الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تشـوه النفسيـة والاعتمـاديـة.. ضـــريبـة الدلـــع

الجملـة الأزمـة: مش عاوز ولادى يـــشوفوا اللى شوفتـه!!

قوام الأسرة السليمة التربية الصحيحة بعيدًا عن المبالغة سواء فى الشدة أو اللين، لكن مقارنة بالمجتمع المصرى زمان فإن تغير الحالة الاجتماعية لكثير من الأسر دفع بكفة ميزان التربية نحو التدليل الزائد دون معرفة بخطورة هذه الطريقة على مستقبل أولادهم.. لكن حجة الآباء هى فى الجملة الأزمة «مش عاوز ولادى يشوفوا اللى شوفته».



وبما أن الأم تعتبر هى المسئولة الأولى عن التربية فنجد أن طريقة تنشئتها تنعكس بشكل كبير فى تربيتها لأبنائها وخاصة إذا عانت أو تعرضت للقهر فى طفولتها فنجد أنها تتفنن فى تدليل أبنائها وتذليل كل الصعاب أمامهم ظنًا أنها توفر لهم حياة كريمة عكس التى عاشتها ولكن التجربة أثبتت العكس.

دلعتهم فأهملونى 

سناء محمود، إحدى الأمهات تحدثت معنا بصراحة عن ندمها الشديد نتيجة تربية أبنائها وتدليلهم بشكل كبير، تقول سناء: زوجي يعمل بإحدى الدول العربية، ونتيجة تربيتي الخطأ بتحقيق كل مطالبهم، أصبح أبنائي لا يهتمون بمعرفة شىء عن والدهم سوى الأموال التى يرسلها إليهم ببذخ، وتضيف سناء أنها اختارت لأبنائها أغلى المدارس والجامعات ليتميزوا عن من هم فى مثل أعمارهم من الأقارب.

 وأضافت: «كنت لا أرفض لهم طلبًا وهى النتيجة التى لم أشعر بها إلا بعد أن كبروا وأصبحت لهم حياتهم الخاصة، وقد جعلت منهم للأسف أشخاصًا أنانيين لا يسألون عنى ووالدهم إلا لطلب الأموال لذلك نحن فى طى النسيان».

تضيف: حتى أن ابنتى انفصلت عن زوجها بعد شهر لأنها كانت تطالبه بالخروج والفسح يوميًا بينما هو يعود مجهدًا من عمله ويريد الراحة والهدوء، وأنا لا ألومه لأن ابنتى المخطئة، فهى لم تدرك احتياجات ومتطلبات زوجها، والحقيقة أنا المخطئة قبلها لأنى بالغت فى تدليلها ولم أحملها أية مسئولية حتى فشلت فى أول اختبار حقيقى.

أما جنى عادل 25 سنة، فتحكى عن مأساتها مع زوجها المدلل، فتقول: «مشكلتى مع زوجى أنه دلوعة مامته، ولأنه الابن الأصغر فقد بالغت حماتى فى تدليله ومعاملته كملك يأمر فيطاع، كل طلباته تنفذ رهن الإشارة، لا أحد يستطيع أن يرفض له طلبًا أو يراجعه فيه، لا يقبل النقاش أو الحوار.

 وللأسف لم تظهر كل هذه الصفات فترة الخطوبة، وبعد الزواج ظهرت شخصيته الحقيقية وأصبحت حياتى جحيمًا رغم محاولتى تلبية كل طلباته، ولكنه لا يرضى ويلومنى بأننى لست كوالدته، مع العلم أنه لا يقدر أيضًا والدته، وأحيانًا كثيرة يحزنها على توافه الأمور، ورغم أنها أم طيبة فإن عاقبة تدليلها الزائد له كانت هى أول من عانت منه.

ابنتى..ماركة 

«ابنتى الوحيدة 12 سنة، ورغم صغر سنها فإنها دائمة التقليد لكل ما هو غريب ومبالغ فيه، تحكى مدام هالة قصتها مع ابنتها المراهقة فتقول: «هى لا تقبل إلا بالملابس الماركة وتشترى كل ما يلزمها من أغلى المولات مما يرهقنى ماديًا بشكل كبير، فوالدها متزوج من امرأة أخرى ولخوفى من حرمانها أو منع شىء عنها فتتركنى وتذهب لأبيها، فأحاول تنفيذ كل طلباتها حتى أن مرتبى بالكامل أنفقه عليها شهريًا ورغم كل ذلك فأشعر بها تهددنى إذا ما ضاقت بى الحال وأنها ستذهب للعيش مع أبيها، فأضطر قهرًا أن أضغط على نفسى لتوفير كل متطلباتها، ورغم أننى أعرف خطأ ما أفعله، وهي تتمادى فى طلباتها كلما أرضخ لها ولكن لا أعرف كيف أعالج هذه الفوضى». 

