الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أطفالنا والتربية ومهمة المخ

أطفالنا والتربية ومهمة المخ

ما الذى تعلمه وتغرسه فى أطفالك منذ الصغر؟ هل تنشئهم على تذوق الموسيقى والغناء والرسم والإبداع؟ أم تلقنهم أن الموسيقى حرام والغناء مكروه والرسم مرفوض والإبداع ممقوت؟



هل تربيهم على التعددية وقبول الاختلاف وأن من لا ترتدى ملابس كتلك التى ترتديها ماما ليست بالضرورة «هتروح النار» ومن لا يتحدث مثل بابا ويستخدم المفردات ذاتها ليس زنديقًا دون شك؟ هل تخبرهم أن من لا يشهر الكتاب المقدس ذاته الذى يشهره يمكن أن يكون صديقًا وجارًا وأخًا؟ أم تخبرهم أن صاحب الكتاب المختلف بالضرورة زنديق؟

هل تدفعهم للاعتقاد بأن كل مختلف عنهم كافر، وكل من لا يحمل ملامح وجوههم ذانها مارق، وكل من يعتنق أفكارًا ومعتقدات غير تلك التى يعتنقها مشرك وملحد؟ أم تدفعهم للقبول دون شرط الاعتناق والاعتقاد والانصهار؟ 

وبمناسبة الاعتناق والاعتقاد، هل تشجعهم على أن يخرجوا هذا الشيء المسمى «المخ» من تجويفه فى الجمجمة واستخدامه حتى لا يصدأ؟ وتدربهم على أن هذا الشيء يستخدم للتفكر والتعقل ولإضافة بعدًا منطقيًا للمسلمات؟ أم ترهبهم منه وتضعه فى خانة «أبو رجل مسلوخة» و«الغولة» وغيرهما من خيالات الرعب والترويع؟ ولم لا والمخ قادر على أن يصل بصغارك إلى نتائج غير تلك التى تم حشو دماغك بها واستلاب إرادتك من خلالها وتحويلك إلى نموذج مستنسخ للملايين غيرك؟

هل تشجعهم على التفرد والتميز حتى وإن كان ذلك عبر أفكار تبدو خارج الـ«ستامبا» التى لا يعرف المجتمع سواها؟ أم ترهبهم وتنذرهم بأن الخروج على ما وجدنا عليه آباءنا خطيئة مريعة؟ 

هل تثنى عليهم وتصفق لهم إن أرادوا إطعام قطة مسكينة أو إنقاذ كلب مريض فى الشارع؟ أم تشجعهم على خنق القطة ورشق الكلب بالحجارة؟ هل تنهرهم حين يدوسون الزرع بأقدامهم ويقطفون الزهور ويصعدون على مقاعد الباص العام بأحذيتهم؟ أم تعتبر ما يفعلون «لعب عيال» مقبولًا ومحمودًا؟ 

هل تربى صغارك على مبدأ «تَف على عمو ياحبيبي» أم «إحترم عمو ياحبيبي»؟ هل تلقنهم دروسًا فى الحرية المسؤولة والمسؤولية المجتمعية والصالح العام؟ أم تنتهج مبدأ «أنا ومن بعدى الطوفان» و»هى جت على أنا؟» وأنا ثم أنا ثم أنا؟

هل تنتفض إذا اكتشفت أن طفلك يعتبر الصراخ المستمر أسلوب لعب وتعلمه أن أحد الفروق بين الإنسان والبهيمة هو أن الصوت العالى باستثناء طلب الغوث عمل قبيح؟ أم تمضى قدمًا فى احتساء قهوتك وابتسامة راضية تعلو وجهك حيث «لعب العيال كله صريخ»؟ 

هل تخبر صغيرك أن أوركسترا الصراخ السيمفونى الذى نعيشه على مدار ساعات اليوم من أصوات عالية وسب وشتم قضاء وقدر؟ أم ابتلاء للعبدالذى أهمل فى التربية وتقاعس فى التنشئة وتجاهل أدنى قواعد السلوكيات والأخلاق الحميدة؟ 

طفلك هو نتاج ما تربيه عليه. فإن كبر وترعرع وهو نموذج مستنسخ من غيره، وأن المخ عضو مثله كالطحال والبنكرياس، وأن الاختلاف نقمة، وأن الحيوان جمادًا نعذبه ونقتله ونمثل به، وأن الأرض خٌلقِت له وحده دون غيره فهذا ما زرعته فيه، والعكس صحيح.