الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«رمضان» وأقباط «المحروسة»

«رمضان» وأقباط «المحروسة»

«كل سنة وأنت طيب»...، ارتسمت كلمات عزة، مديرة مكتبي، على شاشة هاتفى المحمول، وبعد تلك الكلمات، إعلان من «أميجوس» للمنتجات الغذائية فى الأديرة القبطية، التى تحّضر كل سنة «شُنَطَ رمضان»، التى تحوى مواداً غذائية، وهى باتت متوفرة فى إحدى كنائس «مدينة نصر».



وعزة، التى صرفت سنوات تتدبر، بأناة، شئون وشجون المكتب، تعرف أننى اعتدت، متى هَلَّ الشهر الفضيل، المشاركة بشَنطَةِ رمضان، أوزعها على المعوزين والمحتاجين .

و«رمضان»، ليس صياماً وتعبُّدا وحسب، إنما عادات وتقاليد تجَذّرت، على كرّات السنين، فى وجدان وادى النيل، وشكّلت وحدة حياتية ومجتمعية متكاملة. لذلك، يعتبر الأقباط أن «رمضان»، هو شهر «مصرى»، هو فرصة لتجديد المشاركة فى الوطن الواحد.

فى «دمياط»، مثالاً، يحرص أقباطها على توزيع «فوانيس رمضان»على أطفال المسلمين، مشاركة منهم فى الاحتفال بالشهر الفضيل، و«فانوس» كلمة يونانية تعنى «مصباح»، لذلك تتردد الكلمة فى الأدبيات والطقوس القبطية. 

وتنادى عدد من شباب الأقباط، فأسسوا «حركة يلا نِفَطّر صايم» لمساعدة الصائمين الذين تأخروا فى الوصول إلى منازلهم،  مع «مدفع» الإفطار بسبب من الزحام، أو تأخرهم فى إنجاز أعمالهم.

ومن الأقباط، من وجد سبيلاً للمشاركة فى  حملات «شنطة  رمضان»،  وتوزيعها على من يحتاجها، وبعضهم يُساعد الكنائس بإقامة «موائد الرحمن»، وتجهيز الأطعمة، متى أزف موعد الإفطار.  

لقد تعودت، منذ بداية حياتى العملية فى «مؤسسة روزاليوسف»، على  مشاركة زملائى فى الصيام ، وهذه العادة لازمتنى  فى غربتى الأولى فى لبنان، والثانية فى المملكة المتحدة البريطانية، واستمرت بعد عودتى إلى مصر، وأذكر جيداً أن زملائى: لويس جريس، عدلى فهيم، مفيد فوزي، رؤوف توفيق، إيهاب، رؤوف عياد، ناجى كامل، وتاد، وغيرهم.. لا يأكلون، أو يشربون، أو يدخنون السجائر، أمام الصائمين من زملائهم.

على روزنامة هذه السنة، يتوافق صيام الأقباط الكبير، مع صيام رمضان، فيتجدد العيش المشترك، وتتجوهر المحبة، وتشتد الألفة رسوخاً.

وهذه السنة، البلاد «مزقططة»، حتى لو فيها «مليون هَمْ»، فأنت إن مررت فى شوارع «المحروسة»، ستجد من لا يعرفك ولا يعرف مذهبك «بيحلف» ويصر أن تفطر معه.

 وفى المطارح الشعبية، بناسها البسطاء، الطيبين، ستجد الأطفال يلعبون «بفانوس رمضان»، ولا تستطيع أن تفرق بين المسلم منهم والمسيحى.

وما أحلاها، «لّمَّة» الجيران، مسلمين وأقباطا حول «صنية الكنافة بالمانجو»، والسهر الأنيس حول أجهزة التليفزيون لمتابعة المسلسلات،.. وشرط السحر،  والسمر، النقاشات التى تعقب المسلسلات، فيبدأ الكلام يأخذ مداه فى النقد، حيناً، والاستحسان أحياناً.

هذه هى مصر، التى كانت، وما تزال، شراكة عيش وحياة، و محبة، وغيرة على الوطن.

وستظل مصر هكذا، وحُصرُمٌ فى عيون المتعصبين.