الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فضيحة بجلاجل فى «B.B.C»!

الإذاعة البريطانية تسترت على جريمة.. بجريمة

فضيحة بجلاجل فى «B.B.C»!

هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» تعيش هذه الأيام أجواء فضيحة كبيرة..  فضيحة بجلاجل!.. كشف تفاصيلها أحد قضاة المحكمة العليا.. وهناك مطالبات بإعادة هيكلتها.. وإلغاء اشتراكاتها السنوية التى تبلغ مليارات الجنيهات بل إن البعض يطالب بتفكيكها إلى عدة هيئات إعلامية أصغر.



من عدة سنوات كتبت هنا فى «صباح الخير» عن أزمة هيئة الإذاعة البريطانية وتدهور أحوالها، تحت عنوان «بى بى سى على كف عفريت» فى سلسلة مقالات نشرتها مكتبة «روز اليوسف» بعد ذلك فى كتاب.. 

وفيما قلت، من خلال خبرة تعامل وتحرّى داخل هذا الكيان الضخم على مدى خمس سنوات، أنه لا بد من أن تعيد «بى بى سي» النظر فى هيكلتها، وتعيد ترتيب أهدافها، وتصمّم على الاستقلالية إذا أرادت أن يكون لها مستقبل جدير بالاحترام.

وكان هذا خلاصة ما تجمّع لدى من آراء الخبراء وبعض العاملين، ومن قراءات ومراجعات وأبحاث أتيح لى الاطلاع عليها.

ومضت بعد ذلك سنوات زاد فيها حال التدهور وظهر تدخل الحكومة، وتخبط الإدارة العليا.. وترك كوادر كثيرة للعمل والانتقال إلى هيئات إعلامية وتليفزيونية منافسة.

وبلغ الانهيار حدا غير مسبوق عندما انكشفت مظاهر أسلوب عنصرى فى إدارة أضخم هيئة إعلامية فى العالم، وصدرت أحكام قضائية ضد «بى بى سي» تدينها بالعنصرية ضد المرأة.

ومنذ وقت ليس ببعيد عاشت «بى بى سي» فضيحة أخلاقية تبيّن خلالها أن إدارتها كانت تغطى على جرائم جنسية ترتكب فى استديوهاتها ومكاتبها يستغل فيها بعض نجوم التليفزيون الرجال نجوميتهم ونفوذهم للتغرير ببعض العاملات والاعتداء الجنسى عليهن. وهذا الأسبوع انفجر الموقف من جديد وتأكد لى أن تعبير «على كف عفريت» الذى استخدمته عنواناً للمقالات والكتاب، لم يكن مبالغة صحفية، فهذه الهيئة الضخمة المتضخمة على كف عفريت فعلاً.. وهناك أصوات كثيرة تطالب بإعادة هيكلتها، وتقسيمها إلى وحدات أصغر، وتغيير جهازها الإدارى بكامله، حيث يرى بعض المراقبين الآن أنه أصبح لا يرى سوى نفسه، ويعتقد أنه أكبر من أى مراقبة أو متابعة أو نقد أو محاسبة!

وهناك أصوات تطالب بـ«تفكيك» هيئة الإذاعة البريطانية التى تضم عشرات محطات الإذاعة والتليفزيون ومواقع الإنترنت، وتبث بعديد من اللغات، تصل إلى جمهورها البالغ مجموعه ما يزيد على 400 مليون إنسان حول العالم.

وهناك كتاب يرون أن الدنيا تغيّرت ولم يعد نظام تحصيل اشتراكات سنوية من الجمهور، مناسباً فى ظل انتشار خدمات الإذاعة والتليفزيون والإنترنت المجانية التى لا تطالب متابعها بدفع اشتراك سنوى ملزم، وإلا تعرّض لملاحقة بوليسية وقضائية، إذا لم يسدد الاشتراك وضبط يشاهد أو يستمع لبرامج «بى بى سي». 

ما الذى أثار هذه القضية القديمة الآن؟

قد لا يصدق أحد أن ما أثار أزمة «بى بى سي» من جديد هذه الأيام هو واقعة حدثت منذ ربع قرن، هى الحديث التليفزيونى الخطير الذى أدلت به الأميرة ديانا وكشفت فيه صراعات داخل العائلة الملكية البريطانية وخيانة زوجها الأمير شارلز ولى العهد لها. 

