الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التسول فى الـ«C.V»

رجال قبيلة الجمصة
رجال قبيلة الجمصة

باتت أزمة التسول فى الشارع أمر يدعو للاستغراب فى السنوات الأخيرة، ولكن مع الانفتاح والقدرة على كشف هوية المتسول سقط الكثير من الأقنعة من خلف وجوه مدعى الفقر والحاجة.



 

 فى محافظة المنيا تعيش إحدى القبائل التى تحترف نساؤها «التسول»، وتعرف هذه القبيلة باسم قبيلة الجمصة وهى إحدى قبائل الغجر، حيث ينتشر أبناؤها بين عدة محافظات إلا أن غالبيتهم يعيشون فى قرية الفقاعى التى تبتعد كيلومترات عن محافظؤ المنيا.

 

لا يزيد تعداد أبناء الجمصة فى قرية الفقاعى عن الخمسة آلاف، وهم منغلقون تمامًا لا يخالطون أهل الريف من الفلاحين ولا يناسبوهم ولا يشاركوهم.

 

الجمصة وفدت للمنطقة متأخرة، وعند صباح اليوم التالى رأتهم القبائل الأخرى فسألوا عنهم، فقيل لهم «هؤلاء إخوانكم الذين جاءوا مساء» فأطلق عليهم «جا مسة» المشتقة من «جاءوا مساء»وهذا هو سبب تسمية القبيلة المتداول.

 

امتهنوا مهناً مثل «السقاية» «والتسول» فصاروا سبة للكثير من أهل الصعيد، وهؤلاء طبقا لما جاء فى كتاب أصل الأنساب.

 

«عامر الجمصي» - شيخ قبيلة الجمصة -قال لـ«صباح الخير» إن قبيلته لها عادات وتقاليد تختلف عن باقى أهل القرى التى يعيشون بها لافتا إلى أن هذه العادات توارثوها من جيل لآخر. 

 

وتابع: «نحن لا نعرف التعليم منذ أيام الجدود ولا نرتاد المدارس، ولدينا قناعاتنا إن الحياة تعلمنا أكثر من المدارس، بالرغم أن القرية بها مدرسة  لكننا لا ندخلها.

 

وحسب «عامر» أن أبناء القبيلة يعملون فى مجالين، الأول يختص به الرجال والأطفال الذكور وهو تربية المواشى،حيث يتم تأجيرهم لرعيها والاهتمام بها، ويخرج كل يوم الرجال قبيل الفجر بالبهائم إلى الأراضى القريبة والمسارب المائية، ويعودون قبل المغرب.

 

ويقول: مكسبنا الدائم من يوم خروجنا إلى الدنيا من بيع الألبان، لا نصنع منه لا سمنة ولا جبنة، لكن نبيعه بخيره للفلاحين، فمعظمنا موكل على ما يقرب من العشرين جاموسة وأكثر، والرجال يتولون مسؤلية حلبها وتعبئتها وبيعها وعدا رعاية الجاموس وحلبها لا نعرف لا حرفة ولا صنعة ولا أحد منا يمتلك وظيفة.

 

أما التسول فهو ثانى أبرز المجالات احترافًا للجمصة وهو النشاط الأكبر للنساء «تسول النساء» تصفه «الخالة أم أحمد 76 سنة) بأنه عادة لنساء القرية من قديم الزمن، ومع بلوغ الفتاة 7 أعوام تبدأ العمل وبالنزول، وتضيف أم أحمد: طلعنا على وش الدنيا لاقينا جدودنا كده، أى ست متشتغلش فى التسول مينفعش تقعد فى بيت، فنحن نعتبرها مهنة وهنا العرف السائد أن القبيلة تقيس قدرة الفتاة وشطارتها ومعيار زيجتها وخطبتها على مدى ما تستطع كسبه فى اليوم الواحد!!

 

«صباح» حكت أن باقى أهالى قرية الفقاعى من غير أبناء القبيلة تنبذهم وتكرههم وتبرر هذا بقولها: لأننا نختلف طباعنا عن طباعهم، والشحاتة والتسول جعلوا الجميع يتجنبونا، ولكننا لم نتعلم شيئا غير ذلك، ففى كل صباح نخرج مجموعات إلى أماكن متفرقة على المحافظات والقرى، هيئتنا تستعطف العامة ولا نهتم بالنظافة الشخصية لعدم وقف الحال وكل ست تتكفل بمصاريف بيتها وزوجها يوميا من أكل وفاكهة ولحوم وسجائر ولعب على القهاوى للرجال من جيب السيدات والبنات.

 

وتابعت: فشببنا على التسول، وشب الرجال على تربية الجاموس، فكل منا يخرج لطريقه ونعود بحلول المساء.

 

صباح لديها ابنتها فرح وعمرها 13 عاما تخرج أيضا للتسول، وتقول فرح: «أنها مثل أى فتاة هنا، وكانت تود لو أنها تعلمت وأصبحت مثل من تتسول منهم لكنها ليست كذلك». 

 

تبعد قرية الفقاعى نصف ساعة عن المنيا حيث تخرج المتسولات فى جماعات كل جماعة تقارب العشرة نساء، ويتفرقون، بعضهم يسرح فى القرى والبعض فى المحافظة نفسها.

 

أيام الأعياد والمواسم لها طابع مختلف، حيث يتجمعون قبل الأعياد ويسافرون إلى القاهرة أمام أماكن العباده والمنتزهات وبيوت الله، وهناك من يتجه إلى أسوان  وسوهاج، حيث الأماكن التى لا يزال يقام بها الزار والدراويش، وتستمر إقامتهم فى هذه الأماكن قرابة الخمسة عشر يوما ينامون فى الشوارع وأمام الأماكن الدينية، حتى يعودا إلى قراهم محملين.

 

مظهر القبيلة العام يتناسب مع طريقة حياتهم وأسلوب معيشتهم، فهم يعيشون فى العشش القديمة ولا يخلو كل منزل من الجاموس، أهل القبيلة اعتادوا المشى حفاة وخاصة الأطفال، ملابسهم تبدو فى غاية الاتساخ، وقد علل أحد أبناء القرية الذين يعيشون بجوارهم، أن المظهر العام لهم يشبه الطابع الذى يعيشون عليه، فالتسول أو تربية الجاموس يدفعهم لأن يبدو هكذا.

 

من جانبه قال عمدة القرية «شاهر» إن  أهل الجمصة طبعاهم وسلوكياتهم شديدة وقاسية لذلك لا نتدخل فى المشادات بينهم وبين بعضهم، ولديهم عرف قديم سائد يشبه قتال المبارزة رجل لرجل أمام العامة، ومن يخرج منتصرا أو منهزما لا يحق له الشكوى، كذلك يذكر أهم مشاكلهم بينهم وبين بعضهم أن النساء تكسب من التسول كثيرا، فيلجؤون للعمدة لعمل عقد مشترك على جاموسة بين الرجل وزوجته لضمان حق الزوجة لكن الزوج يعترض فتقوم الخناقات والبلطجة.. وفى الغالب لا نتدخل لفض ما يحدث بينهم إلا نادرا.

 

وأكد العمدة أنه حاول بالتعاون مع الجهات الحكومية بشتى الطرق منع السيدات من التسول، وحاول مرارًا منعهم عن طريق تعيين خفراء فى مدخل القرية لكن دون جدوى.