الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
زيارة جديدة لهيمنجواى.. فى عام 2021

زيارة جديدة لهيمنجواى.. فى عام 2021

فيلم وثائقى مدته 6 ساعات عرض على مدى ثلاثة أيام عبر قناة PBS الأمريكية كان لا بد أن يثير الاهتمام  والنقاش من جديد حول هيمنجواى. الكاتب الأمريكى الأسطورة الذى جذب أنظار عشاق الأدب والكتابة فى أمريكا وفى كافة بقاع العالم على مدى سنوات طويلة.



 

هذا الكاتب (كما يبدو) لم  يمل  بعد الأمريكى ومعه الأمريكية من تكرار زيارته والتجوال فى عالمه الخاص .. قراءة أعماله المبهرة وحياته الصاخبة وأيضا التعرف على ما قيل وكتب عنه .. وكلها تكشف أنه ظاهرة إبداعية أمريكية لم تبهت مع الأيام وأن أرنست هيمنجواى الذى رحل عن عالمنا قبل 60 عاما ـ عام 1961 منتحرا ـ مازال له حضور وله قراء وله عشاق يجدون فيما تركه من كتابات.. حتى لو قرأوها عدة مرات ـ التجربة الإنسانية الثرية والملهمة التى تضيف لحياتهم .. ورغبتهم فى التفاعل مع دنياهم بتفاصيلها العديدة.. 

يحاول الفيلم (من إخراج كين بيرنز ولين نوفيك) إعادة اكتشاف الرجل والأسطورة  والكاتب هيمنجواى. ولكن هل من جديد.. أسأل نفسى هذا السؤال ربما كل عام وأنا أجد فى الكتب الجديدة أكثر من كتاب يتناول جانبا لم يكن من قبل معروفا عنه.. أو إن كان معروفا فليس  بشكل واف.. وأحيانا رسائل ونصوص للكاتب لم نتعرف عليها من قبل. لم يتردد أغلب من اقتربوا من هذا الكاتب فى أن يقولوا بأن هيمنجواى حيرهم بكتاباته وحياته.. وأحيانا لا يترددون فى القول بأنهم لا يعرفون أن كان عليهم أن يحبوه أو أن يكرهوه.. أو  أنهم يحبون الكاتب ولا يحبون الرجل! 

صانعو الوثائقى الأخير يرون أن رواية «وداعا للسلاح» تعد روايتهم المفضلة .. وقد ذكروا  أن الصفحة الأخيرة من هذه الرواية التى تتناول تجربته مع الحرب العالمية الأولى أعاد هيمنجواى كتابتها وصياغة جملها 39 مرة! كان غالبا يفضل أن يكتب وهو واقف. فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1954.. وقد أهدى ميداليتها إلى شعب كوبا. كوبا التى عاش فيها لسنوات طويلة. والفيلم الأخير يزور بيته هناك الذى بقى كما تركه من عشرات السنين. هيمنجواى كما هو معروف كان دائما يريد ويسعى  أن يقع فى حب امرأة .. ثم إن يخرج من هذه التجربة بعمل إبداعى يثير اهتمامه ويشغل وقته.. تزوج أربع مرات وقد أهدى رواية لكل زوجة من زوجاته. وهو كصحفى فى إسبانيا اهتم بمصارعة الثيران كما أنه تابع  الحرب الأهلية الإسبانية. وكل ذلك كان فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى.

فى يوليو 1917 احتفل «أرنست هيمنجواى» بعيد ميلاده الـ18. هذا الشاب كان يقضى أيام الصيف فى مساعدة عائلته فى جمع حصاد الأرض وصيد الأسماك والحديث المتواصل مع الأصدقاء حول أحلامه وتطلعاته فى المستقبل. فى عامه الـ18 ـ جذب اهتمامه عالم الصحافة فبدأ العمل فى إحدى الصحف المحلية وأيضا تطوع للعمل سائقا لعربات إسعاف الصليب الأحمر وتم إرساله إلى إيطاليا إذ إن الولايات المتحدة كانت قد قررت أن تشارك فى الحرب العالمية الأولى. وقبل أن يبلغ «هيمنجواى» عامه الـ19 واجه الموت أكثر من مرة فى الحرب الدائرة وأصيب فى قدمه. هكذا بدأت تتشكل حياته.

هذا الكاتب المتدفق المنطلق والمحلق والمتمرد والعاشق والمقبل على الحياة والحاضن لها، وأيضا القادر على الحكى الثرى والسرد البسيط. وكان يفعل كل هذا مستمتعا بحياته وبناسها ونسائها ورحلاتها ومغامراتها ودائما كان لا يرضى بأقل منها. وعندما وجد نفسه بأن ليس فى استطاعته أن يفعل كل هذه الأشياء أو أن يعيشها ناقصا أو منقوصا. قرر أن ينهى علاقته مع الحياة. وحدث ما حدث. وهو الحدث والموقف الذى وقف أمامه كاتبنا يوسف إدريس مذهولا ومعجبا ومنبهرا ولم يتردد فى أن يكتب: إنى أحسدك. إدريس الذى كتب عن هيمنجواى أن شجاعة هيمنجواى فى إنهاء حياته لا يعادلها فى رأيى إلا شجاعته فى مزاولتها وقال أيضا عن هيمنجواى أنت بموتك لم تمت وإنما انتصرت على الموت، وعلى الحياة، وعلى عالم الرجال الصغار، اللا أبطال. عالمنا

عالم هيمنجواى دائما صاخب ومبهج ومتدفق ومنطلق ومندفع وراقص وأيضا حاضن. وهذا ملموس لمن يقرأه ويقترب منه.