الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مدينة الدواء.. قلعة جديدة  تستعيد عرش تأمـــين الـعلاج للمصريين

«مدينة الدواء» مشروع قومى تتخذ مصر من خلاله خطوات فعلية لتأمين وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء، واستعادة  ريادتها فى صناعة الدواء عربيّا  وإفريقيّا  وعالميّا، وبافتتاح الرئيس «عبدالفتاح السيسى» مدينة الدواء؛ تحقق حلم مصرى طال انتظاره؛ وهو ضبط سوق الدواء ومواجهة نقص الأدوية، وذلك  وفق أحدث خطوط إنتاج صناعة الدواء  الحديثة وبأعلى معايير الجودة، وفق  فلسفة  جديدة للدولة.



وكانت توجيهات الرئيس «عبدالفتاح السيسى»،  واضحة وجليّة للجميع، بضرورة تصنيع المواد الخام بدلًا من استيرادها؛ لأن ذلك سيعمل على توفير الأدوية بأسعار فى متناول جميع شرائح المجتمع، وهو ما سيتم تنفيذه  بتصنيع مشتقات البلازما لما يحتاجه من تكنولوجيا متقدمة، وعمليات تصنيع معقدة ومنظومة شديدة الإحكام والجودة، ستحققه مدينة الدواء  أيضًا؛  ليكون جاهزًا فى غضون عامين فقط، بعد التوجيه الرئاسى للحكومة بتذليل كل العقبات أمام الشركة المنفذة، وتقديم كل التسهيلات.

 المدينة الأكبر

أقيمت مدينة الدواء على مساحة 182 ألف متر على مرحلتين، الأولى على مساحة 120 ألف متر، تضم مصانع إنتاج الأدوية العقيمة على 33 ألف متر، بواقع 20 خط إنتاج، ومخازن آمنة على مساحة 7 آلاف متر، والمرحلة الثانية تقام على مساحة 60 ألف متر، وتخصص لمصانع إنتاج أدوية الأورام والهرمونات.

وبدأت فكرة مشروع «مدينة الدواء» قبل 7 سنوات؛ بهدف توطين صناعة الدواء فى مصر، وإنتاج الأدوية طبقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية  لتكون صمام أمان للأجيال المقبلة لتوفير احتياجاتهم، وصممت لتكون الأكبر فى المنطقة، والأحدث للنظم التكنولوجية المتطورة على مستوى العالم فى مجال الدواء، التى لا تعتمد على التدخل البشرى؛ حيث يقتصر دور العامل البشرى على إعطاء المعلومات للماكينات فقط للوصول لأعلى درجات الجودة فى الإنتاج.  

وتعمل المدينة وفق خطة علمية  لتغطية الأسواق بالأدوية المصرية والعربية والإفريقية؛ خصوصًا أدوية الأمراض المزمنة والمنتشرة فى السنوات الأخيرة، ويحتاجها عشرات الملايين من المصريين، إضافة إلى أمراض السرطان التى تحتاج إلى أعلى تقنيات فى الصناعة، وتأتى آخر المراحل وهى خاصة بتصنيع المواد الخام.

   150 مليون عبوة سنويّا

وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمدينة 150 مليون عبوة سنويّا، وتتضمن خطوط إنتاج للمحاليل الوريدية، والأمبولات، وقطرات العين والأذن، وأدوية البنج، وتشارك المدينة فى الأدوية التى تستخدم فى بروتوكولات علاج كورونا وستُطرح منتجاتها فى الأسواق عقب انتهاء اختباراتها.

وتضم المدينة مركزًا إقليميّا لتصنيع الدواء، بالتعاون مع شركات أجنبية؛ تمهيدًا للتصدير إلى الدول الإفريقية والعربية والأجنبية، إضافة لمعامل البحث والتطوير والجودة، وتوصف المدينة بأنها ذكية يستمر إنتاجها دون توقف، بدرجات حماية وحفاظ كاملة على البيئة من أى نواتج أو انبعاثات كيميائية قد تضر بها.

