ست بـ«شنب»

هيام النحاس
لا شك أن كلمة امرأة فى حد ذاتها تجعل الحياة لطيفة، وليس هذا تحيزا بقدر ما هو حقيقة ثابتة رغم إنكار البعض لها، عموما فالمرأة هى نصف المجتمع عن دورها كزوجة وأم وامرأة عاملة ناجحة وجدت نفسها فجأة قد تورطت بعض الشىء فى مهام الرجل ليس من باب إثبات وجودها وقوة تحملها وإنما مشاركة للزوج وإعانته على شقاء ومتطلبات الحياة التى تتطور بشكل سريع، فما كان كماليا أصبح أساسيا وعلى الأسرة محاولة التكيف.
ومن هنا تحول خروج المرأة للعمل من مفهومه السابق حول الطموح وتحقيق الذات «وإن ظل هذا الهدف متواجدًا» إلى مفهوم أكبر وأكثر ضرورة وهو المشاركة فى تحمل المسئولية سواء الإنفاق على نفسها أو المساهمة مع الزوج فى مواجهة أعباء المعيشة.
على أحد الجروبات الاجتماعية على صفحات السوشيال ميديا طرحت إحدى العضوات سؤالا يبدو بسيطا إلا أن الإجابة كانت مفاجأة بل ودعتنى للتفكير فقالت السائلة «أنا مخطوبة من شهر وخطيبى مصمم على تركى العمل ورغم أننا ارتبطنا عن حب إلا أننى محتارة فى قرار ترك العمل لأنى حصلت عليه بعد فترة طويلة من البحث، ولكن خطيبى يؤكد لى أنه لن يقصر فى الإنفاق على بيته وأن مكانى هو البيت وتربية الأولاد» وجاءتها الردود من ما يقارب الخمسمائة فتاة على كلمة واحدة «شغلك أبقى»، واسترسل البعض فى التوضيح قائلا «كلهم بيقولوا كده فى الخطوبة، هعيشك ملكة، وتتصدمى بعد أول شهرين جواز بالحقيقة المجردة وهى إنك تعيشى فى حدود إمكانياته وتتقبلى أى وضع حتى لو مش مناسبك ولما تيجى تناقشيه يقولك ده اللى عندى».
والمرأة فى مجتمعنا كما يصفها الجميع بأنها «ست جدعة» ووقت الشدة تقف سندا لزوجها ولكن ما يمنحها تلك الشحنة الإضافية من العطاء والجدعنة هو الحب، نعم الحب والدعم ممن حولها سواء أسرتها أو زوجها، فهى على استعداد وقت الأزمات أو ضيق الحال أن تنحى عن نفسها ذلك الدلال الأنثوى وتلبس عباءة الرجال وتقف يدا بيد مع زوجها كما رأيناها بالفعل فى نماذج عديدة لسيدات دفعتهن ظروف الحياة بأن يعملن فى النجارة وقيادة سيارات الأجرة والسباكة والجزارة وغيرها من المهن التى تبدو شاقة إلى حد ما على المرأة، حتى وإن كانت مجرد نموذج لامرأة عاملة، فتجدها تستيقظ باكرا لتقوم بواجبها الأسرى أولا ثم تتوجه إلى عملها حتى ينتهى وقت الظهيرة لتتوجه مرة أخرى إلى البيت وهى محملة بخزين بيتها من الخضار والفاكهة وغيره من مستلزمات البيت لتبدأ فى إعداد طعام الغداء ثم تتابع نشاطها من غسيل أو تنظيف وتنظيم البيت ليأتى المساء مع مذاكرة الأبناء ومتابعتهم لينتهى بها اليوم وهى فى حاجة ماسة إلى الراحة لتبدأ يوما جديدا بتفاصيل متشابهة رغم اختلاف ترتيبها أحيانا.
