الإثنين 21 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فوضى ألقاب.. أم مهن مستحدثة؟!

فوضى ألقاب.. أم مهن مستحدثة؟!
فوضى ألقاب.. أم مهن مستحدثة؟!


 
كثيرا ما نسمع عن انتحال الشخصيات والجرائم التى ترتكب من ورائها.. لكن انتحال الصفات والألقاب هذا هو الجديد!!.. فهذه الجريمة لم نجزم بأنها كانت موجودة من قبل.. لكن بعد ثورة 25 يناير أصبحت هذه الألقاب منتشرة بشكل ملحوظ فى المجتمع.. فنجد من يقول عن نفسه خبير أو مستشار أو حتى ناشط وهو فى الأصل لم تكن لديه خبرة أو حتى المؤهل الذى يؤهله لهذه الدرجة العلمية أو حتى هذه الدرجة الوظيفية التى تجعله ينتحل هذا اللقب .. لكنه ينسبها لنفسه إما بحثا عن مكانة اجتماعية لم يستطع الوصول إليها أو أن المجتمع لقّبه بها كنوع من أنواع المجاملة..
 
والذى ساعدها على الانتشار هو الشاشات الفضائية التى سمحت لهم بالظهور.. وأعطت لهم الفرصة فى خداع الشعب والانجراف وراء آرائهم وأفكارهم دون التأكد من هويتهم.. وخير مثال على ذلك «الدكتور حساسين» الذى ذاع صيته فى الشرق الأوسط بوصفاته الطبية السحرية التى لا تمت للطب بصلة.. بل كانت أشبه بوصفات «الراحة الابدية»!!.. تم القبض عليه لانتحاله لقب الطبيب وغيره من المنتحلين الذين خرجوا علينا بـ«طلتهم البهية» وآرائهم التدميرية التى انساق إليها الكثير من الناس.. وبما أن الشعب المصرى شعب عاشق للألقاب.. فإن فوضى الألقاب ستظل معنا إلى الأبد حتى يكون هناك قانون يقوم بتجريمها.. وهذا ما جعلنا نلقى الضوء على هذه المشكلة.. فى البداية تحدثت مع بعض الأشخاص الذين سببت لهم هذه الفوضى مشاكل.
 
∎ عقدة الخواجة
 
محمد عادل - محاسب 36 سنة: هذه الألقاب أصبحنا نعانى منها بالفعل سواء دكتورا أو خبيرا أو مستشارا وبالأخص كلمة ناشط سياسى.. فقد أصبح هذا اللقب منتشرا كثيرا فى البلد خاصة بعد الثورة.. لدرجة أن كل من كان ينزل الميدان يطلق عليه هذا اللقب.. وهذا غير طبيعى بالمرة.. فقد انخدعت فى الكثير من الشباب الذين انتحلوا هذا اللقب دون ممارسته عمليا والقنوات الفضائية أصبحت مليئة بهؤلاء الذين يصدورن لنا معلومات خداعية خاطئة تجعلنا فى حيرة وبعدها نجد أنهم تم القبض عليهم بسبب كذبهم.. ويضيف محمد قائلا: وللإعلام دور كبير فى هذه الفوضى لأنه أعطاهم بطاقة الظهور على الشاشات.. وبالتالى فهؤلاء ينتهزون هذه الفرصة من أجل الظهور وإحداث بلبلة.. فعلى الناس ألا تنجرف وراء كل من يظهر على الفضائيات إلا بعد التأكد من هويته العلمية حتى لا يحدث لها تشوش فى الأفكار.. وهذا ما أفعله الآن.
 
∎ الصيت ولا الغنى
 
سلوى موسى - مهندسة 42 سنة- تقول: من أغرب المواقف التى حدثت معى.. كانت لى صديقه تعرفت عليها من فتره قريبة فى النادى.. ومع عدة لقاءات عرفت أن زوجها دكتور عظام وعندما كان يجلس معنا كان كل من يحيط بنا ينادى عليه بلقب «الدكتور».. وفى يوم أصيب صديق ابنى أثناء التدريب «كرة القدم» بكسر فى قدم الرجل ووقتها استعانوا بزوجها.. كان يظهر عليه التوتر الشديد وأمسك قدم الطفل بطريقة قوية وظل يحركها فى كل الاتجاهات وكان صراخ الطفل يزداد معها، قالت صديقتى: «هو ليس دكتور بمعنى الكلمة هو خريج تربية رياضية ودرس داخل الكلية بعض الإسعافات الطبية.. فهو لديه خلفية طبية»!.. فقلت لها: «إذن هو ليس طبيبا لِمَ يطلق على نفسه هذا اللقب».. قالت: «هو حد هيشوف بطاقته، الصيت ولا الغنى».
 
