الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الجدعنة «online»؟!

سؤال ردده الأغلب، أين زمن «الجدعنة»، لماذا عند وجود أى مشكلة فى الشارع ضد بنت، لا نجد هؤلاء الرجال الذين يمتازون بالشهامة، «والجدعنة» يتصدرون، لحل الموقف وجلب الحق؟!



لماذا لم يعد الشارع يدير أزمة عنف أو تحرش ضد فتاة كما كان فى الماضى لصالحها؟! وأصبح الشارع منشغلًا بنفسه، وتركنا الأمثال ولم نضرب منها سوى «ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه» .

أصبحنا نشاهد حوادث سيارات، سرقة، تحرشًا، واعتداءات بالضرب على أطفال أو سيدات، ولا توجد نخوة عند بعض الناس فلم نعد إلا قليلا نرى من يجرى الدم فى عروقهم, وينتفضوا إذا رأوا ظلما فى الشارع، فيما نريد الشجب والإدانات والدفاع عن الحقوق على السوشيال ميديا فقط.

 

حتى «الجدعنة» أصبحت أون لاين، فهى لم تختفِ وإنما تحولت، كما تحول كل شىء فى حياتنا للأونلاين، ابتداءً من مشترياتنا، علاقتنا الاجتماعية كالمعايدات والتعازى، التعليم، المشاعر أصبحت تسجل فى رسالة إلكترونية، انتهاءً «بالجدعنة» والبحث عن رد الحقوق والمظالم من خلال «ريتويت»، و«شير فى الخير»، اعتمدنا على التكنولوجيا، نظرًا لأنها تسهل كل المهام الحياتية، فتنجز فى الوقت، وبأقل مجهود يذكر، للأسف تعاملنا مع الحقوق، كتعاملنا لدفع فواتير الكهرباء والإنترنت، كاستخراج رخصة، تعاملنا مع الأشياء المعنوية بصورة مادية، طبقنا التعامل الذكى بحذافيره على كل شىء حتى وإن كانت هناك بعض الأشياء التى لا يصلح لها أن تأخذ صبغة إلكترونية، من المفترض أن التعامل الإلكترونى يوفر عليك الوقت، والجهد.. وهناك أشياء لا بُد أن تأخذ جهدًا وعناءً منا حتى نشعر بالرضا، أخذ الحق حرفة، و لكن الحقوق لن تؤخذ من ورا شاشات اللاب توب والهواتف المحمولة، كل شخص- وأخص الرجال بحديثى هذا- أصبح على لسانهم جملتين، من خاف سلم، فأصبحوا يمشون داخل الحيط وليس جواره، قد يرون بأعينهم تحرشًا لفظيّا أو جسديّا على امرأة، ويلتزمون الصمت أو يلتقطون صورا وفيديوهات لنشرها على الفيس بوك امتعاضًا على ما حدث ويخلى مسئوليته ويريح ضميره بمجرد تصوير هذا الفيديو وكتابة رسالة شديدة اللهجة للفاعل، ويعتبر هذا من أضعف الإيمان، أصبح الأغلب من الرجال يتعامل بهذه السلبية، يكتفى بالتصوير أثناء وجوده فى قلب الحدث، فلا يدافع ولا يحاول الاستنجاد بشخص يدافع أو حتى الاتصال بالنجدة، يكتفى بالسب واللعن على مواقع التواصل الاجتماعى وسرد قصة كان من الممكن أن تتغير أحداثها إذا تدخّل بشكل إيجابى ولا أشجع من ليس لهم حول ولا قوة فى التدخل باندفاع ولكن بحرص وذكاء، الاتصال بجهات مختصة لإنقاذ الموقف هو الحل السليم، و لكن حتى إذا وجدنا رجالًا فى الواقعة يكون تدخلهم دائمًا بجملة «انتى بنت، لا تتشاجرى مع أحد»، لا تعيرى أحدًا الانتباه، لا تنزلى من سيارتك حتى وإن صدموكى بسيارة أو نعتوكى بأبشع الألفاظ، تجاهليهم!! ومن هنا زاد فيروس مجتمعى اسمه «السلبية»، حتى أصبحت الأمور تصل إلى حد القتل والاعتداء على حرمة البيوت مثلما حدث فى حادثة طبيبة السلام، ومثلما حدث فى حادثة فتاة المعادى التى أصيبت بعاهة مستديمة فقدت إحدى عينيها لأن بلطجيّا بعضلات استقوى على فتاة وضربها لأنها تحاول هى وأمّها أن تنقذا أختها الطالبة فى إحدى مدارس المعادى، هل تلك الحوادث تمت من دون وجود أشخاص فى الشارع؟ وما دور الأشخاص المتواجدين حينها؟ لا شىء سوى أنهم صوروا أو نقلوا الأحداث إلكترونيّا، ومن نشر إلى آخر، حتى تحذر باقى الفتيات ومعتقدين أنهم بذلك خلوا مسئوليتهم بـالنشر، لست ضد نشر الواقعة والحوادث إلكترونيّا، ولكن إذا لم تكن فى الحدث وشاهدت هذا المنشور فواجب عليك أن تنشره وتشير إلى  السلطات العليا فى منشورك، ليقرأوا ما حدث.. أما إذا كنت فى واقعة ومشكلة فأسلم تصرف هو الاتصال بالنجدة وتحديد موقع المشكلة قبل أن تتحول إلى جريمة، ونطالب بحق المجنى عليه أون لاين، كن «جدع» وإن لم تستطع التدخل بنفسك، ابحث عن من يستطيع التدخل وحسم الموقف.. 

