الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

احتفال العيد فى جزيرة القطن!

قبل أن نقرأ اليوميات يجب أن نعرف أولًا معنى أن تعيش بنت لوحدها، هو أن تكونى وحيدة، يخجل منك القريب قبل البعيد، هذا حتى لو كان استقلالك رغمًا عنك، تنقسم المعاناة إلى جزئين.. أولًا معاناة الحياة وحدها داخل أربع حيطان.. بكل ما فيها.. من وحدة، خوف، مصاريف!!



وثانيا معاناة التعامل مع مختلف فئات البشر، فى العمل، الشارع ومع مختلف أنواع  العمالة!! 

سنرى كيف يمكن أن يحول المجتمع بنت تؤمن بأن الخير موجود فى كل البشر وأن الشر لا ينتصر وأن جزاء الإحسان يجب أن يكون إحسانًا.. تحترم المبادئ وتلتزم بالحق.. إلى بنت تكفر بوجود الخير ، تفقد إحساس الأمان والثقة ، تأخذ الحياة كلها بسخرية وترى كل إنسان على حقيقته.. وتظل مبتسمة.

“هتعملى ايه أول يوم رمضان، العيد، الإجازة ….”، تبتسم ولا ترد.. فقد حاولت أن تقضيه مع أشقائها المتزوجين تارة ومع أصدقائها تارة أخرى، لكنها تشعر دائمًا بالاغتراب، ضيفة لا مكان لها.

فكان أفضل قرار اتخذته أن يكون أول يوم عائليّا، يكون مع أسرتها التى تتكون من فرد واحد، لم يعد لأول يوم فى أى مناسبة طعم، أصبحت كل الأيام والأوقات متشابهة لحد كبير، عندما تسمع من يتحدث عن فرحة العيد ! أو دخلة رمضان، أو ليلة رأس السنة.. لا تفهم كيف ولماذا يعطى هؤلاء كل هذه الأحاسيس لأيام.. مجرد أيام! أليست الأيام كلها متشابهة؟!.. ما حدث لها بعد وفاة والدتها أنها نسيت كل أيامها السابقة.. وكأنها وُلدت الآن.. لا تذكر كيف كانت ولا كيف كانت تشعر! ربما تلك رحمة من الله أو هكذا اعتبرتها. 

فى يوم قررت أن تحتفل بالعيد وتذهب للسينما، بمفردها، كان قرارًا صعبًا فى ذلك الوقت لو تعلمون، لكنها قررت ونفذت، بالطبع لم تسلم من الأسئلة بداية من بائع التذاكر “تذكرة واحدة؟!”، ”أيوة”، يليه نصحها بالجلوس فى الأمام، ومحاولة قاتلة بفرض الفيلم الذى تشاهده! ثم الرجل الذى يوصلها لمكانها، والذى يظل واقفًا ليأخذ بقشيشًا كبيرًا! ثم بعض من الشباب الجالسين حولها وإلقائهم نكات بصوت عالٍ للفت انتباهها ظنّا منهم أنها من المؤكد تخطط للخروج من الفيلم برفيق لباقى اليوم!

تعلمت وقتها أن العيد أول يوم يجب أن يكون فى جزيرة القطن، أى فى السرير، وأصبحت عادة لم تنقطع وكذلك فى أول يوم من كل حاجة.

جعلها ذلك تنظر من بعيد على كل العادات فى المجتمع والعلاقات الاجتماعية بين الناس، وأيهم حقيقيّا وأيهم مزيفًا، ومن لديه القدرة على الحب والعطاء ومن لا يستطيع إلا الأخذ فقط.

أيضًا اكتشفت أن العطاء فى بعض الأحيان يكون مشروطا، فالقادر يعطى لكن لمَن؟ هناك بالتأكيد مواصفات لمن سيتم الإغداق عليه بالعطاء، ربما الولاء، ربما تقديم فروض الطاعة، وربما التمتع بصفات يحبها العاطى!

لا يهم إذا كانت تلك هى صفاتك أو لا، فإذا كنت عصبيّا، أو ذا عين ناقدة، أو تصرّح برأيك مثلًا وتعارض وضعًا مُعَينًا، فأنت يجب أن تكون إمّا عاطيًا أو تلتزم بالشروط ليتم ضمك فى صفوف منتظرى العطاء.

فالحياة بعيدًا عن أمّك وأبيك تتغير، فهما يتقبلانك بكل ما فيك، حبهما لك غير مشروط، وضمهما لك خالٍ من أى حسابات أو مجاملات، لكن غير ذلك يجب أن تتعلم أن قبولك مشروط، ليس سهلًا وكل شىء يجب أن يكون له مقابل.

فإمّا أن تتعلم وتفهم وإمّا أن تصبح غير مرغوب بك، وتستقبلك الابتسامات الصفراء من جميع الجهات، وتلتف حولك تخنق كل كل إحساس جميل برىء بداخلك.

تعلم بعد ذلك على كل المستويات أن لكل شىء ثمَن، حتى الحب… له ثمَن، وكرههم لك أيضًا له ثمَن!

فى العمل لا يكفى أبدًا أن تكون مجتهدًا، وبين أصدقائك لا يكفى أن تكون مخلصًا، ومع حبيبك حبك وحده… لا يكفى!

الأخذ والعطاء بالقدر نفسه هو أساس جميع العلاقات، والمصلحة هى أهم وأقوى الروابط التى يمكن أن تربطك بأى شخص مَهما كانت قوة الرباط الذى يربطكما سويّا.

تعلمت أيضًا أن الصبر بالفعل هو مفتاح الفرَج، إذا أصرت على السير عكس اتجاه المتعارف عليه أو الشائع، وأعلنت أن شيوع الخطأ لا ولن يبرره، فأخذت الصبر طريقًا وعدم التمسك بأى شىء طبعًا.

