الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«ابقـى قـابلى» بـ 20 جنيـها شــهريًا!

فى فيلم غزل البنات
فى فيلم غزل البنات

فى الحلقة السابقة كشفنا كواليس بداية نجيب الريحانى مع المسرح الكوميدى، ثم النقلة الكبرى فى مشواره الفنى، حينما أسَّسَ فرقته الأولى بمَلهَى «الأبيه دى روز»، وابتكاره لشخصية «كشكش بك»، التى حققت شهرة واسعة وقتها. 



وفى هذه الحلقة محطة جديدة بعد انفصاله بفرقته من مَلهَى «الأبيه دى روز»، والتحاقه بمسرح «الرينيسانس».

 

 

أنور وجدى فى أحد أفلامه
أنور وجدى فى أحد أفلامه

 

وافق «الريحانى» على عرض الخواجة «ديموكنجس» بالعمل معه فى مسرح «الرينيسانس» بشارع فؤاد الأول «26 يوليو حاليًا»، مقابل راتب قدره 120 جنيهًا شهريًّا. 

وانتقل «الريحانى» بفرقته نفسها إلى المسرح الجديد، وضمَّ لها الممثل عبداللطيف جمجوم.

واستهلَّ عروض موسم 1917، بمسرحية «ابقى قابلنى»، التى كانت بداية عهد جديد فى فن ما يطلق عليه «التريقة» أو«التأويز»، كما يصف «الريحانى»، وكان الاسم مكايدة فى «روزاتى»، صاحب الكازينو القديم.

وصار هذا النوع من الفن تقليدًا بعد ذلك فى عُرف الفرق المسرحيّة المتنافسة؛ فكان يُراعى اختيار اسم المسرحية الجديد على أن يكون ردّا على اسم مسرحية الفرقة المنافسة، وهكذا.

وتبع«الريحانى» روايته الأولى بـ«كشكش بك فى باريس»، و«وصية كشكش بك»، وجميع العروض حظيت بنجاح كبير، لم تحققه أى فرق أخرى وقتها، ووصلت شهرة «الريحانى» عنان السماء.

 

على الكسار فى «على بابا و الأربعين حرامى»
على الكسار فى «على بابا و الأربعين حرامى»

 

مع حسين رياض

فى مايو 1917؛ انتهت مدة عَقد إيجار المسرح، وقرّر الخواجة «كونجاس» شراء مسرح جديد؛ فوقع الاختيار على مقهى بشارع عماد الدِّين كانت مقامة على قطعة أرض ملك البنك العقارى المصرى.

وساهم «الريحانى» من ماله الخاص فى بناء المسرح الجديد مع «كونجاس». وبعد أربعة أشهُر اكتمل بناء المسرح الجديد وإن كان ينقصه السّقف، وأطلق عليه «الريحانى» مسرح «الإجيبسيانة».

افتتح مسرح «الإجيبسيانة»، فى 17 سبتمبر 1917. وانضمَّ للفرقة الفنان حسين رياض، وقدّمت الفرقة أولى عروضها بعنوان «أم أحمد». 

وبعد فترة قصيرة دبَّ الخلافُ بين «الريحانى» وصاحب المسرح، والسبب كان موقفًا أخلاقيّا سَجّله «الريحانى». ففى أواخر عام 1917؛ خيّم الحزن على شارع عماد الدِّين، بسبب رحيل الشيخ سلامة حجازى،أحد رُوّاد المسرح المصرى.

ورأى «الريحانى» أنه من الواجب إعلان الحداد العام، وتعطيل العمل بالمسرح ليلة، ولكن الخواجة مالك المسرح رفض تلك الرغبة، مُفضّلًا الاكتفاء بوقف التمثيل بضع دقائق.

وبسبب ذلك؛ دَبَّ الخلافُ بين الاثنين، وانتهى بانسحاب «الريحانى» من الفرقة، وإسناد دوره لـ حسين رياض فى رواية «دقة بدقة»؛ ولكن غياب «الريحانى» لم يدم طويلًا.

وإزاء انسحاب البطل الرئيسى للفرقة؛ تدهورت أحوال «الإجيبسيانة»، ما اضطر الخواجة إلى إغلاق المسرح، والتفاوض مع «الريحانى» مرّة أخرى.

استطاع «الريحانى» أن يفرض شروطه بقوة فى تلك المفاوضات، التى انتهت بإسناد الإدارة كاملة له، مقابل أن يتقاضى مالك المسرح 30 % من الإيراد اليومى.

ومن هنا؛ خطى «الريحانى» أولى خطواته فى طريق إدارة الفرق المسرحيّة؛ فألّف فرقته الجديدة، التى قدّمت خلال شهرَى نوفمبر وديسمبر مسرحيتَى «حماتك بتحبّك»، و«حلّق حوش».

فى تلك الفترة؛ رأى «الريحانى» أنه لم يحقق النجاح المطلوب، بسبب انخفاض الإقبال الجماهيرى على مسرحه من دون سبب واضح؛ ولكنه اكتشف ذلك حينما زار مسرح كازينو «دى بارى» المجاور له كمتفرج؛ فعاد ليلتها وتدور داخل رأسه خطة جديدة لتطوير مسرحه.

وبسبب نجاح «الريحانى» أثناء عمله السابق بمَلهى «الأبيه دى روز»؛ بدأ بعض أصحاب الملاهى الليلية استنساخ تجربته، ومنهم مدام «مارسيل لانجو»، صاحبة كازينو «دى بارى» بعماد الدين؛ فجاءت بـ عزيز عيد على رأس فرقة مسرحية.

ولمّا فشلت التجربة استعانت مالكة الكازينو بكل من على الكسار، ومصطفى أمين، وحققت تلك الفرقة نجاحات متتالية، وتحوّلت إلى المنافس الأساسى لمسرح «الريحانى».