كان هذا الحديث «خبطة صحفية جبارة» تناقلتها صحف وتليفزيونات العالم.. لكن تبين أن المذيع الذى انفرد به وحقق هذه الخبطة وذاع صيته فى كل مكان، وأثار غيرة عديد من نجوم الصحافة والتليفزيون وخاصة منهم من كانوا يعتبرون أنفسهم أصدقاء مقربين للأميرة الراحلة.. تبين أن الرجل واسمه «مارتن بشير» وهو مراسل صحفى لبرنامج تليفزيوني، لجأ إلى أسلوب غير قانونى وغير محترم، وغير شريف، للفوز بموافقة الأميرة على إجراء هذا الحديث معه، حيث زوّر بيانات بنكية بمساعدة آخرين، لتأكيد ما ردده على مسامع شقيقها «أيرل سبنسر» من أن بعض صديقات ديانا تقاضين مبالغ مالية مقابل تسريب معلومات للصحافة تتسبب فى أذى للأميرة التى كانت قد دخلت فى صراع مع زوجها وعائلته الملكية.. واطلع «أيرل سبنسر»على البيانات المزورة وصدّقها وأوعز لديانا بأن توافق على إجراء الحديث مع «بشير».

من كشف سرّ هذه الجريمة؟

ثلاثة من العاملين فى «بى بى سي».. وقدّموا الدليل لجريدة «مايل أون صنداي» فنشرت تفاصيل الفضيحة على صفحتها الأولى، كان ذلك بعد ستة أشهر من إذاعة الحديث «الخبطة».. لكن إدارة «بى بى سي» أنكرت ذلك ودافعت عن «بشير» وعندما تصدى زملاؤه الثلاثة المطلعين على الواقعة،للأمر وطالبوا الإدارة بكشف الحقيقة ومعاقبة «بشير» كان نصيبهم الطرد من «بى بى سي».. وتم بعد ذلك وضع مخطط كامل داخل إدارة أكبر مؤسسة إعلامية فى العالم، للتمويه على ما جرى والتغطية والكذب واتهام الجريدة بالفبركة.

لكن بعد ربع قرن انكشف المستور، وبانت الحقيقة عندما طالب شقيق ديانا بتشكيل لجنة قانونية برئاسة قاض للتحقيق فى ما جرى، وتحقق له ما أراد، وفى الأسبوع الماضى أعلن القاضى «لورد دايسون» أحد أعضاء المحكمة العليا السابقين، نتائج التحقيق، وكانت اتهاما دامغا وإدانة لـ«مارتن بشير» كغشاش ومزوّر وعديم الأخلاق، وكذاب.. ولـ«بى بى سي» وقياداتها، بأنهم ارتكبوا أكبر جريمة فى حق الهيئة التى كانت قد اشتهرت بالشفافية والصدق والمهنية، فقد شاركوا فى الكذب والتمويه والتغطية والتضليل وإخفاء الحقيقة، وقصّروا فى ملاحقة المتهم وفى التحقق من واقعة تزييف بيانات بنكية، وفى عدم مراجعة شقيق ديانا فى الأمر.

فضيحة بجلاجل - كما نقول، تبعها إعلان «مارتن بشير» أنه آسف لاضطراره للتزوير والكذب - وكان قد اعترف بذلك منذ سنوات طويلة خلال تحقيق داخلي، أخفاه المديرون وقتها ـ وقد اضطر بعض المديرين ممن شاركوا فى مؤامرة التغطية على الجريمة فارتكبوا أكبر منها.. إلى الاستقالة من مناصبهم أو المناصب التى تولوها بعد ذلك فى هيئات أخرى.

والآن أصبحت «بى بى سي» على كل لسان، وكتبت مقالات وافتتاحيات صحف تندد بما وصل إليه حال «بى بى سي» ويدور الحديث الآن حول ضرورة إعادة هيكلة هذه الهيئة التى أصبحت ـ كما وصفتها افتتاحية «مايل أون صنداى»ـ ضخمة جدا.. غنية جدا.. قوية جدا، لدرجة جعلت مديريها يظنون أنهم فوق المحاسبة، ما يشكل خطرا على الدولة البريطانية.

وسيعرض الأمر ونص تقرير القاضى «لورد دايسون» على البرلمان البريطانى لاتخاذ القرارات المناسبة، فهو الجهة الوحيدة التى تخضع لها «بى بى سى» باعتبارها هيئة مستقلة عن الحكومة.