الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
عركة فلسطين وجيوش التنظير

عركة فلسطين وجيوش التنظير

الكثير من النكات يحمل قدراً لا يستهان به من الإسقاط والرمزية والمعانى التى يصعب المجاهرة بها علناً. إحدى النكات التى سمعتها قديماً كانت تسخر من الأشخاص المعروف عنهم أنهم «بتوع كلام» ووقت الجد والعمل الفعلى «فص ملح وذاب». النكتة طويلة ومهمة، لكن العبرة فيها تتجسد حين يسأل «معلم» المقهى صبيه إن كانت العركة المنصوبة فى الشارع شتائم وصياحاً، فيرد الصبى بالإيجاب، فيأمره المعلم بأن يأتى ومعه كل السكاكين والمطاوى الموجودة فى المقهى. وفى اليوم التالى، نشبت معركة أخرى فى الشارع، لكن حين أخبر الصبى معلمه أن الضرب للركب، أمره المعلم بأن يغلق باب المقهى عليهم وينتظر إلى أن ينتهى الضرب.



الدرس المستفاد هو أن المعركة الزاعقة، حيث الشتائم والسباب على أشدهما والصياح والصراخ فى أوجهمها تجد لها بدلاً من المشارك المتطوع مائة، وبدلاً من المطالب بالتدخل ألف، وبدلاً من المٌنَظِر والمفتى والخبير الاستراتيجى مليوناً.

هذا هو الحادث فى الفصل الأحدث من فصول الصراع العربى الفلسطينى. فلسبب ما – أو بالأحرى لأسباب ما عدة- يسارع البعض من الإخوة والأخوات إلى تصويب السهام وتوجيه الاتهامات إلى مصر وجيشها وشعبها ما أن تندلع مواجهة بين فصيل فلسطينى وإسرائيل. ولأن مصر تاريخياً وعربياً وعاطفياً وفعلياً وإنسانياً هى الداعم الأول لفلسطين والفلسطينيين، فإن لا مصر ولا المصريين يحتاجون إلى من يطالبهم بالمشاركة أو الامتناع أو اتخاذ موقف بعينه دون غيره من آخرين. كما أن لا مصر ولا المصريين ينتظرون من يملى عليهم كيفية التحرك أو ماهية المشاعر التى ينبغى أن يشعروا بها أو طريقة التعبير عن الاعتراض كلما حدثت مواجهة بين الجانبين.

الجانبان الفلسطينى والإسرائيلى وصراعهما وتشابك الأزمة ليست وليدة «الشيخ جراح» أو نتاج بضعة طائرات مسيرة من غزة أو حتى استخدام قوة مفرطة من قبل إسرائيل. المسألة أعمق وأكبر وأكثر تعقيداً. وإقحام مصر باعتبارها «شريكًا مُقَصِرًا» فى كل مواجهة بينهما على مدار العقود الماضية وكأننا الراعى الرسمى للفصائل والأب الشرعى للتحرير والمسئول الرسمى عن الخلاص أمر سخيف، لا سيما وأن مصر والمصريين لا ينتظرون التدخل لصالح نصرة فلسطين والفلسطينيين فى كل مرة.

إلا أن هناك فرقًا كبيرًا بين التدخل لنصرة إخوة لنا أو حمايتهم أو التدخل للتخفيف عنهم، وبين أن يجلس بعضهم على مقهى ويبدأ فى رمى سهام الاتهامات لمصر ولجيشها بالتقصير. الغريب والعجيب والمريب أن النسبة الأكبر من هؤلاء لا يتركون فرصة دون توجيه أبيات الغزل العفيف منه والصريح لدول مثل تركيا مثلاً التى يعتبرون نظامها السياسى أقرب ما يكون إلى الخلافة الإسلامية، فلماذا لا يطالبون جيشها وشعبها بإتمام عملية تحرير فلسطين؟ ولماذا لا يطالبون دولاً ذات صيت سياسى وجاه اقتصادى وصوت مسموع فى الشرق والغرب أن ترعى بنفسها عملية تمكين الفلسطينيين من دولتهم ومحو دولة إسرائيل وطرد سكانها؟! 

هل يعيدنا ذلك للنكتة السالف ذكرها، حيث العركة القائمة على الشتائم تستوجب السكاكين تلك القائمة على الضرب تتطلب إغلاق الباب لحين انتهائها؟!