السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هـل يفـترس الـذكاء الصينـى عمالقة الســـيليكـون؟!

الصراع بين واشنطن وبكين مازال مستمرا
الصراع بين واشنطن وبكين مازال مستمرا

مع اتساع الحيز الذى تشغله التكنولوجيا فقد أصبحت محور الصراع الدولى الكبير بين واشنطن وبكين، فالمواجهة ليست فى التجارة، وإنما المعارك مناسبة تماما للثورة الصناعية الرابعة، ويمكننا أن نطلق عليها «الجيل السادس».



السباق يدور حول امتلاك التقنيات المتطورة، فالدول والشركات أصبحت لا تخشى من حدوث أزمة مالية بسبب جائحة كورونا، ولكن تشعر بالقلق من تدمير أنظمتها المالية الإلكترونية، فالسيادة أصبحت رقمية أو «ديجيتال»، وتسببت فى حروب وخلافات، الأمر الذى جعل خبراء صندوق النقد الدولى مؤخرا، يطرحون فكرة إنشاء ما يشبه مجلس الاستقرار الرقمى، الذى يمكنه أن يبادر فى عملية تنظيم أمور التكنولوجيا، وتأمين حقوق الملكية الفكرية، وتقليل أسباب التوترات بين الدول.

وأعلن المنتدى الاقتصادى العالمى عن نيته لإجراء محاكاة لهجوم إلكترونى على سلسلة التوريد والنظام الاقتصادى العالمى فى يوليو المقبل.

وبسهولة شديدة، يمكنك أن تدرك الدافع وراءها، إذا ما تابعت الأثر الذى أحدثه الهجوم الإلكترونى الأخير على شركة «كولونيال بايبلاين» المشغلة لخط الأنابيب الرئيسى فى الولايات المتحدة، حيث اهتز الاقتصاد العالمى، وأعلنت حالة الطوارئ فى أمريكا، وهو ما حذر منه «جيروم باول» - رئيس البنك المركزى الأمريكى، حين قال: «إن الخطر الذى نراقبه أكثر هو الخطر الإلكتروني».

مؤكدًا أنه يجب على أمريكا أن تخصص كثيرا من الوقت والطاقة والمال لحماية نفسها».

سبق هذا التحذير، هجمات إلكترونية، طالت المؤسسات الكبيرة فى أمريكا، بعضها يخترق البيانات، والآخر يسرق الأبحاث العلمية، وجزء منها يطلب دفع فدية، وهو ما جعل إدارة الرئيس «جو بايدن»، تتخذ موقفا صارما تجاه معارك التكنولوجيا، فلم تكن بكين بعيدة عن هذه الهجمات، حيث إنه بنهاية أبريل الماضى، كشف خبراء شركة «فاير- آي» الأمريكية للأمن التكنولوجى، أن «هاكرز» على صلة بالصين، يقفون وراء الهجوم على مؤسسات الحكومة والدفاع بأجهزة لتنظيم العمل عن بعد.

وفى مارس، حملت شركة «مايكروسوفت» هاكرز صينيين، المسئولية عن هجمات على خوادمها الخاصة، واخترق قراصنة، مجموعة عملاقة لبيانات 150 ألف كاميرا مراقبة، جمعتها إحدى شركات وادى السيليكون، اسمها «فيركادا» فى سابقة خطيرة أحدثت دويًا كبيرًا.

ومنطقة وادى السيليكون أو الشهيرة بـ«سيليكون فالي»، هى المنطقة الجنوبية فى ولاية كاليفورنيا، ويوجد بها عدد كبير من عمالقة مطورى التقنيات العالية مثل: «أبل»، و«جوجل»، و«إنتل»، و«فيسبوك»، و«مايكروسوفت»، و«سوني»، و«سيمنز»، و«يوتيوب»، وتعتبر المنطقة التكنولوجية الأولى فى العالم.

