الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الولــى «أبوالعينيــن» برهــــان الديــن

كل عام فى ليلة مولده يتوافد المريدون من مصر ودول العالم الإسلامى على زيارة  العارف بالله سيدى إبراهيم الدسوقى، من أجل ما يسمونه بالتبرُّك بـ«الولى أبوالعينين»، مؤسِّس الطريقة الدسوقية، وأحد أقطاب التصوف الأربعة فى العالم الإسلامى.  اسمه إبراهيم بن عبدالعزيز أبو المجد، ولد عام 653 هـ، الموافق 1255م، بمدينة دسوق بكفر الشيخ فنُسب إليها.



 

حسب بعض المراجع يرجع نَسب «الدسوقى» من ناحية الأب إلى على بن أبى طالب، والسيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول، «صلى الله عليه وسلم»، وحفظ القرآن الكريم وتفقّه على مذهب الإمام الشافعى، وعشق الخلوة منذ صغره ودخلها للتعبد كما يقال وهو ابن 3 سنوات وخرج منها لمريديه وهو ابن 23 عامًا، وسطع نجمه فى العلوم والمعارف وانتشرت طريقته حتى وصل صيته إلى كل أرجاء البلاد، منذ أن ترك الخلوة وتفرّغ لتلاميذه، الذين لقّبُوه بـ«برهان الدين»، و«أبا العينين».

ويُقام لـ «الدسوقى»، فى مدينة دسوق احتفالان سنويًا، أحدهما فى شهر أبريل يُسمى بالمولد الرجبى، والثانى فى شهر أكتوبر وهو الاحتفال بمولده الذى يُعَد من أكبر الاحتفالات الدينية فى مصر، وتوفى الدسوقى عام 696 هـ/1296م، وله من العمر 43 عامّا، ودُفن بمدينة دسوق، التى لم يغادرها فى حياته إلا مراتٍ معدودة، وأقام أهل المدينة على ضريحه زاوية صغيرة، وتوسعت شيئًا فشيئًا، حتى تحوّلت الزاوية إلى مسجد من أكبر مساجد مصر، يُعرَف حاليًا بمسجد سيدى إبراهيم الدسوقى بمدينة دسوق. 

 وقيل الكثير عن كراماته، منها أنه فى ليلة مولده كان شيخ من كبار الصوفية وقتها اسمه محمد بن هارون عند أبى المجد والد الدسوقى فى الليلة التالية للتاسع والعشرين من شعبان؛ حيث اتفق وقوع الشك فى هلال رمضان، وبالتالى لم يتأكد إن كان المسلمون سيصومون فى اليوم التالى أمْ لا، فسأل ابن هارون أمَّ الدسوقى عن إذا كان رضع فى هذا اليوم، فقالت: إنه منذ أذان الفجر لم يرضع، فقال لها: ألا تحزن فسوف يرضع ثانية بعد أذان المغرب، ويعنى بقوله أن الدسوقى قد صام، وعلى أساس معرفته بهذا الأمر؛ أمر الناس بالصوم.

تمساح النيل

نُسب لـ«الدسوقى»، عددٌ من الكرامات، منها أن تمساح النيل - وكان مُنتشرًا فى نهر النيل بمصر فى ذلك الوقت- خطف صبيًا من على شاطئ دسوق، فأتت أمّه مذعورة إلى الدسوقى تستنجد به، فأرسل نقيبه فنادى بشاطئ النيل: «معشر التماسيح، مَن ابتلع صبيًا فليطلع به»، فطلع ومشى معه إلى الشيخ الدسوقى، فأمره أن يلفظ الصبى فلفظه حيًا فى وجود الناس.

ونُسب لـ«الدسوقى» توجه أحد تلامذته إلى الإسكندرية لقضاء شىء من السوق لشيخه، فتشاجر أحد التجار مع الرجل، فاشتكاه التاجر إلى والى المدينة، وكان هذا الوالى يكره الأولياء، حسب الرواية، ولما علم أن خصم البائع من أتباع إبراهيم الدسوقى أمر بحبسه وإهانته، فأرسل التابع إلى الشيخ يستغيث به من ظلم أحد الولاة، فكتب الشيخ الدسوقى رقعة وأعطاها لرجل من أتباعه، وأمره بتسليمها للوالى، فلما وصلت الرقعة إلى القاضى، جمع أصحابه وأخذ يستهزئ بحامل الورقة وبما فيها، حتى وصل به الحال إليه، ثم أخذ يقرأ الورقة على أصحابه، فلما قرأها قضى نحبه إذ شهق فمات.

كما نُسب إليه، إنه حدث صِدام بين الدسوقى والملك الأشرف خليل بن قلاوون بعد توليه حُكم مصر، بسبب فرض الحاكم المزيد من الضرائب غير المبررة على رعايا الدولة، فبعث له الدسوقى رسائل ينصحه فيها ويزجره ويطلب منه الرحمة بالناس وإقامة العدل، فوشوا بالدسوقى عند السلطان، وأغروه بقتله حتى لا يُحدِث فتنة فى البلاد، فبدأوا بإرسال طرد عبارة عن شهد مسموم كهدية من السلطان للدسوقى، فتسلم الدسوقى الهدية ثم جمع فقراء المدينة، وقال لهم: «هذا شهد إن شاء الله تعالى، كُلوه ولا مبالاة بإذن الله»، فأكله الفقراء ولم يؤثر فى أحد.

ورويت كرامة أخرى له، أنه سافر مرّةً إلى دمنهور، فمر ببئر فطلب منها ماء ليشرب، فقيل له إن ماءها مالح. فتفل فيها فتحولت لمياه عذبة من وقتها. كذلك نُسب له بأنه كان يُحدِّث كل أصحاب لغة بلغتهم، حتى الأسماك فى النيل.

ومن خرق العوائد المنسوبة للدسوقى أيضًا، أن جاء سبعة من الأشراف إلى دسوق لكى يمتحنونه، فلما وصل مركبهم إلى شاطئ المدينة وجدوا أنفسهم خلف جبل قاف، وأقاموا سنة يأكلون حشيش الأرض حتى تغيرت أجسادهم، وأصبحت ثيابهم قديمة، ثم تذكروا ما وقعوا فيه، فتابوا هناك، وبعدها وجدوا أنفسهم على ساحل دسوق، ومسحت من قلوبهم أسئلتهم. فسألهم الدسوقى عن المسائل التى كانوا سيمتحنونه فيها، فضحكوا وقالوا: «يكفينا ما رأيناه!». فأخذوا عليه العهد، وصاروا من تلامذته حتى ماتوا.

وتعود شهرة الدسوقى إلى اعتكافه لمدة عشرين سنة فى خلوة كاملة؛ حتى اشتهر فى كل أركان مصر، فهو صاحب الطريقة الدسوقية أو البرهامية، ويعتبر آخر وأهم الأقطاب الأربعة، وله عدة مؤلفات، منها: «كتاب الجوهرة، الرسالة، الحقائق، ومؤلف فى فقه السادة الشافعية».

وكان من القائلين بالحقيقة المحمدية ووحدة الشهود بجانب التصوف العملى الشرعى، وقد تولى منصب شيخ الإسلام فى عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى.