الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كــرامـــات «ســـلطان الإســــكنــدرية»

المرسى أبوالعباس أهم وأشهَر معالم الإسكندرية، فمسجده يقصده آلاف الزوار من مختلف محافظات مصر؛ بل إن شهرته ممتدة فى الدول العربية فيقصده السائحون العرب فى الإسكندرية.



«مدد يا مرسى يا أبوالعباس» جملة شهيرة يرددها المصريون، وتَغَنّى بسيرته الشعراء والمطربون ويعتقد الكثيرون أنه من المشهود لهم بالولاية والكرامات، خاصة أنه كان معروفًا بالزهد والصلاح والعلم، وحدة الذهن، وقوة الفطنة، وسرعة الخاطر، واستنارة البصيرة، وحُسن الطباع.

 

اسمه شهاب الدين أبوالعباس أحمد بن حسن بن على الخزرجى الأنصارى المرسى، وُلد فى «مرسيه» بالأندلس عام 1219 ميلاديًا، فلُقب بـ«المرسى».

صحبه والده مع أخيه وأمه إلى الحج، وعندما قاربوا الشاطئ التونسى هبت عاصفة أغرقت السفينة؛ ولكن عناية الله أنقذته وأخاه، وأقاما فى تونس وعمل أخوه بالتجارة واتجه هو إلى تعليم الخط والحساب والقراءة وحفظ القرآن الكريم.

وتصادف وجود أستاذه الشيخ أبوالحسن الشاذلى، مؤسِّس الطريقة الشاذلية على مقربة منه، وكان قد سمع عنه فتعرّف عليه، وجاء معه إلى الإسكندرية؛ لينشر العلم ويهذّب النفوس حتى ضُرب المثل بورعه وتقواه، وأُطلق عليه لقب «سلطان الإسكندرية».

غمره «الشاذلية» بعنايته وأخذ يعده ليكون خليفة له، وزوَّده بعلوم عصره كالفقه والتفسير والحديث والمنطق والفلسفة، وزوَّجه ابنته وأنجبا محمد وأحمد وبهجة.

وبعد وفاته تولى أبوالعباس مشيخة الطريقة الشاذلىة، وعمره أربعون عامًا وظلَّ يحمل لواء العلم والتصوف حتى وفاته.

وتوفى فى 685هـ. (1287م)، بعد أن عاش بالإسكندرية 43 عامًا ودفن فى جبانة الأولياء، وبنى على مقبرته، بناء يتميز عن باقى القبور حتى أصبح مزارًا، وصار مسجدًا صغيرًا، وأُعيد بناؤه وترميمه وتوسعته حتى أصبح مسجد أبو العباس المرسى فى شكله الحالى.

أشهَر كرامة

ومن أشهَر كراماته التى يرددها مريدوه  أن فوجئ أصحابه به فى أحد أيام الصيف الحارّة يصنع لهم عصيدة (دقيقٌ يُضاف إليه الماءُ ويُحرَّك على نارٍ هادئة حتَّى يغْلُظَ قوامُه فَيُصَبُّ عليه السَّمنُ واللَّبنُ المُحَلَّى بالعَسَلِ أو السُّكَّر ) فقالوا: يا أبا العباس إنها من طعام الشتاء نظرًا لدسامتها وسخونتها؛ فقال لهم: والله هى من أجل الاحتفاء بأحد تلاميذى الذى وُلد اليوم بالحبشة.. ومرت الأعوام وجاء سيدى ياقوت، وتعرّف عليه الشيخ وأخبر تلاميذه، فسألوا ياقوت عن عمره ويوم مولده وحسبوه؛ فوجدوه موافقًا ليوم العصيدة، وصار من أنجب تلاميذ المرسى وتزوج من ابنته «بهجة».

ويقول رواد أبوالعباس إن من كراماته ومواقفه؛ كان يجلس أمام البحر وسط أصحابه فشاهدوا يهوديًا يأتى إليه ماشيًا على الماء فسألوه: ماذا يفعل هذا الرجل؟ فدعاه المرسى أن يأتى إليه فحضر وهمس فى أذنه قائلًا: أما آن الأوان لك أن تسلم؟.. فتركه اليهودى ورحل.