وتعمل المؤسّسات المعنية على استكمال مشروع تصنيع مشتقات البلازما ليبدأ العمل خلال عامين، فسوف تتضمن خطوط إنتاج المدينة أدوية الأورام بنسبة 100% من المتطلبات، باستعداد وفق توجيهات الرئيس «السيسى» لكل المتطلبات والإجراءات اللازمة، لمنتج جدير باسم مصر بداية من علبة الدواء حتى المستحضر النهائى، مع تميز وتأمين عبوة الدواء نفسها، بالتعاون مع مركز الوثائق المؤمنة؛ لاستحداث علامة خاصة بالمدينة الجديدة لا يمكن العبث بها.

 الاكتفاء الذاتى

أكد الدكتور محمود ياسين، المتحدث الرسمى باسم هيئة الدواء المصرية، أن مصر، تتجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء، وفتح آفاق الاستثمار، وأسواق التصدير الخارجية فى هذا القطاع الحيوى،  بالإضافة لخفض فاتورة الاستيراد، وجذب الاستثمارات الأجنبية فى هذا القطاع الحيوى بما يسهم فى دعم الاقتصاد المحلى.

ولفت إلى أن الهيئة تعقد اجتماعات متتالية، بأعضاء شعبة المستلزمات والأجهزة الطبية بغرفة الصناعة، وممثلى كبرى شركات التصنيع الدوائى فى مصر؛ لبحث سبل تطوير الصناعات، وتذليل أى عقبات تواجه التوسع فى الاستثمار فى هذه القطاعات، وذلك بما يدعم تحوُّل مصر لمركز رائد فى مجال التصنيع والتصدير بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

مشددًا على أنه بات الاكتفاء الذاتى من صناعة الدواء والأجهزة والمستلزمات، أمرًا حتميّا يمس الأمن القومى الصحى للبلاد، لهذا تتخذ هيئة الدواء المصرية كل التدابير اللازمة لتيسير عملية التصدير، وسرعة تداول المستلزمات والأجهزة الطبية، وكذلك المستحضرات الدوائية، فى السوق المحلية لخفض فاتورة الاستيراد.

وقال «ياسين»: بدأت صناعة الدواء فى المنطقة  العربية، من خلال أول مصنع مصرى عام 1934، وبدأ العمل به عام 1939، من خلال شركة مصر للمستحضرات الطبية، التى أنشأها الاقتصادى طلعت حرب، ثم تم تأميمه بعد ذلك والتوسع فى ضم الشركات له ليوفر 92% من احتياجات السوق المحلية للدواء.

 أدوية «إنقاذ الحياة» 

 قال الدكتور محمد البهى عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، إن مصر أول من استحدثت فى الستينيات «مؤسسة الأدوية»، وكانت تختص بابتكار أدوية مصرية من مصادر طبيعية، ثم استدعت سياسة الانفتاح الاقتصادى فى السبعينيات وما بعدها، دخول القطاع الخاص بقوة، لينشئ 160 مصنعًا، وأصبحت المؤسّسة الحكومية المشار إليها تحمل اسم «هيئة الرقابة والبحوث الدوائية»، ومهمتها كانت مراقبة جودة الدواء المصرى، وإجراء البحوث العلمية على الأدوية والمنتجات الصيدلانية، والموافقة على ملفات الدواء، وحفظ حقوق الملكية الفكرية، ومواجهة التكتلات العالمية، والاستحواذ على السوق الإفريقيّة ومنافسة دول العالم المتقدم.