وأصبحت كلمة “عادى” ملازمة فى حديثها، وجعلت الابتسامة غطاءً يحميها من شماتة البعض وإيذاء الكثيرين، فقد تعلمت أيضًا أن هناك أشخاصًا محترفون فى اصطياد نقاط ضعف الآخرين، والضغط عليهم عن طريقها، كنوع من اللذة لا أكثر.

مرّت بالكثير وتعلمت أكثر، كلما مرت بموقف صعب تفادت بعده عشرات المواقف، فعلمت أيضًا أن لكل عملة وجهين أحدهما قبيح والآخر يبدو جيدًا، وقعت كثيرًا وتعثرت، وفهمت أن الفائدة فى الوقوع هو كيف تقف مرة أخرى على قدميها، تقف أقوى وأكثر مرونة حتى لا تكسر..

وأيقنت أن “يموت المعلم وهو بيتعلم” 

تستيقظ من النوم على طرق قوى على الباب فتظن أن هناك حدثا جللا، فتهرع لتفتح الباب فتجد جارها مستدير القامة يعاتبها لأنه يظن أنها وضعت أكياس القمامة فى سلة مهملاته!!

ويجب أن نضع «يظن» فى مركز انتباهنا، فترد عليه بأدب كما تعودت أيام وجود والداها بأنه مخطئ ولم تكن هى من فعلت ذلك الإثم الشنيع، محاولة السيطرة على أعصابها بعد الهلع  الذى سببه لها طريقة طرقه على الباب، مع يقينها أنه لم يكن يجرؤ ليفعل ذلك لو كان والدها مازال موجودا..

لا يكتفى السيد الفاضل بذلك  فيقف ليناقش معها هذه المشكلة العويصة، غير عابئ بأنه أرعبها، أو أن الوقت مازال مبكرا جدا على هذا الحديث المطول، فتحاول إنهاء الحديث بأدب مبتسمة «حصل خير يا عمو، ما هو رمى زبالة فيها برضه مش مخدرات».. وتغلق الباب قبل أن يفتح حديثا آخر.

بعد ما ذهب من عينيها النوم تستعد لعمل فنجان القهوة فتجد طرقا مرة أخرى على الباب، لتجد نفس الجار مرة أخرى، «خير يا عمو الزبالة اعترفت؟»، الرجل بابتسامة صفراء «لا بس أصلك ركنة قدام عربيتى بالعرض»، تجز على أسنانها فهو يركن سيارته بالعرض ليأخذ مكانين .. رغم أنه لا يملك إلا واحدة!!

لكنه يعاند مع جارها بالدور السادس الذى يملك أربع سيارات ويركن سياراته بنفس الطريقة تحت المنزل ليضمن عند عودته إيجاد مكان تحت المنزل مباشرة!!

ترمقه بنظرة غضب مكتوم «يا عمو ما أنا مموراها.. حضرتك زقها واطلع» فتجده يرد بكل برود، «ما أنا عارف.. بس أنا بقولك عشان خايف على العربية.. إبقى أركنيها حتى فى آخر الشارع عادى»

هل تعتقدون لو كانت رجلا، كان ليتجرأ ليملى عليه تصرفاته؟! لكنها امرأة، فيجب أن أوجهها وأنتقدها بل وأفرض عليها ما تفعله!

أما هو فرجل.. لذلك يحق له فعل ما يحلو له يركن سيارته بالعرض، بالطول، يصعد بها حتى لشقته! لن يجرؤ أحد على مواجهته.

ينتهى بينهم الحوار بـ«حاضر يا عمو لو لقيت مكان هركن فيه، بس عشان برجع بليل بحب أركن قريب من البيت.. فيرد فورا» لا أرجعى بدرى!.

تنطلق الكثير من العبارات الحادة والألفاظ النابية من عقلها إلى لسانها لكنها تظل مطبقة عليها شفتاها بقوة لتمنعها من الخروج، فلو حدث وقالت له مثلا «أنت مالك، أو أنت مين عشان تقولى أرجع إمتى ولا أروح فين.. مثلا» ستصبح فتاة جريئة، قليلة الأدب وربما تتعدى الاتهامات لأكثر من ذلك.. لماذا؟ لأنها فتاة ولا يجب أن يعلو صوتها!! يجب أن يظل صوتها منخفضا مثل هامتها.. لتكون فى نظر المجتمع بنتا مهذبة، تملك قدرا من الحياء، وتعيش!!!

تغلق الباب وتشعر بالصداع يتسلل لرأسها وعينيها، فتدخل لتشرب القهوة وتدخن سيجارتها محاولة استرجاع ولو قدر بسيط من هدوئها.. فتتصل بالسوبر ماركت وتطلب احتياجات يومها.. فتجد الرجل يرد عليها «بس كدة يا أبلة؟»، ترد فى هدوء «أيوة بس كدة».. «طيب معلش ابعتى أى حد ياخد الحاجة»!!

ترد بحذر وتعجب «لا ماعنديش حد»، «أومال السجاير دى لمين يا أبلة!!»، لحظات صمت، ليست خجلا من كونها مدخنة ولكن شعورها المفاجئ بالاختراق!، تستجمع نفسها وترد «ليا أنا»، «ليكى!! هيهيهى، خلاص أبقى عدى أنت بقى خديها»!

تغلق الهاتف وقد تجمع الصراخ بين حلقها وفمها كاد يخنقها، فتبتلعه كأشياء كثيرة تبتلعها وهى مبتسمة.. وتقول لنفسها كالعادة.. كله هيعدى.. كله هيعدى.