الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ميزانيــة رمضـــان خربانــة!!

تصارع على الشراء من السوبر ماركت
تصارع على الشراء من السوبر ماركت

مع حلول شهر رمضان، بدأ موسم شراهة الشراء، والإسراف والتبذير فى كل السلع الاستهلاكية .. فمعه  ترفع  الأسر المصرية حالة الاستعداد القصوى، لاستقباله.. معلنين حالة الطوارئ بغزو المحلات والسوبر ماركت لشراء المستلزمات الرمضانية وأغلبها مبالغ  كثيرًا  فيها.. فمعظمها ليست سلعًا أساسية.. بل وتتسبب فى خراب الميزانية.. فرغم مشقة الشراء وتكبد متاعب الحمولات من كراتين الزيت والسكر والسمنة واللحوم الحمراء والبيضاء؛ فإن  هذا لن يمنعهم من ممارسة تلك العادة الشرائية الهيستيرية التى تجعل «ميزانية رمضان خربانة»..



فالكثير من الأسر يقعون فريسة للإغراءات التى تقدمها المراكز التجارية والجمعيات الاستهلاكية، من عروض تلتهم ميزانيتهم وعلى رأسها «ياميش رمضان والمكسرات»، فحدث ولا حرج، فأسعارهما دائما أشبه «ببندول الساعة»، إلا من رحم ربى واستطاع أن يشترى جزءًا منهما بشكل مقنن، ليتغلب على ذلك الهوس الذى يطارده دائما فى الإسراف، حتى لا يشعر بأنه تخلى عن  طقس من طقوس رمضان التى اعتاد دائما على شرائها حتى لو كلفه هذا أن يصرف كل ما فى الجيب.. بعدما أصبح الشراء من الكماليات التى يمكن الاستغناء عنها..

 

أمام مكسرات رمضان
أمام مكسرات رمضان

 

فيرى الدكتور محمد محمود حمودة «أستاذ استشارى الطب النفسى بجامعة الأزهر»، أن هذه عادة عند المصريين منذ آلاف السنين، توارثناها عن أجدادنا وآبائنا.. بأن شهر رمضان يجب أن يكون ممتلئًا بجميع أصناف المأكولات والحلويات والمشروبات.. فالكثير من العائلات يلجأون «للسلف» من أجل شراء منتجات رمضان وهم يرون أنها ليست عادة خاطئة أو سيئة؛ بل طقس أساسى من طقوس الفرحة بمجيء رمضان.. وبالتالى لن يقل هذا البذخ الشرائى، لأنها عادة متأصلة ولن تتغير ولو بعد حين.. مثل كعك العيد، هل هو من طقوس العبادة؟!،.. بالطبع لا، ومع ذلك يستلف الناس من أجل شرائه.. كذلك الأمر بالنسبة لـ«الفسيخ» رغم التحذيرات الكثيرة التي نسمعها عنه؛ فإن الناس يقومون بشرائه وتناوله.. لأن هذه العادات والتقاليد موجودة عند الشعب منذ القدم.. مهما كلفهم ذلك من  دفع مبالغ مادية باهظة.. فارتفاع أسعار المنتجات قبل هذا الشهر، لن يكون عائقًا أمامهم، ولا حتى فيروس كورونا..

 

ياميش رمضان وزحام رغم الغلاء
ياميش رمضان وزحام رغم الغلاء

 

وأضاف، أنه كلما  قل المستوى المادى يزيد هذا التفكير.. موضحًا أن الناس  أصحاب المستوى الثقافى الضعيف هم الأكثر فى الإسراف فى الشراء.. حيث يلجأ الكثير منهم إلى دخول الجمعيات قبلها بعدة أشهر من أجل شهر رمضان.. رغم أنهم يعيشون طوال أشهر السنة فى شراء المنتجات بشكل حريص ومقنن للغاية بسبب الضائقات المادية التى تحاصرهم.. لكنهم يأتون فى هذا الشهر بالأخص ويرفعون رايات «الهجوم التاتارى» على محلات البقالة والسوبر ماركت.. ليكتشفوا بعدها أنهم صرفوا كل ما فى الجيب.. ولم يتبق لهم سوى «الملاليم» التى سيقضون بها باقى الشهر..فرغم الضائقة المادية والديون التى تلازمهم خلال الشهر، فإن  هذا لن يكسر تلك الفرحة والبهجة التى تظل بقلوبهم.. عكس الناس ذوى المستوى الثقافى العالى، الذين لن يعيروا اهتماما لشراء تلك المستلزمات، بل يعيشون اليوم بيوم، دون تكدس البيت بالأطعمة التى تفترش الثلاجات.. 

مشيرا إلى أن تلك الميزانية الخربانة نابعة من ثقافة موروثة عن اللا وعى المجتمعى ..فتصرفاتنا ناتجة عن ما ورثناه من أهالينا، وبناء عليه ليس لإرادتنا دخل فى ذلك.. فالمجتمع يتصرف فى مثل هذه المناسبات «كشهر رمضان» بشكل غير واعٍ على الإطلاق.. وسيظل بهذا التصرف إلى أبد الأبدين.. لأن كل العصور الرمضانية السابقة يتم فيها نفس الشيء..

فقد أصبح هذا الشهر ذا طابع مادى استهلاكى.. يتصارع فيه الناس لشراء أكبر قدر من كل ما لذ وطاب من المنتجات الرمضانية بأضعاف مضاعفة داخل البيوت.. وذلك من أجل العزومات والولائم والموائد العامرة «بالمحمر والمشمر» والعصائر والحلويات الرمضانية على موائد الفطار والسحور..  ليتحول هذا الشهرالمعظم، من شهر الخير واليمن والبركات، يتنافس فيه الناس على العبادات والتعمق فى الروحانيات وختم القرآن، والشعور بالفقراء والمساكين الذين يتضورون جوعا بسبب ضعف الحال.. إلى شهر خراب الميزانية الأسرية، حول شراء مكونات الطبخ، والتى تضع الكثير من الأسر تحت ضغط نفسى شديد، بسبب التقليد الأعمى.. الذى من الصعب الهروب منه أو تصحيح موروثه.