الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

احذروا تخويف أطفالكم من الحكى.. وأهم حاجة الحوار

علاقة الأبناء والآباء دائمًا لا تسير على وتيرة واحدة، ما بين شد وجذب، ربما لاختلاف الأجيال واختلاف طبيعة تفكير كل منهما ولكن القاعدة الثابتة نحو علاقة أسرية سوية هو بناء مساحة من الثقة والأمان بين الطرفين.



مهما كانت الأزمات التى يتعرض لها أبناؤك لا بُد أن تكون أنت حائط الأمان الأول الذى يلجأ إليه فى الطريق للعلاج والحل، لأن النهر والعقاب والقهر لا ينتج سوى أطفال ضعفاء مشوهين من الداخل.

الخطوة الأولى نحو حماية ابنك أو ابنتك من التحرش هو تعليمه وتثقيفه قواعد حماية نفسه وجسده حتى لو كان من المقربين، ثم إعطاؤه الأمان والثقة ليكون لديه الصلابة النفسية ليحكى لو وقع ضحية أحد المتحرشين.

الخوف من الفضيحة 

ليس حديث ابنك أو ابنتك عن تعرضه للتحرش هو الكارثة، ولكن الكارثة الأكبر هو أن تواجه هذا الأمر بمزيد من التوتر والغضب ثم الكتمان كأن الضحية هو من يحمل وصمة العار وليس الجانى.

للأسف يسيطر هذا الفكر على بعض الأسر لاسيما الريفية التى يحمل فكرها العار والقهر ما يجنب الفتاة أن تحكى من الأساس إلى والدتها خوفًا من عقابها أو من اتهامها بدفع المتحرش إلى فعل ذلك.

فالأهل فى بعض المجتمعات المنغلقة الفكر يستسهلون فكرة إلقاء اللوم على الضحية بأنها بأى حال من الأحوال قد شجعت المتحرش، حتى لو كانت طفلة، فقد تكتفى الأم بالصمت والاكتفاء بالدعاء على من فعل ذلك الذى انطلق ليبحث عن ضحية أخرى فى مجتمع يطمئن جانبه معتنقًا فى هذه المواقف مبدأ «السكوت من ذهب».

تقول صفاء محمود إخصائية اجتماعية: «العديد من الوقائع بين الطلبة التى يكون من الصعب التعامل معها خاصة فى المدارس المشتركة بسبب الأهل، فمثلا فى إحدى المرات تحرش طالب بطالبة وعندما تم استدعاء ولى أمر كلٍ منهما لعقاب الطالب المتحرش والاعتذار للطالبة أمام الجميع لرفع حالتها المعنوية – بعد أن رفضت حضور المدرسة مدة أسبوع بعد التحرش بها لشعورها بالخجل والذنب – إلا أن أسرة الفتاة رفضت الحضور هى الأخرى واكتفوا بقبول الاعتذار دون حضور خوفًا من انتشار الأمر، ما تسبب فى تدهور الحالة النفسية للبنت وأصبحت أكثر انطوائية وتراجع تحصيلها الدراسى لأنها شعرت بالخزى من أقرب الناس إليها.

وتحكى أمل عن قصتها مع ابنتها التى تبلغ عشر سنوات وعما تعرضت له من أحد أقاربها فتقول «جاءت ابنتى ريم تحكى فى براءة عن تحرش شخص ما من المقربين، ووصفت لى ما فعل، ولكنى لم أصدقها وتعاملت معها أنه مجرد خيال أطفال ونهرتها وحذرتها من الكلام فى الموضوع تماما، وعندما لم أصدقها تكرر الأمر من نفس الشخص فذهبت إلى خالتها وحكت لها وهى تبكى خوفًا منى وعندما تقصت خالتها وبدأت فى مراقبة هذا الشخص اكتشفت أنه بالفعل غير سوى شعرت بالخجل الشديد، لأنى لم أصدقها وأنها بحثت عمن يعطيها الأمان غيرى لذلك دائمًا ما تكون نصيحتى لمن حولى ثقوا بأبنائكم واحتووهم.