ولمّا شعَر«الريحانى» بانخفاض الإقبال على مسرح «الإجيبسيانة»؛ ذهب إلى كازينو «دى بارى» المجاور، وحضر عرضًا به كمتفرج؛ ليقف على أسباب تفوّقه؛ فوجد إقبالًا كبيرًا.

ويكشف«الريحانى» سبب هذا الإقبال بقوله: «أدهشنى أن أرى كل ما هناك عبارة عن استعراض من دون موضوع، يغلب عليها العنصر الأفرنجى، تتخلله بضع مواقف فكاهية لـ على الكسّار؛ فلماذا أتعب نفسى فى البحث عن روايات ذات مَغزى ما دام الجمهور يقبل على النوع الاستعراضى؟!».

 

سيد درويش
سيد درويش

 

وبعد هذه السهرة؛ عزَم «الريحانى» على إدخال عنصر الاستعراض لأول مرة فى مسرحياته، على أن يغلب عليها العنصر المصرى وليس الأفرنجى؛ فوضع مع صديقه أمين صدقى أول رواية استعراضية لهما بعنوان «حمار وحلاوة».

وبعد أن حققت «حمار وحلاوة» نجاحًا كبيرًا، وإيرادًا شهريًّا بلغ 400 جنيه؛ طلب مؤلفها أمين صدقى مناصفة نسبة «الريحانى» من الإيراد، وكان وقتها يتقاضى 60 جنيهًا شهريًّا، وعندما رفض «الريحانى»؛ قرر «صدقى» الانفصال، والانضمام لفرقة على الكسّار.

واضطر «الريحانى» البحث عن مؤلف آخر يقوم بمهمة وضع أزجال الروايات؛ فوجد ضالته فى شاب فى مقتبل العمر، هو بديع خيرى، الذى تعرّف عليه «الريحانى» بواسطة صديق قديم له بالبنك الزراعى.

وخطى بديع خيرى أولى خطواته بدعم من «الريحانى»؛ فوضع له أزجال مسرحياته الجديدة حينها مِثل أغنيتَى «الفايظجية»، و«الأعاجم». ووقّع عقدًا مع «الريحانى» براتب شهرى 16 جنيهًا، ثم إلى 30 جنيهًا بعد نجاح الرواية الأولى «على كيفك».

وبفضل هذا التطوير؛ لمع نجم مسرح «الريحانى» من جديد، وسيطر الفن الذى يُقدّمه «الكوميدى الاستعراضى» على المسرح؛ فيقول:«كان النوع الذى نخرجه قد طغى على كل ما عداه بمصر، حتى كاد الدراما والتراجيدى يندثران».

ومن الصُّدَف العجيبة أن «الريحانى»، الذى فصله جورج أبيض من فرقته بدعوَى أنه لا يفلح للتمثيل، بات متربّعًا على عرش الفن المسرحى بمصر، بينما كانت فرقة جورج أبيض تهوَى إلى القاع، إلى حد اقتناع جورج بنصائح البعض بإدخال عنصر الاستعراض لمسرحياته، ومسايرة العصر.

فيروز شاه

فى تلك الفترة؛ ظهر شاب سكندرى، أحدثت ألحانه ضجّة كبيرة فى المجتمع المصرى،وهو الشيخ سيد درويش؛ فكان الجمهور يردد ألحانه التى وضعها لرواية «فيروز شاه» على مسرح «جورج أبيض». واستطاع «الريحانى» استقطاب سيد درويش لفرقته، بعد إغرائه براتب 40 جنيهًا شهريًّا، مقابل 18 جنيهًا كان يتقاضاها بفرقة جورج أبيض.

وأعد «الريحانى» رواية «ولو»، ووضع بديع خيرى أول زجل فيها، الذى يقول مطلعها «يعوّض الله.. يهوّن الله ع السقايين، دول غلبانين متبهدلين م الكُبّانيّة، خواجاتها جُونا، دول بيرازونا فى صنعة أبونا، ما تَعبَّرونا يا خلايق».

وأُسند الزجل للشيخ سيد ليضع لحنه؛ فكاد أن يطير «الريحانى» به:«وهكذا ظل بديع يتحفنى بأزجال من النوع الممتاز؛ فيلحنها سيد تلحينًا شائقًا؛ فكنت أحس أن المتفرّج يسبح فى عالم علوى أثناء التمثيل».

موقفان أدخلا السعادة إلى قلب «الريحانى»، وكان لهما بالغ الأثر فى نفسه، الأول تمثّل فى زيارة مُعلمه الأول الشيخ على بحر له فى مسرح «الإجيبسيانة»، وكمّ الثناء والمدح الذى حظى به «الريحانى» من مُعلّم لتلميذه.

والموقف الثانى كان اعتراف والدة «الريحانى» أخيرًا بموهبته فى التمثيل، وهى التى طردته من المنزل يومًا ما بسبب ولعه به، وكافحت بكل ما أوتيت من قوة لكى يهجر هوايته. 

يذكر «الريحانى» أن والدته ذات مرة استقلت عربة مترو عائدة إلى منزلها بمصر الجديدة؛ فسمعت بعض الرُّكّاب يمدحون فى موهبة نجلها؛ فتحرّكت غريزة الأمومة لديها، واتجهت إليهم، قائلة بأعلى صوت:«الرجل اللى بتتكلموا عنه ده يبقى ابنى».

ويقول «الريحانى»:«فى هذا اليوم الذى لا أنساه، تفضّلتْ والدتى وشرّفتنى بالحضور بتياتروالإجيبسيانة؛ لمشاهدة ابنها الذى يُقدّره الناس دونها، ويمتدحونه؛ فكان هذا اليوم من أسعد أيام حياتى».