الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
 خبز الثقافة وغذاء القلوب

خبز الثقافة وغذاء القلوب

تظل العلاقة بين المثقف والسلطة مجال تأمل واكتشاف، ومحاولة من المثقفين أنفسهم لتدارس هذه العلاقة سلبا وإيجابا، تواصلا وانحسارا، ويأتى كتاب عز الدين نجيب الفنان التشكيلى،  وعنوانه «المثقفون والعسل المر- أوراق من سجلات المثقف والسلطة» والذى صدر حديثا عن دار «أروقة» ليرصد هذه العلاقة التى يقول عنها الكاتب : «لقد ظلت علاقة المثقفين بالسلطة تتخبط من نظام إلى آخر أو تتأرجح بين عسل السلطة ومُرها، عسلها المتمثل فى السماح لهم – أحيانا قليلة – بمد الجسور بين الثقافة والشعب على النحو الذى آمنوا  به دائما، ومُرها المتمثل فى تقطيع  هذه الجسور نفسها فى أغلب الأحيان». 



ويؤكد أن المرحلة الذهبية فى العلاقة بين المثقف والسلطة كانت فى عهد عبدالناصر، رغم ما شهدته تلك العلاقة من بعض العثرات الكبيرة والصغيرة خصوصا مع أصحاب  الفكر المختلف مع السلطة، وفى الفترة التى كان فيها ثروت عكاشة وزيرا للثقافة فى عهد عبدالناصر توافرت حرية التعبير الفنى والأدبى،  واحترام التعددية الفكرية والمذهبية فعملت هذه السياسات على توفير «خبز الثقافة» للناس فكانت غذاء للقلوب، وتعد تجربة بناء السد العالى خبرة نادرة للتفاعل العبقرى بين الفنانين والمثقفين من جانب وبين الشعب من جانب آخر.

ويرصد الكاتب تراجع دور المثقف والفنان فى زمن الانفتاح فى عهد السادات حيث تحول الفن من «الفن للشعب» إلى «الفن للصفوة»، ويلقى بالمسئولية على الفنان من جانب محدد وهو افتقاره للفكر السياسى. 

فأسهم ذلك فى عزلته عن المجتمع، وهو ما أختلف معه فيه، فلقد كان المثقف  حاضرا بكتاباته ومواقفه فى كثير من الأعمال الإبداعية التى رصدت تأثير سياسة الانفتاح وهجرة العقول، والمد السلفى المتطرف على المجتمع، والآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل هذه العوامل، فلم يغب دور المثقف الطليعى الواعى عن مجتمعه.

وإن كان هناك من أثر العزلة وهو موقف لا يمكن تعميمه، ومع ذلك يجد له عز الدين نجيب تفسيرا فى كتابه فيقول : «إن إحدى الصفات البارزة فينا كمثقفين – أعنى اليسار منا – هى أننا نعرف دائما ما لا نريده ولا نعرف تماما ما نريده، وهذا يجعلنا  أقرب إلى اتخاذ موقف المقاطعة منعزلين عن قوانين الواقع مما يحول بيننا وبين البحث عن بدائل، أو عن وسائل متنوعة لتغيير تلك القوانين».

وهذه بالطبع رؤية نقدية مهمة لكن لا يمكن تعميمها فهناك نماذج بارزة من مثقفى اليسار كانت دائما فى طليعة التنوير والتغيير، والحرص على  ثروات الأمة وحفظ تراثها ومنها جمعية «أصالة» التى أسسها الكاتب نفسه لرعاية الحرف التقليدية وصيانتها، وهو دور مجتمعى مهم. 

 ومن أهم ما طرحه الكتاب هو مسئولية المجتمع كله عن انطلاق الإبداع التشكيلى وتفاعله مع الناس، مؤكدا على ضرورة إقامة اللوحات الجدارية، وأعمال النحت فى الميادين والحدائق العامة، فتلك هى المدرسة الحقيقية لنشر قيم الفن وثقافة الصورة، وأن يكون هناك قاعة للفن فى كل مدينة فذلك من خبز الثقافة وغذاء القلوب.