تعلمت الجرأة 

رحمة خالد طالبة بالفرقة الأولى كلية التجارة تحكى عن معاناتها التى تكاد تكون يومية لمضايقات فى المواصلات، ولكن رحمة قررت أن تكون الطرف الأقوى، فتقول «كنت فى البداية أبكى إذا تحرش بى أى شخص وخاصة أثناء ركوبى الأتوبيس، ولأن ظروفى لم تكن تسمح بركوب التاكسى، وفى كل مرة كنت أشعر بالضعف والخوف الشديد والسكوت والاستسلام خوفًا من نظرات المحيطين، إذا صرخت وأعلنت أن أحدهم يتحرش بى، ولكن بمتابعتى لحلقات عن تقوية الثقة بالنفس وبرامج تشرح كيفية التعامل فى مثل هذه المواقف قررت أن أكون أقوى لأن المتحرش «كالحيوان» يشم رائحة الخوف من الضحية، فبالتالى يقترب منها ويدفعه هذا أكثر إلى نهش جسدها والاعتداء على حريتها.

تضيف: من وقتها أصبحت أمارس حياتى بشكل طبيعى وأى شخص يتعرض لى أواجهه وأفضحه وأحيانًا أوجه إليه بعض الصفعات وهو ما يشعرنى بالسعادة والرضا، لأنى نجحت فى حماية نفسى وجسدى من أى شخص يعتقد أن الأنثى ضعيفة سهلة المنال.

الصلابة النفسية 

د.محمد هانى استشارى الصحة النفسية وتعديل سلوك الأطفال، قال إنه للأسف وارد وجود المتحرش داخل الأسرة من الأقارب والأصدقاء، لذلك فالأهم هو دور الأهل فى استيعاب شكاوى أطفالهم وتوعيتهم فى سن مبكرة أن يرفضوا ملامسة أى شخص له أيًا كان درجة الصلة لأن هذا يبنى داخل الطفل احترام جسده. 

وأنصح الوالدين بمنح أطفالهما مساحة أمان وصلابة نفسية لكى يحكوا ويصارحوا ثم نبدأ فى علاج المشكلة بشكل درامى وعقلانى.

ومن الأخطاء الشائعة التى على الوالدين تداركها أثناء تربية أبنائهما؛ ألا يتم التعامل مع الطفل على أنه غبى أو ساذج لأن الطفل يدرك ويفهم جيدًا، ويضيف:  من الأخطاء أيضًا تغافل الأم عن تغيير ملابس الأبناء  مع بعضهم حتى لو فى كانوا فى سن صغيرة لأن ذلك ينبه عين الطفل على أن يرى ما هو غير مسموح، كذلك أن تترك الأم ابنها أو بنتها عند الجيران أو أحد الأصدقاء ممن لديهم أبناء فى سنهم أو أكبر سنًا دون توعية جيدة.

وعن تحليل شخصية المتحرش بأطفال تحديدا يقول هانى: «هو نوع من الإدمان الجنسى الذى يصدر عنه من هلاوس جنسية تدفعه للقيام بسلوك شاذ كالاعتداء على طفلة أو التحرش بطفل، وبنسبة كبيرة يكون هذا الشخص قد تعرض للتحرش أيضا فى الطفولة المبكرة واستمر بعد ذلك فى البحث عن هذا الإحساس حتى ينقله للمحيطين».

ويقول: أحيانًا يربط الناس خطأ بمن يفعلون هذه الجرائم بأنهم غير متعلمين أو من مستوى اجتماعى بسيط ولكن هذا غير صحيح فليس هذا للتحرش علاقة بتعليم أو ثقافة أو تدين ولكنه إدمان من الصعب علاجه خاصة بعد وصوله إلى سن كبيرة.

يحذر د.هانى الأهل من كتمان الأمر خشية الفضيحة إذا تعرض أحد أبنائهم للتحرش لأن السكوت أمان للمتحرش وسيدفعه إلى الاستمرار بل والتجاوز.

من جانبه،  يركز الدكتور فؤاد الدواش على زاوية أخرى مهمة وهى ضحية هذا المتحرش، الذى يعتمد على نظرية الضعف يغرى بالاعتداء، فعادة ما يختار الضحية فقيرة عاجزة ليس لها حماية أو سند لذلك لا بُد من توفير الحماية لأطفالنا.