المغالاة فى الحب مرض 

التربية على التدليل مأساة بعواقب شديدة الخطورة على أبنائنا رغم اختلاف أسباب ودوافع الأهل لتلك الأساليب حسب د. أشرف جودة استشارى التنمية البشرية والعلاقات الأسرية.  ويقول: كثير منا لا يلقى بالًا للمعنى الحقيقى للتربية، وينصب اهتمام الآباء على توفير ما يطلبه الأبناء دون تفكير أو تمييز لتأثير هذا الأسلوب فى تنشئتهم وعلى تكوين شخصيتهم. وحسب د. أشرف فإن الاهتمام بالجانب النفسى فى التربية لا يقل عن الجانب المادى وإن كان يفوقه أهمية، وبالتالى من المهم أن يتعلم الوالدان طرق وأساليب التربية لتنشئة أولادهم بطريقة سوية، لأن اللين والتسيب والتدليل الزائد يفقد أبناءنا الإحساس بالمسئولية ويزيد لديهم درجة الاعتمادية على الأب والأم بشكل دائم ومرضى، كما أن كثيرًا من هؤلاء الأبناء مع التعود على التدليل فإنهم يتهمون الأهل بالتقصير إذا لم يستطيعوا تنفيذ طلباتهم لو تغيرت الظروف، كما أنهم يعتادون على الأخذ لا العطاء فتقل ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على اتخاذ أى قرار، وتصبح شخصيتهم مهتزة مشوشة، إضافة إلى عدم قدرتهم مستقبلًا على تحمل مسئولية الحياة الزوجية.

ولعل من أشهر الأخطاء أيضًا فى طرق التربية هو أن يحاول الآباء بطريق الخطأ تعويض أبنائهم عن الحياة التى لم يستطيعوا هم أنفسهم أن يعيشوها، سواء لضيق ذات اليد أو للشدة فى التربية، مما يدفع بعض الآباء فى الطريق الخطأ نحو التدليل الزائد لأبنائهم بدعوى الحب والاهتمام وهذا ينعكس عليهم سلبًا لأنهم لن يستطيعوا مواجهة الحياة لاحقًا وأعبائها المختلفة لأنهم لم يعتادوا التفكير أو المحاولة للبحث عن ما ينقصهم، فبالتالى يشعرون بالتردد «التوهان» والارتباك إذا ما فقدوا أحد ذويهم أو انتقلوا للحياة بعيدًا عن أسرهم.

وإذا أراد الآباء حقًا تقديم الحب والرعاية لأبنائهم فيكون ذلك من خلال الصداقة لا التدليل والنزول لمستوى تفكيرهم ومشاركتهم فيما يحبون حتى يشاركونا فيما نحب، إذ لا بد أن تكون لغة الحوار والمصارحة هى العلاقة المعتمدة للتعامل بين الطرفين.

يضيف: علينا أن نفهم جيدًا ما يعرف بالفروق الفردية بين أبنائنا، سواء فى التفكير أو السلوكيات أو الإحساس أو الملكات والمواهب والميول، فعلينا تنمية مواهبهم منذ الصغر، نكتشفها ونوجههم ليدركوا أنهم متميزون فيها ليزداد حبهم وليصلوا إلى درجة النبوغ والإبداع ويزداد قربهم، لأننا نحقق لهم ما يحبون بل ندلهم عليه ودون مبالغة منا فى التعبير عن الحب.

 عدم تفضيل أحد من الأبناء على آخر، لأن ذلك يولد الغيرة السلبية بين الأبناء ويظهر ذلك فى الابن الأكبر وكذلك الابن الصغير ويتم إهمال عادة الابن الأوسط عن غير قصد، وكذلك تفضيل الذكور على الإناث كل هذا له تأثير السلبى على نفسية الأبناء، ويوثر سلبًا على علاقة الأبناء بعضهم ببعض فى الكبر.

وإذا اتبعنا هذه الأسس البسيطة فى تربية أبنائنا بهذا نصل للتوازن النفسى ونبعد أبناءنا عن الاقتراب من دائرة الأمراض النفسية.