وتضيف سلوى قائلة: يجب أن يكون هناك قانون يجرم كل من يقوم بانتحال الألقاب حتى تفكر الناس وتراجع نفسها مائة مرة قبل أن تنتحل لقبا وتقوم بترويجه بين الناس.
 
∎ انعدم الضمير..
 
منى عبد الرحيم - 28 سنة- تقول: كثير من الناس أصابهم الضرر بسبب ثقتهم فى الدكاترة الذين يظهرون على الفضائيات والأخذ بالتعليمات - الطبية المضروبة - التى يقولونها.. وأيضا المحللون الذين ليست لهم أى علاقة بالتحليل السياسى ظهروا فجأة بعد الثورة «فأين كانوا هؤلاء قبلها»!.. فقد استغل هؤلاء ظروف البلد وانشغال السلطات بتطهيرها من الإرهاب.. ليظهروا بألقابهم المنتحلة ونسوا أن هناك شعبا يسمعهم ويراهم ويأخذ بكلامهم على محمل الجد ويقوم بتنفيذه.. وبالتالى أصبحت لا أثق فى أحد سواء مستشارا أو طبيبا أو محللا أو خبيرا إلا بعد التأكد من صحة اللقب.
 
∎ نفاق اجتماعى
 
يقول الأستاذ صلاح عيسى- المؤرخ والكاتب الصحفى: يوجد نوع من المجاملات الاجتماعية والنفاق الاجتماعى كان سائدا فى مصر منذ زمن طويل .. وذلك متمثل فى استخدام الألقاب التى كانت موجودة قبل الثورة مثل «باشا وبيه».. هذه الألقاب كانت تستخدم.. وفى بداية الستينيات والسبعينيات أى بعد سياسة الانفتاح عادت هذه الألقاب مرة أخرى.. وبدأت تطلق على ضباط الشرطة وضباط الجيش والقادة الإداريين فى الأماكن البيروقراطية.. ثم انتشر لقب الحاج على كل رجل كبير فى السن ولقب دكتور على كل شخص متعلم أو خريج جامعة.. وبعدها بدأت هذه الشخصيات تنتحل هذه الألقاب لنفسها كنوع من أنواع الخداع الاجتماعى.. فمثلا من يقول إنه مستشار وفى النهاية نعلم أنه مستشار تحرير إحدى الصحف أو مستشار فنى فى إحدى المؤسسات، فى حين أن اللقب يفترض أنه لقب فى درجة السلك القضائى يطلق على مستوى معين من الناس!.. فالألقاب استخدمت لتجمع بين المجاملة الاجتماعية والنفاق الاجتماعى.. وبالتالى شاع استخدامها فى المجتمع المصرى.. رغم أن القانون يعاقب على انتحال الصفة.. فعندما ينتحل الإنسان لنفسه صفة غير صفته.. تعتبر هذه جريمة ويجب أن تؤخذ فى قانون العقوبات.. ومثل هذه الأمور لا يأخذها المصريون على محمل الجد .. بل يأخذونها باعتبارها نوعا من المجاملة الاجتماعية.. وأحيانا تختلط الأمور.. فهذه مسألة اجتماعية من الممكن أن تتصدى لها الناس والإعلام وعلى المواطنين العاديين ألا يتأثروا بها.
 