وبالحديث مع الإخصائية الاجتماعية نجوى فرج عن تحول الجدعنة الملموسة إلى جدعنة من خلف شاشات إلكترونية قالت: من الطبيعى جدا أن نواكب التطور، وأن لا نتخلف عن أى إضافة أو قيمة تسهل علينا الحياة، فالتكنولوجيا دائما ما أقول إنها سلاح ذو حدين، وأن مثل ما لها من مميزات فهذا لا يعنى خلوها من العيوب، فهى مثلا قربت المسافات وجعلتنا نتواصل مع أهلنا وأبنائنا فى الخارج، ونراهم فى اتصال مرئى، وفى نفس الوقت باعدت بيننا وبين من جاورنا، فأصبح كل فرد فى العائلة منكبّا على هاتفه ونجلس جميعنا فى صمت، وأيضًا قللت العلاقات الاجتماعية، فأصبحت بدلًا من التجمع الأسبوعى للعائلة، اكتفى الأغلب بعمل جروب على مواقع التواصل الاجتماعى نتبادل فيه الأخبار، التعازى والتهانى، التكنولوجيا خلقت فجوة كبيرة فى الأسرة، وجعلتنا نبحث عن العاطفة والدفء من خلال وسائل التواصل الاجتماعى ومن خلال عالم موازى  وليس من خلال من حولنا، وكما ساهمت التكنولوجيا فى تسهيل الكثير من المهام، مثل دفع كل الفواتير من خلال الإنترنت، الشراء أيضا عن طريق الإنترنت، وتسهيل العديد من المهام والأعمال، إلا أنها أثرت سلبًا فى القيم الاجتماعية، وأحبطت العديد من العادات، وخلقت جيلًا جديدًا بعيدًا عن المسئولية وبعيدًا عن الشكل التربوى الذى عهدناه، فأصبح الشباب من الجنسين، يستخدمون ألفاظا سيئة من خلال التكنولوجيا لمجرد أنهم غير معروفين، وأصبح كل من هو لا يملك الشجاعة على أرض الواقع لفعل شىء معين، أصبح سهلا عليه أن يمارس أى شىء من خلال التكنولوجيا، وما هو أسوأ  أنها جعلتنا نفقد الكثير من مميزاتنا وصفاتنا، فالمتعارف عن الشعب المصرى أنه جدع ودمه خفيف، وللأسف فقدنا ميزة الجدعنة، ولا ألوم بذلك التكنولوجيا فقط، ولكن التربية أيضا، أصبحنا نربى أبناءنا الذكور على عدم التدخل فى أى مشاجرة أو الدفاع عن أى شخص، وذلك لأن أغلب المشاجرات تنتهى بوفاة أو إصابة الشخص المتدخل لفض النزاع، حتى الرجال الكبار فى العمر امتنعوا عن التدخل فى أى شجار، وذلك لأن الجيل الموجود أصبح لا يحترم الكبير وقد يتطاول باللفظ أو الضرب على رجل فى عمر والده، وساعد على اختفاء الجدعنة، التكنولوجيا.. وجدوا أن أضعف الإيمان هو التدخل والاستعانة بالتكنولوجيا لجلب الحقوق، فأصبح أسرع شىء يتم فعله هو تصوير المشاجرة وبثها على وسائل التواصل الاجتماعى، شعورًا منهم أن هذا سيفيد، ومما لا شك فيه أن انتشار الحوادث على السوشيال ميديا أيضًا له جانب إيجابى وهو الاحتراز من الوقوع فى مشاكل مشابهة، وأخذ الحيطة والحذر، وحُسن التصرف وإدارة الموقف فيما بعد، وأقصد من هذا أن قارئ الحادثة، ستتكون لديه فكرة عمّا قد يحدث إذا كان فى حال مشابهة، وعندها يستطيع أن يتصرف بشكل مختلف عن الضحية، ولكن لا يوجد مانع من انتشار الحوادث ومشاركتها على السوشيال ميديا كمنصة تعرض أخبارًا، مثلها مثل الصحف والمجلات، ولكن العتب كله يكون على الأشخاص المتواجدين فى الواقعة والذين لا يحسنون التصرف وكل ما يقومون بفعله التصوير من بعيد ورصد الحدث فقط، دون أى تصرف إيجابى.. مثل الاتصال بالشرطة أو النجدة أو التكاتف مثلا كمجموعة من 10 رجال إذا تدخلوا كيد واحدة سيقومون بفض النزاع بين الطرفين من دون خسائر لأننا كما تعلمنا «الكثرة تغلب الشجاعة».