الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكـــايـــات مــن بيــت شهــيد

ابن الشهيد وتحية عسكرية للرئيس
ابن الشهيد وتحية عسكرية للرئيس

تقف الكلمات، ويعجز اللسان عندما تقف فى حضرة سيرة شهيد، تتساءل: هل ترثيه؟ أم تبارك وصوله لتلك المكانة التى يصطفى الله صاحبها، ليلحقه بجواره فى منزلة الأنبياء والصديقين؟ اختار الشهيد التضحية من أجلنا، فلولاه ما كنا هنا، ولولا دماؤهم الزكيّة ما تحررت مصر من قوى الإرهاب التى أرادت لوطننا مصيرًا مغايرًا.



فى يوم الشهيد، التقت صباح الخير مع أسر شهداء كرَّمهم الرئيس عبدالفتاح السيسى، عرفانًا بدورهم فى منحنا الحياة ومنح الوطن نعمة الأمان.

حكى أهالى الشهداء لنا سيرة عطرة لعزيز رحل، بينما تظل ذكرى بطولته محفورة فى تاريخ الوطن.

 

الرئيس يحتضن لوجين
الرئيس يحتضن لوجين

 

«الوجه البشوش»

«رحل صاحب الوجه البشوش».. بهذه الكلمات بادرتنا السيدة أمل –زوجة الشهيد عميد أ. ح- مصطفى عبيدو الذى استُشهِد فى 11فبراير 2020 فى العملية الشاملة فى سيناء، وكرَّمه الرئيس السيسى وطيب ذكراه.

الشهيد مصطفى عبيدو كان قائدًا يخشاه الإرهابيون فى سيناء؛ حيث أفشل لهم مخططاتهم وأحبط هجماتهم على عدة ارتكازات أمنية بشمال سيناء، ولم يُمكِّنهم أبدًا من الحصول على أى نقطة، استشهد فى بئر العبد؛ حيث كان يتقدم فرقته أثناء إحدى المداهمات.

سألنا السيدة أمل عن مشاعرها لحظة تكريم الرئيس السيسى لها، واحتضانه لطفلتها لوجى، فقالت: مصطفى الله يرحمه أكرمنى فى حياته، وفى مماته، وعندما كرمنا الرئيس كنا فى منتهى الفخر والسعادة، وخاصة الأولاد وشعورهم بمكانة والدهم والتضحية التى قدَّمها للوطن. والحقيقة أن شعورى كان مختلفًا عن شعور الأولاد، فأنا كنت سعيدة وفخورة به بنفس إحساس الطالب الذى حصل على امتياز فى مادة اجتهد وذاكرها، فمصطفى كان ضابطًا مجتهدًا، وكان قائدًا عظيمًا، وكان بإمكانه طبقًا لرتبته أن يجلس فى مكتبه، لكنه كان يتقدم أى مداهمة وعملية، فاختاره الله شهيدًا، ولذا فقد سعدت بتكريمه فى الدنيا، وكنت أشعر به يجلس فى الكرسى بجانبى.

 

تكريم رئاسى لرجال الجيش الأبيض
تكريم رئاسى لرجال الجيش الأبيض

 

 أما عن شعور الأولاد، فقد شعرت لوجى ابنتى هى الأخرى بوجود أبيها معنا، وعندما احتضنها الرئيس شعرت بحنان بالغ، وقالت لى: أنا بحبه أوى يا ماما.

تتذكر السيدة أمل سنواتها الـ15 التى عاشتها مع الشهيد قائلة: كان لى نعم الزوج ولأولاده نعم الأب، كان خفيف الظل، ومحبوبًا من الجميع، كان يشترى الحلوى للأطفال فى سيناء، ولهذا نال أعلى منزلة، وهذا تكريم من الله عز وجل. وأتمنى أن يرث أطفالى الاثنان خصال والدهما، وبالفعل سيف ابنى الكبير نسخة من والده الشهيد، ويتمنى أن يكون ضابطًا مثله. 

وعلى الرغم من أن الشهيد -رحمه الله- كان دائم التواجد فى عمله، لكنه كان يعوضنا فى فترة إجازاته، ويقوم بدوره على أكمل وجه، وكان يربى أولاده على الانضباط والأخلاق، وكان يزرع فى سيف بذرة البطولة؛ لدرجة أنه كان يوصيه ويشجعه دائمًا ويقول: أنا سايب بطل فى البيت ياخد باله من أمه وأخته، ولو أنا مش موجود إنت مكانى.

