الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الشبح المعاصر

الشبح المعاصر

فى العام 1996 تم الكشف فى الولايات المتحدة الأمريكية عن كيان كان له فضل المساهمة فى تفوق قوات الحلفاء على قوات المحور فى الحرب العالمية الثانية. «كتيبة الجيش الشبح» التى تم تكريم أبطالها، والتى منحت النصر لدول الحلفاء. التقرير الذى أعدته شبكة «سى. إن. إن» كفيل أن يمنحك صورة لهذا الجيش الوهمى الذى تكون من ألف فرد من الفنانين التشكيليين والإعلاميين والكتاب والممثلين الذين كان عليهم تحقيق هدف واحد مهما تعددت المهام المنوط بهم القيام بها. كان عليهم إثارة البلبلة واللغط وسوء الفهم والتشكيك فى قدرات قوات المحور وما يحققونه على أرض الواقع بين الجماهير. نعم كتيبة سرية فى الجيش الأمريكى نفذت أكثر من عشرين عملية تكتيكية لهزيمة هتلر فى الحرب.



يقول تقرير الـ«سى. إن. إن»: كانت مهمة تلك الكتيبة خداع الأعداء وجعلهم يعتقدون أن الكتيبة المؤلفة من ألف شخص هى كتيبتان مؤلفتان من 30 ألف رجل، إلا أن الجيش الشبح لم يكن مؤلفًا من جنود تقليديين. وإنما كانوا بأغلبيتهم ممثلين ومصممين ومعلنين وفنانين، تم اختيارهم من أهم مدارس الفن والتصاميم فى جميع أنحاء البلاد.وقد استخدم جيش الفنانين هذا قدراته الإبداعية لابتكار أشياء وهمية. لقد طور المهندسون دبابات قابلة للنفخ، لونها الفنانون فيما بعد.

هذه الدبابات يمكن أن يتكثف حجمها لتصبح قابلة للتوضيب فى كيس محمول، ويتم نفخها عند الطلب، تمامًا مثل القصور النطاطة. أما مهندسو الصوت فاستخدموا مكبرات صوت ضخمة لإصدار مؤثرات صوتية لدبابات وجنود يسيرون، كان قد تم تسجيلها سابقًا، وكان يمكن سماع صوت هذا الجيش المتقدم على بعد أميال، وبالإضافة إلى رسائل لاسلكية مزيفة كان يتم إرسالها عبر موجات العدو، كانوا يرسلون أيضًا ممثلين بأزياء جنرالات أو ضباط إلى المدينة لنشر المعلومات الخاطئة والشائعات. ولم ترفع السرية عن الجيش الشبح إلا عام 1996، حيث عرف العالم كله بشأن أسياد الإثارة الغامضة هؤلاء، الأبطال المجهولون للحرب العالمية الثانية».

تلك هى القصة ببساطة يا سادة التى أدركها الأمريكان منذ الحرب العالمية الثانية، لعبة الخداع الساعى إلى هدم قدرات الشعوب وقوتها والتشكيك الدائم فى ما يتم بثه لهم عبر إذاعاتهم ووسائل إعلامهم. بدايات مبكرة لحروب العقل والدماغ تطورت اليوم لتبلغ مداها لتصير المعلومات قنابل متفجرة فى الفضاء بلا هوية ولا مصدر، ولكنها قادرة على الفتك بمفهوم الاستقرار والمنطق والإنجاز فى زمن بات يرفع شعار تسييح الدماغ لا تسييح الدم، ليكون تسييح الدم بيدك أنت، أنت بعدما تسيح عقلك ويتم التشويش على ما لديه من منطق. 

تتذكر تلك الكتيبة وأنت تتابع العديد من الوجوه اللزجة فى عالمنا التى أدمنت الحياة فى كل العصور والتواجد على كل الموائد وانتهاك حرمة الفن، لتتساءل: هل هؤلاء الجيش الشبح الأمريكى المعاصر؟