الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أفغانستان والمرأة المصرية

أفغانستان والمرأة المصرية

ما جرى فى أفغانستان وسيجرى ليس بعيداً عنا. آلاف الكيلومترات التى تبعدنا كبلدين تتضاءل وتتقزم أمام آلاف السمات المتطابقة التى تجمع تيارات الإسلام السياسى بدرجاتها المختلفة. من طالبان إلى القاعدة ومنهما إلى داعش والتكفير والهجرة وأنصار بيت المقدس والإخوان المسلمين وأطياف السلفيين بأنواعهم ودرجاتهم وأبناء عمومتهم فى مشارق الأرض ومغاربها، هم لا يدخلون بلداً أو يعششون فيه أو حتى يمرون على مدارسه ومؤسساته ومراكزه الثقافية والخدمية إلا وأصابوه بفيروساتهم الحياتية التى يصعب التخلص منها بالأدوية والمطهرات. الوسيلة الوحيدة التى ربما تأتى بنتيجة – وتظل غير مضمونة- هى الجراحة. فسموم هذه التيارات والجماعات الفيروسية شديدة العدوى من النوع الذى يتوغل وينتشر سريعاً فى الدم، بل يتم توريثه للأبناء والأحفاد. ولنا فى جماعة الإخوان وأبناء عمومتها والمنتمين للتيارات السلفية فى مصرنا الحبيبة عبرة. والعبرة مما يدور رحاه فى أفغانستان سيبقى أشبه بالنبع المتفجر لسنوات طويلة. وبعيداً عن فوضى وعشوائية الانسحاب الأمريكى من «مقبرة الإمبراطوريات» بعد 20 عاماً كاملة من «التطهير» والإقامة الكاملة فى ربوع البلاد، وبعيداً عن سكوت العالم المريع عما يحدث هناك، والتعامل مع طالبان وكأنها عودة للابن الضال، فهو ضال لكن يظل ابناً، وبعيداً عن نبرة «إدوهم فرصة يمكن عقلوا» التى يتفوه بها بعض الساسة فى ربوع العالم، ناهيك عن محاولات التحدث عن طالبان وكأنهم «فصيل سياسى وتيار وطنى»، فإن مجريات الأمور فى أفغانستان تقول لنا الكثير عما ينتظرنا فى حال استمر تجاهلنا لخلطة الدين بالسياسة الجهنمية. انتهى زمن الطبطبة الاجتماعية والمحاصصة السياسية والمداهنة الثقافية، وحان وقت اتخاذ القرار: حيث مصر دولة مدنية عمرها سبعة آلاف سنة بذقن نبتت فى سبعينيات القرن الماضى؟ أم أنها دولة مدنية خالصة؟ أم أنها دولة دينية يدلى رجال الدين بدلوهم فى شئونها الصغيرة والكبيرة والمتوسطة؟ وربما حان الوقت أيضاً لنتخلص من خوفنا غير المبرر من أن يسألنا أدعياء تدين السبعينيات وتجار الدين المحترفون والمتكسبون من بيع صكوك الإيمان والجنة والنار: لماذا تكرهون الدين؟ على سبيل الترهيب والتشهير. لا، نحن لا نكره الدين، لكننا نكره خلط الدين بالسياسة وتفاصيل الحياة اليومية. الدين فى قلوبنا وعقولنا، لكنه لم يكن يوماً فى مصر وسيلة للتصنيف والفرز والقهر والتخويف، لكنه أصبح كذلك حين رحبنا بالخلطة الجهنمية وتأسيس وانتشار وهيمنة جماعات الفتنة والتفرقة والفوقية المسماة بجماعات الإسلام السياسى حتى كادت تخرب مصر وتدمر شعبها تماماً. وللعلم فإن الخطر ما زال قائما. وما زالت مصادره الفكرية ترتع فى ربوع البلاد. عادت طالبان إلى سدة حكم أفغانستان البائسة بعد ساعات من انسحاب القوات الأمريكية، ولسان حالها يقول: الفكرة لا تموت والإرهاب والتخلف والفساد أفكار لن تموت إلا بإغلاق مصادرها. ولدى إيمان عميق بأن المرأة المصرية ستقود عمليات تطهير الفكر الظلامى كعادتها، ولم لا، وهى الحلقة التى تظنها جماعات الإتجار بالدين بأنها الأضعف، لكنها فى حقيقة الأمر الحلقة الأقوى فى تطهير الفكر الذى ألقى بظلاله السوداء الثقيلة عليها وعلى حياتها على مدار نصف قرن.