فى آخر مكالمة بيننا، طلب منى ألا أقلق لأنه سيتأخر قليلًا، وكانت الساعة وقتها السابعة إلا ربع، واستُشهد 8 إلا ربع.

يكرم اسم الشهيد أحمد عبدالموجود
يكرم اسم الشهيد أحمد عبدالموجود

 

 

آخر زيارة قلت له: إنت خسيت أوى يا مصطفى، فمازحنى قائلًا: يا بنتى ده أنا رقبتى مطلوب فيها ملايين، ثم قال: بمنتهى القوة: «بصى يا أمل، أنا هقول لك على حاجة لازم تفهميها كويس، من وقت ولادتنا جميعًا، مكتوب لنا هنموت إمتى، يعنى انت تكرهى لى حسن الخاتمة، وهو أنا أطول أموت شهيد، وتكونى إنت زوجة شهيد، وأولادى يفتخروا طول العمر بأبوهم إنه دفع حياته علشان البلد».

 والحقيقة أن هذا الكلام دار فى عقلى أثناء التكريم ، فشعرت أنه ينظر إلينا من الجنة.

أسد الصاعقة

اشتهر عن أسد الصاعقة، الشهيد عقيد أ. ح مصطفى محمد نجيب الخياط الذى استشهد فى العملية الشاملة الشجاعة والقوة التى دائمًا ما تميز بها ضباط الصاعقة، وقد استُشهد الخياط صائمًا أثناء مداهمة لبؤرة إرهابية فى الشيخ زويد.. برباطة جأش وقلب حنون، حدثتنا السيدة منى بشرى سليمان– والدة الشهيد الخياط، وقالت: كلنا فداء لمصر، وأنا ربيت ابنى على ذلك، ودائمًا ما كنت أقول له منذ صغره: خلى ربنا قدامك، فى عملك وفى معاملتك مع زملائك. وفى الإسماعيلية لدينا قرية اسمها التقدم، دائمًا ما كنت أنظر لها وأقول له: شوف كام شهيد ارتوت بدمهم الأرض ديه.

تحكى: عندما انتقل ابنى الشهيد من الفرقة 777 إلى سيناء شجعته لأننى خلفت راجل، وطلبت من زوجته رضوى ألا تشعره بالخوف فالمكتوب مكتوب، ولكل أجل كتاب، وقد أكرمه الله وأكرمنا جميعًا بنيله الشهادة.

فى آخر زيارة له، كان يوم جمعة اعتدنا أن نجتمع، فأخبرته أننى سأعد له وجبة عيد شم النسيم لأنه لن يكون متواجدًا وقتها، وأى مناسبة لا يكون لها طعم دون حضوره، وقام هو بإعداد الفسيخ بنفسه. وكان حزينا جدًا لفراق صديقه الروحى الشهيد أحمد فوزى هو أحد أصدقائه المقربين وكان يعتبره ابنه، وقال بعد رحيله: «يا أحمد يافوزى أنا اللى بعدك»، وقد كان.

 

.. وقبلة على رأس أم الشهيد
.. وقبلة على رأس أم الشهيد

 

وعن تكريم رئيس الجمهورية قالت والدة الشهيد الخياط: التكريم أثّر بشكل كبير على أولاد الشهيد، فوجودهم وسط هذا التقدير والحب الاحترام جعلهم يشعرون بالفخر، وعندما يكون التكريم من رئيس الجمهورية فهذا وسام على صدرى وكأنه يقول لى: «مجهودك ماراحش»، والحقيقة أننى أود أن أشكر جميع أفراد القوات المسلحة، فلم يتركونا أبدًا.

الابن البار

لم تبدأ قصة الشهيد رائد سعيد حمدى إلى لحظة استشهاده فى 20 أغسطس 2020؛ بل تعود إلى حكايته مع صديق عمره النقيب جورج وليم الذى زامله منذ التحاقهما بالكلية الحربية، والذى أصيب فى 2016، فرافقته السيدة فاطمة عبدالرؤوف – والدة الشهيد سعيد - لمدة 11 يومًا فى المستشفى دون أن يعلم أهل جورج عن إصابته. ومرت أربع سنوات حتى تبدلت الأدوار وذهب سعيد إلى سيناء، واختار الله عز وجل أن يستشهد، ويلتحق بمنزلة الأنبياء والصديقين.