هذه الوقائع كشفت لنا مدى حدة التناحر فى معارك التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين الذى يؤكده مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى «كريستوفر راي»، خلال جلسة استماع أمام الكونجرس، عن أن المخابرات الأمريكية، تفتح تحقيقا حول أنشطة تجسس للصين كل 10 ساعات، مشيرًا إلى ارتفاع فى هذا النشاط، بنسبة 1300 % السنوات الماضية.

السيطرة على البيانات والبرمجيات، هى كلمة سر العصر، ولأن الأمريكيين يدركون أنهم أصبحوا يعتمدون أكثر من أى وقت مضى على شبكاتهم، فى العمل والتعليم والرعاية الصحية، فالأمن الإلكترونى، أصبح له الأولوية.

وتسبب الخطر الصينى فى اتخاذ إجراءات أكثر تشددا مثل فرض عقوبات وقيود على شركات صينية كبيرة، ووصلت إلى التهديد بمنع منصات التواصل الاجتماعى، التى تديرها شركات صينية من العمل فى أمريكا، مثل: «التيك توك»، و«وى تشات».

بدأت هذه الخطوات خلال حكم الرئيس «ترامب»، والذى أطلقت إدارته قائمة سوداء، تتطلب من الشركات الأمريكية الحصول على ترخيص، لو أرادت بيع أو شراء تكنولوجيا أو تقنية أو حقوق ملكية فكرية، للشركات الصينية فى مجال الاتصالات.

واعتبرت الإدارة الأمريكية، أن شركات التكنولوجيا الصينية جهات خبيثة، تتلاعب بالأمن القومى وتهدده، مما حظر على المستثمرين الأمريكيين شراء أسهم فيها بعدما صنفتها الإدارية الأمريكية شركات عسكرية شيوعية.

شاومى وهواوي

أكثر من 60 شركة صينية فرضت عليها العقوبات الأمريكية أشهرها: شاومي»، و«هواوي»، ولم تقف القيود عند ذلك، بل تعدت أيضًا لحصار الاستفادة من صناعة الرقائق الذكية، والتى تمتلك بكين عناصرها النادرة.

وعندما تولى الرئيس «بايدن»، ضيق الخناق أكثر على عقود تصدير لشركة «هواوي»، كانت قد تمت الموافقة عليها من قبل، ليتم حظر بعض المواد المستخدمة، فى أو مع أجهزة شبكات الجيل الخامس، .

لكن لماذا اتخذ هذا الموقف العنيف؟..الإجابة: بسبب التاريخ الصينى الطويل فى سرقة الشركات لحقوق الملكية الفكرية الأمريكية، حيث تشترط بكين على الشركات الراغبة فى العمل فى السوق الصينية، أن تسلم أسرارها التكنولوجية، قبل الدخول.

وتعتمد الصين على هذه السياسة فى نقل التكنولوجيا، ولذلك تعهدت بداية العام الماضى بمكافحة ذلك، فى اتفاق المرحلة واحد التجارى الأمريكى الصينى.

وتعتبر بكين رائدة فى تكنولوجيا الجيل الخامس، وصاحبة أكبر بصمة عالميا، خاصة فى مجال إنترنت الخدمات، والمثير أن تقريرا حديثا لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، أشار إلى أن أمريكا تفتقر للبنية التحتية لهذه الشبكات، لذلك تخشى أن تستخدمها الصين ضدها.

أما رد الفعل الصينى، فيذكرنا بعبارة شهيرة لـ«دينج شياو بينج» مهندس الإصلاح الصيــنى، عنـــدما قال لنيكسون الرئيس الـ 37 للولايات المتحدة: «لا تتوقع أبدا أن الصين سوف تتوسل إليكم، لكى ترفع عنها العقوبات، حتى لو استمرت مائة عام».

مؤخرًا قال المتحدث باسم وزير خارجية بكين: «إن الطغيان الأمريكى لن يوقف تقدم الشركات فى مجال التكنولوجيا المتطورة، بينما هذه الشركات سوف تكون أكثر تصميما وعزما فى تسريع ابتكاراتها».

الدرس الذى تعلمته بكين على مدار التاريخ، هو التصلب عند التعامل مع واشنطن، لذلك قامت الحكومة الصينية بزيادة استيرادها بنسبة 20 % من أشباه الموصلات، من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، خلال العام الماضى، بقيمة 32 مليار دولار، لتأمين احتياجاتها.

