقة الرقم القومى لهم، فى حين أننا فى مصر ما زال هناك تباين شديد فى الآراء بين مؤيد ومعارض ومتخوف من الإقبال على هذه الخطوة وتطبيقها، مؤكدة على أن هذا فكر وأمر إنسانى، يعمل على رفع معاناة كثير من مرضى الفشل العضوى، الذين يحيون بآلام لا تنتهى، ويصبحون عبئا على كاهل أسرهم الذين يعولونهم، وكذلك الدولة التى تعالجهم وتتتكفل بهم، حيث يحيون غير منتجين ولا سعداء فى الحياة التى يعيشونها.

وأكدت على أهمية تطبيق قانون تنظيم زراعة الأعضاء، حيث يقضى على السوق السوداء فى تجارة الأعضاء، واستغلالا لإنسانية الأصحاء وإفساد حياتهم، والتى دائما يتحكم فيها العامل الاقتصادى للمتبرعين، مع غلق السوق البيضاء وهى التبرع بالأعضاء بعد الوفاة بحد قولها.

وأشارت الشافعى إلى نموذج معلوم، وهو رجل الأعمال الراحل أحمد بهجت، والذى استطاع أن يعيش حياته لفترة من الزمن وصلت إلى 24 عاما، بعد إجراء زراعة قلب، نقل له من رجل أمريكى توفى فى حادث، وكان بهجت خلال تلك الفترة منتجا ويدير العديد من المصانع والشركات، التى تساهم فى حل أزمة البطالة بمصر، ويعود بالنفع على اقتصاد الدولة وبنائها، وقالت إن الصين من أولى الدول التى تقدمت بإجراء هذه العمليات الناجحة، والاستثمار فى صحة البشر ليحيوا حياة طبيعية وسعيدة.

لفتت عضو مجلس الشيوخ، إلى أن اللجنة القائمة على تفعيل هذا القانون، تعمل على الاستفادة القصوى من تجارب الدول الأخرى، التى تطبق هذه الجراحات بشكل مدروس ومنظم، من أجل سن مشروع مصرى متكامل، لا يحمل أى ثغرات فنية أو طبية، ويستوفى جميع النقاط والتعديلات حتى لا يحدث أى خطأ.

خطوة مهمة 

وأكد الدكتور علاء غنام الطبيب المتخصص فى الحقوق الصحية، أن قرار التبرع بالأعضاء بعد الوفاة خطوة مهمة فى مشوار إقناع المجتمع بفكرة التبرع، خاصة أنه من أهم وأبرز الحلول للقضاء على تجارة الأعضاء، مشيرا إلى ما بادرت به إحدى الفنانات فى نشر ثقافة التبرع بالأعضاء لتشجيع الجميع عليه.

وأضاف غنام، يظل ارتفاع درجة الوعى الثقافى لدى المجتمعات، هو مفتاح نجاح وتنظيم عملية زراعة الأعضاء، وخاصة من المتوفين إلى الأحياء، وإن كان من المسلمات أن التبرع هو الأصل فى عمليات زراعة أو نقل الأعضاء، لكن مع ندرة الأعضاء بدأت عملية التجارة فيها على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى فى التصاعد، ما أدى إلى تزايد اﻻنتهاكات واستغلال الفقراء لصالح الأغنياء وبعض شركات الوساطة والسمسرة، فيما يعرف «بسياحة زراعة الأعضاء»، وهو الأمر الذى يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان الأساسية، خاصة الحق فى الحياة والصحة.