وهى تفعل كل ذلك ولا تشكو رغم العبء الواضح عليها لأنها ترى أن كل شقاء يزول فى سبيل إسعاد أبنائها، ولكن يحدث الخلل الحقيقى عندما يكون الزوج أنانيا أو اتكاليا بمعنى أن هناك بعض الأزواج عندما يجدها تساعد وتتحمل وتصبر فيحلو له الأمر ويترك لها المسئوية كاملة، ويتعلل بعدم وجود الفرصة المناسبة له لأنه يفعل ما يستطيع وما يقدر عليه، بينما هو فى الحقيقة ينسحب من دوره كرب أسرة مسئول أولًا وأخيرًا عن أسرته.
بل وتبلغ به الأنانية بعدما أثقل كاهلها بالمسئوليات والالتزامات بأن يعايرها ويقارنها بغيرها من النساء والفتيات الفاتنات على شاشات التليفزيون ممن لا يفعلن شيئا سوى الحفاظ على جمالهن فهو رأس مالهن واستثمارهن الحقيقى، فلا ترهق إحداهن رأسها الجميل فى التفكير بتوفير مصاريف جهاز ابنتها أو عمل جمعية لسداد فواتير الغاز والكهرباء أو الاقتراض من إحدى الصديقات لدفع دروس وشراء ملازم أبنائها، بل ولم ينظر هذا الرجل شخصيا إلى نفسه هل يبدو هو الآخر كنجوم السينما ليطالبها هى أن تكون مارلين مونرو؟
وهنا تصاب المرأة بالإحباط لأنها بعد كل هذه التضحيات على حساب نفسها وصحتها وجمالها تفاجأ بأنه لا يراها أساسا «ست»، ويبحث عن أخرى لم تنخرط بعد فى دوامة الحياة.
وحول هذا الخلل فى توزيع الأدوار والمسئوليات الأسرية والمفهوم المشوش للرجل عن المرأة والذى يتلخص لدى المعظم فى جملة «عاوزك بره البيت راجل بشنب، وجوه البيت أرق أنثى» دون أن ينظر إلى نفسه وما قدمه هو نحوها جديا ليحظى بكل هذه المتباينات لتقوم زوجته بدور الحاوى كرجل حازم وامرأة رقيقة ومربية جيدة وطباخة ماهرة، تقول الدكتورة سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع «للأسف الرجل يعتبر نفسه كيس فلوس بينما المرأة تتحمل العبء الأكبر من رعاية الأبناء ومتابعة دروسهم والتمرين وصحتهم إلى جانب اهتمامها بنفسها ومظهرها كأنثى جميلة، والرجل الذى يقارن أو يلوم زوجته «معندوش نظر» لأنه من الصعب على شخص أن يقوم بكل الأدوار على أكمل وجه ولكنها تفعل كل ما باستطاعتها ورغم ذلك فالسيىء فى الأمر أن كل ما تقوم به يقابل بأنه هذا هو الشىء العادى وأن كل الستات يفعلن ذلك فهى ليست الأولى ولا الأخيرة.
عن خطأ المرأة عندما تنازلت عن أنوثتها لتساعد زوجها وتواجه معه أعباء الحياة، أوضحت الساعاتى أن المرأة لا بد أن تدرك كيفية توزيع الأدوار من دورها تجاه أبنائها وزوجها وألا تغفل دورها تجاه نفسها لأنها لن تستطيع أن تنجح فى إسعاد أسرتها وهى تعيسة فكل إناء ينضح بما فيه، وللأسف كثير من النساء يهملن فى حق أنفسهن باعتبار ذلك الأقل ضررا وأن لا أحد سينتبه أو يهتم إلى ذلك طالما أنها أدت دورها تجاههم بل والجميع دائما يتوقع منها مزيدا من العطاء دون الانتباه إليها كامرأة لها حق فى الاستمتاع بالحياة.وعندما تهمل المرأة فى نفسها تكون هذه بداية النهاية لأن أى امرأة لا تحقق ذاتها فى الحياة وتشعر بوجودها لن تكون سعيدة والأم غير السعيدة تنجب أطفالا تعساء حتى وإن أرادت تسعدهم فهى لن تستطع لأنها لا تملك ذلك، فلبناء أسرة سوية لا بد من إعادة توزيع الأدوار بشكل سليم ويترك للزوجة أو الأم مساحتها الخاصة من الاهتمام والرعاية والحب بما يعود بالنفع والإيجابية على زوجها وأطفالها.