وظل الحال هكذا عدة أيام حتى جاء اليهودى وهَمَّ بالمشى على الماء فسقط وكاد يغرق؛ فأتى به «المرسى» أمام تلاميذه وسأله عمّا حدث له، فقال له: لقد كان لى شيطان أستمع لحديثه وأنفذ أوامره، وعندما خلوت إلى نفسى وحدثتها بما أفعل من أخطاء وسألتها عن الصواب وبحثت عنه انصرف عنّى ولم يعد يحملنى على الماء والهواء.

ومن الكرامات المنسوبة للشيخ أيضًا أن السلطان يعقوب أمر بذبح دجاجة وخنق أخرى وطبخهما وقدمهما إليه وجلس معه ليأكل، فلمّا نظر الشيخ إليهما أمر الخادم برفع المخنوقة وقال: هذه جيفة، ولولا نجست الأخرى بالمرق النجس لأكلت منها. 

كما قدّم إليه رجل طعامًا فيه شبهة يمتحنه، فردّه، ودعاه رجل إلى وليمة بعد صلاة الجمعة؛ فأجابه، وجاءه أربعة كل منهم يطلبه لوليمته فى ذلك الوقت فأجاب الجميع، ثم صلى وجلس بين الفقراء ولم يذهب لأحد منهم، وإذا بكل من الخمسة جاءه يشكره على حضوره عنده.

وكذلك يحكى أن رجلاً قال لابنه وهو يلعب مع الصبيان: اطلع لا أطلعك لله؛ فقال له: يا أبا الحسن حسّن خلقك فقد بقى من عمرك عام، فمات عند تمامه. وسافر إلى قوص ومعه خمسة أعيان، وقال: مسافر لأدفن هؤلاء؛ فدفنهم. وقدم أشمون على أبى عبدالله الحكيم؛ فضمه لصدره وقال: جئتك مودعًا، إنى إذا رجعت إلى الإسكندرية أبيت ليلة ثم أدخل قبرى، فكان ذلك.

وخاف أهلها هجوم العدو؛ فقال الشيخ: ما دمت بين أظهركم لا يدخلها، فلم يدخلها إلا بعد موته. 

طاقية الشيخ

كما تردد أن امرأة أشرفت على الموت أثناء الولادة، فوضع على بطنها طاقية الشيخ فوضعت حالاً، ولبسها إنسان به حكة فذهبت لوقتها، وأنه كانت لديه القدرة على معرفة ما يدور بخاطر الجالسين؛ فيخبرهم به، وقد دخل عليه شخص وهو يقرر العلم، ورأى نفسه أكثر علمًا من الشيخ، فصاح فيه: اخرج يا ممقوت، وكان يحفظ القرآن وثمانية عشر علمًا؛ فنسيها وصار يدور بأزقة البلد، وظل مسلوبًا حتى مات، وقال أبو العباس: رددنا عليه الفاتحة والمعوذتين ليصلى بها.

وقال عن نفسه: «وبالله لا إله إلا هو ما من ولى لله كان إلا وقد أطلعنى الله عليه وعلى اسمه ونسبه وكم حظه من الله».

وذكر الشيخ الأصفهانى أنه خرج فى طلب القطب، فخرج عليه قُطّاع الطرُق وقيدوه وأرادوا قتله، فظهر له رجل من الجو، وحل قيوده؛ فإذا به «المرسى»، وأخبره عن نهر كان خاضه عند قدومه وكاد يغرق.

وحظى المرسى من كل فن بنصيب وافر وأتقن علومًا كثيرة؛ فكان فقيهًا وأديبًا وعالمًا بأمور الحياة، وكان يقول لأصحابه: لى أربعون سنة ما حجبت عن الرسول «ص»، ولو حجبت عنه طرفة عين ما عددت نفسى من المسلمين.