السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
التفكير خارج التابوت

التفكير خارج التابوت

يشغلنى كثيرًا ثالوث التفكير خارج الصندوق؛ ورد فعل المجتمعات الجامدة وفتح باب النقاش بعيدًا عن الحرق والقتل والتنديد والقفز على الأعلام المحترقة. وليست مصادفة أن يرتبط هذا الثالوث دائمًا وأبدًا بثالوث آخر ألا وهو الدين والسياسة والجنس. تنبع فكرة غير تقليدية، يرفضها من بابها المجتمع الجامد أو القطاعات المتحجرة فيه، وغالبًا يمضى المجتمع الجامد قدمًا ليحمى نفسه من الخطر الفكرى الذى يلوح فى الأفق؛ فيعتنق منهج «إضرب المربوط يخاف السايب» وذلك ترهيبًا لمن قد يسول له عقله التفكير خارج التابوت، عفوًا أقصد الصندوق. 



تذكرت فيلم شاهدته على «نتفليكس» قبل أشهر اسمه «غير تقليدى» أو «غير أرثوذوكس».

وكلمة أرثوذوكس تستخدم للإشارة إلى «التقليدى»، تدور قصة الفيلم الحقيقية تدور حول الفتاة اليهودية «إستر» التى تعيش فى بروكلين فى نيو يورك فى كنف «جيتو» يهودى مغلق بالغ التشدد، وكان يفترض أن تمضى الفتاة قدمًا لتعيش وتتصرف وتتنفس كغيرها من الفتيات اليهوديات اللاتى يعشن فى مجتمعات دينية مغلقة بالغة التشدد حيث كل تفصيلة كبيرة أو صغيرة من تفاصيل حياتهن تدار من قبل آخرين، وذلك بدءًا بوالديها مرورًا بكل أفراد الأسرة الذكور وأم زوج المستقبل وانتهاء بالزعماء الدينيين الغارقين فى التشدد. ورغم خبراتها الحياتية شبه المعدومة خارج الـ«جيتو» واقتصار كل ما تعرفه على طقوس وثقافة غير خاضعة للنقاش ومغلق عليها بالضبة والمفتاح اتقاء لشرور التكفير النقدى والعياذ بالله، وما كان من «إستر» إلا أن هربت إلى برلين لتبدأ حياة جديدة قائمة على التفكير خارج التابوت، عفوًا الصندوق. 

تخيلوا معى لو أن عملًا دراميًا شبيهًا خرج إلى النور لتحكى فتاة من منطقتنا عن تجربتها فى العيش فى كنف مجتمع جامد أو متحجر أو ميت إكلينيكيًا. ويجب الإشارة هنا إلى أن قيام فتاة بالتفكير ومراجعة القواعد الحاكمة لتفاصيل حياتها بدءًا طريقة تربيتها مرورًا بماذا ترتدى وكيف تفكر وقرارات حياتها المتسقبلية لا يعنى بالضرورة حرية جنسية مفتوحة على مصاريعها.

وهذه نقطة جديرة بالإشارة حيث أن البعض يعتبر حرية الأنثى فى التفكير تعنى بالضرورة علاقات جنسية مفتوحة. هكذا يقول الكتاب السائد! كيف نستقبل هذا العمل؟ نشاهده ونفكر فيه؟ نشاهده فينتابنا الذعر ونسارع إلى إغلاق الشاشة؟ نشاهده وتغلى الدماء فى عروقنا ونهرع إلى حرق علم «نتفليكس» ونقفز عليه لنتأكد من أن مفعول الفيلم الفكرى تحول إلى رماد؟ ينمو إلى مسامعنا أن فيلمًا زنديقًا فاسقًا فاجرًا يذكر قواعدنا بسوء ويسب نساءنا ونهرع لاستصدار فتوى من تحت بئر السلم لقتل كل من قام على العمل حتى لا يتجرأ آخرون على هدم معابدنا وما قد يؤدى إليه ذلك من احتمالية خروج بعضنا من التوابيت، عفوًا الصناديق؟

أزيدكم من الشعر بيتًا وأقول إن نساء وفتيات عربيات كثيرات شعرن بأوجه تشابه تصل حد التطابق بينهن وبين «إستر». مجرد طرح مثل هذه الفكرة من شأنه أن يرعب الملايين التى ستهرع إلى الإنكار ووصم من تشعر بالتشابه أو التطابق بالفجر والفسق والانحلال، وذلك ضمن أدوات «إضرب المربوط» حتى لا يفكر السايب مجرد التفكير خارج التابوت، عفوًا الصندوق.