بدموع غالية حدثتنى السيدة فاطمة وقالت: حلمت بابنى وهو ماسك إيدى فى مكان أبيض واسع، ابنى ضنايا فراقه واجعنى، لكن بلدنا وترابها أغلى، وأنا أفتخر إنى أم الشهيد البطل. تضيف: كان مهذبًا وخلوقًا، ونعم الابن، وبارًا ببلده وبأهله وزوجته وابنه فارس الذى لم يتجاوز العامين ونصف العام - وهو فى مكان أفضل، لأنه خير أجناد الأرض.

شاءت الأقدار أن ينزل إجازة ليجرى أشعة على ظهره، فتتوفى جدته، ويدفنها بيده، ويرجع مرة أخرى لسيناء، ولم يمر أسبوع حتى عاد ملفوفًا بعلم مصر ودُفن بجوارها.

تعرف والدة الشهيد سعيد أن الله لا يصطفى إلا الأخيار ليرتقوا لمنزلة الشهيد، فقد علمت بعد استشهاه أنه لم يكن مخططًا له أن يقوم بهذه المداهمة، وأن زميلاً آخر له هو من كان سيقوم بها، لكن فى آخر وقت تم تبديل المواقع، واستشهد وحيدها، وذهب للقاء ربه.

وجّهت والدة الشهيد الرائد سعيد حمدى الشكر إلى رئيس الجمهورية قائلة: أشكر الرئيس الأب عبدالفتاح السيسي على استقباله وتكريمه لنا.

 

 

 

ابن المنسى

هذه قصة أصغر شهيد فى ملحمةالبرث ، .. استُشهد مقبلًا غير مدبر، كعادة أبنائنا من أبطال القوات المسلحة المصرية.

بقلب صابر تحدث معى أمير رشاد - والد الشهيد عماد أمير، وقال: ابنى فداء وطننا مصر، وعماد دائمًا ما كان سعيدًا مع كتيبته، وقائدها الشهيد أحمد المنسى مثلهم الأعلى الذى طالما اعتبره مثله الأعلى، فاستشهد معه فى كمين البرث.

يتذكر الأب أن عماد كان يحدثه تليفونيًا ذات مرة من وحدته، فتصادف مرور الضابط المنسى، فحدثته والدته وطلبت منه أن يحضر فرح ابنة خالته، فوافق على الفور وقال: عينيا، وبالفعل حضر الفرح، وكانت آخر مرة أراه فيها. يكمل والد الشهيد عماد: عندما علمنا بخدمته فى سيناء خفنا كثيرًا، ولكن عماد طمأننا وكان سعيدًا للغاية، كان الشهيد دمث الأخلاق، يصوم مع زملائه فى رمضان، وكان الجميع واحدًا فى كتيبته كما رأينا جميعا فى مسلسل «الاختيار».

آخر مرة حدثنى فيها الشهيد كان يوم خميس، وكان صوته سعيدًا، وظل لمدة ساعتين يتحدث معنا كأنه كان يودعنا. لم ننم هذا اليوم أنا ووالدته حتى جاءت الساعة السابعة صباحًا فذهبنا إلى الكنيسة وطلبنا من القس أن يصلى لعماد لأن والدته كانت تشعر بقبضة فى قلبها.. وظللنا هكذا حتى السابعة مساء، فاتصلنا به لنجد تليفونه مغلقًا، فكلمت زميله فوجدته فى إجازة، وأخفى عنى الخبر، وبعد ساعتين كلمت زميله مرة أخرى، فقال لى: «احتسبه عند الله شهيد».

يقول الأب إن حزنهما على ابنهما لن ينتهى، لكن ما يعزيهما هو أنه مات بطلًا وشرفنا جميعًا، مات مدافعًا عن تراب وطنه.

قدمت عائلة الشهيد عماد أمير الشكر إلى القوات المسلحة التى لم تتخل عنهم، والرئيس السيسى الذى كرمهم وكرم الشهيد وأكد والد الشهيد أن الزمن لو رجع مرة تانية لن يختاروا أفضل من الشهادة لابنهم.