وأشار «البهى» إلى أن أهمية المدينة الجديدة للدواء فى ظل المنافسة العالمية على التوسع فى اقتصاديات الشركات عالميّا، فى وقت تتضاعف فيه أسعار الأدوية الجديدة؛ لارتباطها بتكاليف البحث العلمى، وهو ما ستوفره المدينة الدوائية الجديدة، والتى ستنتج أدوية «إنقاذ الحياة» من مشتقات الدم وأدوية الأورام والأمراض المزمنة، والتى تحوز 20 % من استهلاك السوق المحلية للدواء، ويتم استيرادها من الخارج، بينما يتم إنتاج 80 % من الاستهلاك المحلى ، فى ظل الحاجة الشديدة لسد الفجوة بتوفير الأدوية الأساسية للأمراض المزمنة والمستعصية، وبأقل التكاليف، وتوفير مليارات الدولارات من استيرادها؛ حيث تهدف المدينة الدوائية لتوفير احتياجات سوق الدواء فى مصر التى تبلغ 130 مليار جنيه سنويّا، بنسبة 100 %.

 زراعة النباتات الطبية

ولفت البهى،  إلى أنه سيتم سد العجز فى الخامات الدوائية، من خلال زراعة النباتات الطبية والعطرية، ومنافسة كبرى الدول الصناعية؛ حيث إن توفير المواد الخام يساعد فى تخفيض سعر الدواء؛ خصوصًا فى الأدوية التى تنتجها مصر وتعرف بالمثائل، والتى كانت تنتج فى الخارج بموجب حقوق الملكية الفكرية، وتكمن أهميتها فى رخص سعرها، وتعرف بـ «الشعبية»، على خلاف الأدوية المستوردة التى تباع بأسعار مضاعفة.

واستطرد البهى، إن مدينة الدواء الجديدة ستعيد لمصر قوتها فى صناعة الدواء مجددًا؛ حيث كانت تصدر للمنطقة العربية وجزء من إفريقيا والاتحاد السوفييتى.

وأضاف: إن من التحديات التى كانت تواجه تصدير الدواء المصرى بواقع 260 مليون وحدة دوائية سنويّا، هى بعض البروتوكولات التى تنص على تصديره بنفس سعره فى بلد المنشأ، وهو متدن للغاية، ولذلك فإن العائد منخفض، رغم امتلاك الصناعة الوطنية 160 مصنعًا، ولكن مدينة الدواء سوف تضبط المعادلة وتزيل المعوقات السابقة، وترتكز إلى أحدث الأساليب التكنولوجية، والهندسة الوراثية، وهنا تتجلى الرؤية الحكيمة للقيادة السياسية لسد النقص الدوائى.

فيما أكد محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، أن مدينة الدواء، هى مشروع يهدف إلى تجميع الصناعات الدوائية فى مصر؛ خصوصًا بعد سَنّ الدولة عددًا من التشريعات خلال الأعوام الأخيرة، وأهمها التجارب السريرية، والهيئة العليا للدواء، والتأمين الصحى، مما يهيئ البيئة الخصبة للمشروع.

حيث يمكّن هذا الكيان الضخم الجديد من إحداث طفرة لسد النقص الدوائى، وتذليل العقبات التى تواجه هذا القطاع السنوات الأخيرة، ومنها التلوث البيئى، والتمويل؛ حيث ستتم من خلال شراكة حكومية مع القطاع الخاص فى صناعة الدواء؛ وبخاصة الحيوية، والتى بها نقص، مثل مشتقات الدم؛ حيث تكلف تلك الأدوية الدولة 7 مليارات دولار سنويّا لتوفيرها.

وقال مدير مركز الحق فى الدواء، إن حجم الصادرات المصرية الدوائية الحالية لا يتعدى 340 مليون دولار، ولكن المدينة الدوائية ستعمل على تشجيع التصدير والمنافسة العالمية، وكذا توطين صناعة الدواء فى مصر، وجذب الاستثمارات، وتعزيز فرص العمل، وتأمين توافر الدواء للمريض المصرى.

وأشاد بخطة الدولة، التى تستهدف تأمين بعض أنواع الأدوية شديدة الحيوية خلال 3 سنوات، ومنها مشتقات الدم وأدوية الأورام، إضافة إلى المواد الخام التى تستورد مصر 95 % منها؛ حيث ستوفرها المدينة بنسبة 50 % ثم تزداد تدريجيّا حتى الاكتفاء الذاتى الكامل منها.