∎ الفئات الرثة
 
بينما الدكتورة هدى ذكريا - أستاذ علم الاجتماع السياسى بكلية الآداب جامعة الزقازيق - تقول: إن ظهور الألقاب لم يكن مرتبطا بثورة 25 يناير.. لأن فوضى الألقاب متواجدة فى المجتمع المصرى من زمان.. فهذه الفوضى نجمت عن صعود أشخاص امتلكوا الثروة، لكنهم لم يمتلكوا المكانة الاجتماعية .. ولأن الألقاب مرتبطة بالمكانة الاجتماعية.. فقد استخدمت ألقاب كثيرة وأطلقت على أشخاص لم تكن لديهم مكانة اجتماعية .. فالأستاذ مرتبط بمكانة معينة وأيضا الدكتور.. فإن نتيجة الصعود المفاجئ لفئة اجتماعية تسمى «بالفئات الرثة» صعدوا اجتماعيًا نتيجة أن بعضهم تاجر فى المخدرات وفى الأنشطة الممنوعة.. وبالتالى يقال عن هذه الأنشطة نشاط رث بمعنى نشاط اقتصادى وليس إنتاجيا.. أى نشاط يستهدف الحصول على مال عن طريق الجريمة.. ويكون هؤلاء الناس بلا تعليم وبلا ثقافة.. وبالتالى تعطيهم الناس ألقابا مثل لقب «رجل الأعمال»، وهو مجرد تاجر.. ففوضى الألقاب نعانى منها منذ زمن طويل، وهذا أيضا بالإضافة إلى الفوضى الأخرى وهى فوضى الألقاب الدينية المرتبطة بالتدين.. والتى تطلق على الرجل أو المرأة فى الوظائف الحكومية.. مثل الحاج والحاجة حتى لو كانت هذه الحاجة مديرا عاما!.. كل واحد من هؤلاء الناس يحاول جاهدا أن يثبت مكانته الاجتماعية.. فإذا كان لديه مال يجعل له مكانة وإذا لم يكن لديه اسم محدد يطلق عليه اسم «ناشط سياسى».. وهذه أطلقت على كل من نزل الميدان!.. رغم أن كلمة ناشط سياسى مرتبطة بدور اجتماعى وسياسى يلعبه الشخص.. لكن موجات الثورة لم تنحسر بعد.. فكل واحد يحاول يأخذ منها الجانب الذى يرفع من شأنه.. وهذا ما نعيشه الآن.
 
∎ انتحال صفة
 
أما الدكتور علاء عبد المنعم - عضو جبهة الإنقاذ الوطنى وحقوقى - فيقول: إن فوضى الألقاب قائمة من قبل الثورة.. والثورة لا علاقة لها بهذه الفوضى فى الألقاب.. الناس الذين ينتحلون هذه الصفات سواء صفة دكتور وهو ليس له علاقة بالدكتوراه أو صفة خبير استراتيجى.. هل توجد كلية فى مصر تخرج هذه الصفة أو حتى خبير أمنى أو ناشط سياسى؟!.. لا يوجد!.. فكلمة ناشط سياسى انتشرت كثيرا بعد الثورة.. بل وصل وضعها على الكارت الخاص بالشخص وهذا ما رأيته بنفسى.. فإن هذه الصفة لم تكن مهنة كى يضعها فى الكارت الخاص به.. لكنه يريد أن يخلق لنفسه لقبا تستطيع الناس أن تلقبه به.. فهؤلاء الناس من داخلهم لديهم نوع من أنواع النقص فى القيمة.. وبالتالى يحاولون أن يذيبوا هذه القيمة من خلال أن يضيفوا إلى أنفسهم ألقابا ليست لهم علاقة بها.. وللأسف يوجد سياسيون متواجدون فى البلد يضعون لأنفسهم ألقابا هم لا يستحقونها.. مثل من يطلق على نفسه «خبير دستورى» وهو يكون أستاذ تاريخ قانون!!.. ولذلك لم نستطع أن نحجم هذه المسألة بقانون أو حتى بقرارات.. فإذا كان هذا اللقب أو هذه الصفة تشكل نوعا من أنواع الضرر المجتمعى أو الضرر الإنسانى فيجب أن تواجه.. مثل من يدعى الفتوى وهو لا علاقة له بالشيخ أو حتى المشيخة.. فكلامه يعتبر مضرا للصالح العام ومضرا للمجتمع، وبالتالى يجب أن يمنع بنص قانونى.. فيوجد قانون يجرم انتحال صفة الموظف العام والصفة العسكرية.. لكن الذين ينتحلون صفات غير صفتهم ويلقبون أنفسهم بألقاب غير ألقابهم لا يوجد لهم قانون!.. وبالتالى مادامت هذه الصفة أو هذا اللقب لم يشكل ضررا على المجتمع من الصعب تجريمه!.. لأن المبدأ الدستورى يقول لا جريمة ولا عقوبة إلا على من يتعدى على القانون.