نتيجة العقوبات الأمريكية على الشركات الصينية خسر «لى جن» - مؤسس شركة «شاومي» 3.6 مليار دولار من ثروته، بعد تراجع أسهم الشركة، 13 %، فيما انخفضت إيرادات «هواوي» خلال أول ثلاثة شهور من العام الحالى، بنسبة 16.5 %.

والمعارك «الديجيتال» بين بكين وواشنطن ليس مجالها فقط أشباه الموصلات، بل أيضا الذكاء الاصطناعى، وشبكات الجيل السادس، وأخيرا تكنولوجيا الفضاء، حيث استثمرت فى السنوات الأخيرة أموالا ضخمة فى الذكاء الاصطناعى، لمواصلة اختراق الأنظمة الأمريكية.

حسبما قالت الحكومة الصينية، فإنها تهدف إلى تطوير صناعة ذكاء اصطناعى محلية، قيمتها 150 مليار دولار، بحلول عام 2030، وتمتلك بكين أكبر عدد خريجين فى مجال علوم الحاسب، وتقوم بتدريبهم، ليصبحوا علماء بيانات، ومتخصصين فى التعلم الآلى.

وكشفت الصين من جانبها عن خطة للاستثمار فى الذكاء الاصطناعى، وأشباه الموصلات، وعلوم الدماغ، والجينوميات، والتقنيات الحيوية، والاستكشافات الفضائية، وزيادة 7 % فى ميزانيات البحث والتطوير.. لمواجهة الهيمنة التكنولوجية الأمريكية.

وليس هناك دليل أوضح على التفوق الصينى فى مجال الذكاء الاصطناعى أكبر من أزمة فيروس كورونا، حيث بدت قدرة أكثر على التعامل مع الجائحة، فى وقت كانت فيه أمريكا منهارة.

ونجحت بكين من خلال تقنيات التشخيص الرقمى، الذى طورته حيث يكشف عن الفيروس من خلال تصوير مقطعى فى 20 ثانية.

وحسب ما أشار «اريك شميدت» - الرئيس التنفيذى لشركة «جوجل»، خلال جلسة استماع فى مجلس النواب الأمريكى، فإن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة فى الذكاء الاصطناعى، خلال 5 إلى 10 سنوات.

مجال آخر من مجالات التنافس الذكى، بين الولايات المتحدة والصين كانت بطلته هذه المرة شركة «هواوي»، وهو ما يمنحنا تفسيرا آخر للموقف الصارم الذى اتخذه «بايدن» تجاهها، حيث تستعد الشركة لإطلاق قمرين صناعيين فى يوليو المقبل، لتجربة تقنية شبكات الجيل السادس، بعد اقتراحها عام 2019، إطلاق 10 آلاف قمر صناعى، لتغطية العالم.

هذه التقنية من شبكات الإنترنت، متوقع لها أن تكون الأسرع بمقدار 50 إلى 100 مرة، مقارنة بشبكات الجيل الخامس، التى بدأ العمل بها العام الماضى، ونستطيع بها الوصول إلى تكنولوجيا التصوير المجسم، والسيارات الطائرة، وربط الأجسام والأدمغة بالإنترنت، وإمكانية التواصل بينهم.

ولأن المنافسة على قيادة الجيل السادس، ستكون أكثر شراسة، وينظر لها على أنها سباق تسلح، اتفقت الولايات المتحدة مع اليابان على استثمار 4.5 مليار دولار بشكل مشترك، لتطوير هذا النوع من الشبكات.

أما المجال الأخير الذى اهتمت به الصين مؤخرا، فهو تكنولوجيا الفضاء، حيث ترتيب الصين الثالثة عالميا، بعد أمريكا وروسيا، وهو ما جعل «ترامب»، يقرر إنشاء قوة فضائية تابعة للقوات المسلحة، مهمتها ضمان الهيمنة الأمريكية فى مواجهة الإمكانيات الصينية.