الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الثقافــة الثالثــة

الثقافــة الثالثــة

بعد قرن ونصف من الجدل حول موقع الثقافة العربية من الحداثة لا تزال القضية مهمة ومؤثرة فى تطور مجتمعاتنا العربية، فقد رأى رواد التنوير مثل الأفغانى والإمام محمد عبده، ومن قبلهما رفاعة الطهطاوى أن التحديث على النمط الأوروبى لا يتعارض مع الإسلام والتراث، بينما رأى البعض المخرج فى القطيعة مع التراث، وجاءت محاولات أخرى للتوفيق بين هذين الموقفين إلا أن آراء بعض المستشرقين قد أسهمت فى الترويج لفكرة أن الثقافة العربية تتمسك بالماضى عاجزة عن التفاعل الإبداعى مع التراث العالمى، والعلوم العصرية إلا أن هذا التفسير لأزمة الثقافة العربية تفسير قاصر، فليس التمسك بالتراث العربى فى عصوره الذهبية حائلا بين التفاعل مع التراث العالمى أو علوم العصر. 



ومن أهم الدراسات التى تناولت هذا الموضوع المهم كتاب «أزمة الثقافة العربية – محاولة تفسيرية» للدكتور مصطفى قاسم وقد صدر الكتاب حديثا عن المجلس الأعلى للثقافة، وقدم له السيد ياسين. 

ومن أهم العوامل التى حالت بين الثقافة العربية والحداثة الحقيقية عوامل داخلية منها وجود التيارات السلفية الرجعية المعادية للحداثة، والتى لا تزال تجد رواجا فى المجتمعات العربية، وعوامل خارجية أهمها التدخل الأجنبى، وما تركه الاستعمار من آثار فقد وأد محاولات التحديث كما فعل الاحتلال الإنجليزى مع الثورة العرابية فى مصر، والتى يراها الكاتب كانت ستكون المدخل الطبيعى والأساسى للتحول السياسى والاجتماعى الذى كان يمكنه إحداث تحول الثقافة العربية والمصرية نحو الحداثة، وخاصة الحداثة السياسية فقد كان أول ما فعله الاحتلال فض مجلس النواب المصرى، ووقف العمل بدستور 7 فبراير 1882.

ويناقش الكاتب بل ويفند رأى القائلين بأن تعثر التحول الديمقراطى فى المجتمعات الإسلامية يرجع إلى الإسلام دينا وثقافة فيقول: «إن تجربة الإسلام المبكرة فى عهد النبوة» وعهد الخلفاء الراشدين كان من شأنها أن تقود بالفعل إلى نظام سياسى يشبه الديمقراطية الغربية إلا أن الملوك الذين تولوا الخلافة فيما بعد استبدوا بالمسلمين باسم الدين وحرموا عليهم علوم السياسية».

كما أنه لا يمكن إضفاء الطابع الدينى على الاستبداد أو تسويغه دينيا وإنما حدث ذلك بسبب الترويج لأقوال بعض فقهاء الاستبداد مثل ابن تيمية الذى كان يقول «أن قوة الإكراه هى جوهر الحكم»، وهى مقولات بعيدة عن التصور الحقيقى للإسلام عن علاقة الحاكم والمحكومة.

إذن فتراثنا الفكرى والدينى لابد من دراسته، وتقديم الجوانب المشرقة منه وهى فى جوهرها تحمل بذور الحداثة بل إن ما حدث فى المجتمع العربى على مدى القرنين الماضيين هو حداثة لكنها ليست تلك التى يتطلع إليها المجتمع ليحقق نهضته فما نعيشه الآن كما يرى الكاتب «ثقافة ثالثة» تقدم على مبادئ معاكسة لكل من التراث والحداثة. فعلينا الآن ألا نكتفى بمظاهر الحداثة الاستهلاكية بل أن نطور أساليب الحياة والتفكير، وأن تكون الثقافة الثالثة مجرد مرحلة لا بد أن نعبرها.