الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البنات .. ألطف الكائنات

حالة من البهجة خلقها المصريون فى الاحتفال باليوم العالمى للفتيات، عندما تسابق العديد فى نشر صور بناتهن عبر صفحات فيسبوك، فى اعتزاز وافتخار بالفتاة مهما كان عمرها، ووضعها الاجتماعى، إذ ربما الاحتفال منحهن الفرصة لإعادة اكتشاف جمال بناتهن.



الصحفى مؤنس زهيرى شارك فى الاحتفال بنشر صورته مع ابنته، وكذلك الكاتب أحمد الخميسى مع ابنته آنا، والعديد من الشخصيات، مثل الإعلامى عاطف كامل الذى قال إن البنت بهجة وسعادة فى البيت لا يدركها إلا من حُرم منها، وتمنى لو كانت السنة كلها يومًا عالميًا للفتيات حتى تتغير نظرة المجتمع نحوهن، والتمييز الواقع عليهن من زواج مبكر، وختان، وتهميش، وإجحاف فى حقهن.

إنصاف للرجل

الإعلامى عاطف كامل يرى أن إنصاف الفتاة هو إنصاف للرجل، بل للأمة بأكملها، فحينما نحترمها كإنسانة، ستكبر واثقة من نفسها، وتختار شريك حياتها بشكل صحيح، وتربى ابنها بطريقة إيجابية.

عاطف، يحتفل بوجود ابنته «كارول» الطالبة بكلية طب فى حياته، ويعتبرها كمعنى اسمها «ترنيمة» مؤثرة وجميلة، فهى الوحيدة التى نجحت فى إقناعه بالتوقف عن التدخين، بهدوئها وبساطة رؤيتها للحياة، بينما فشل كبار الأطباء فى ذلك، فهو الذى يتعلم منها، ومن ذكائها، ومن تواضعها اللطيف، ومن طبيعتها المتوازنة المستقلة فى تفكيرها، ومن محبتها وعطائها واحتوائها للجميع بدون تمييز، ومن طموحها لتتعلم كل ما يُمَكِّنِها من خدمة الناس والمجتمع.

أما غادة رايت، مديرة إحدى المؤسسات التنموية الدولية بمصر، وتعمل فى مجال دعم البنات وحمايتها من العنف، شددت على ضرورة أن تقدم الأمم المتحدة تقريرا بالمكاسب والإنجازات التى حصلت عليها الطفلة، مطالبة بسن قانون موحد ضد العنف، أو تفعيل قانون العقوبات، مع وجود إلزام قانونى يلزم الدول المشاركة فى السيداو «اتفاقية إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة» بتفعيل بنودها، وإيجاد مواد تدريبية لتشجيع الحكومات على مواجهة العنف وأشكال التمييز وجميع الممارسات الضارة ضد المرأة مثل الختان والزواج المبكر.

تضيف غادة أن أمها ماتت وهى مقتنعة أن المرأة كائن تابع ليس لها حقوق فى الحياة، ما جعلها تهتم بابنتها «تُقى» منذ ولادتها، من خلال حرصها على تربيتها بأسلوب مختلف عما تربت هى عليه، فمنحتها الحرية لاتخاذ القرار، وشجعتها على تحمل مسئولية، وتركت لها فرصة التعلم من خلال التجربة والخطأ، وأن تقود حياتها بضميرها، مع وجودها كأم وصديقة للإرشاد والمتابعة. 

غادة ترى أن ابنتها «تُقى» تستحق الاحتفال بها كبنت، لأنها احترمت المسئولية التى حصلت عليها، ولم تجبرها أبدًا على معاملتها بشدة أو قسوة، ولأنها واضحة الرؤية وصادقة مع نفسها، وتقبل تحدى الاختيار والرجوع عنه، فعندما اختارت الدراسة الخطأ لم تستسلم، وعادت من جديد لتبدأ ما تريد.

الكاتب الروائى أحمد غريب، الذى يعيش فى كندا، يرغب فى أن تكبر ابنته «حنين» فى الحياة وهى مدركة أن العالم يحتفل بوجودها كبنت، ويقول: أنا كأب أشعر بابنتى، وأستمتع بوجودها بنضج وعمق فهم وإحساس، وأعتبر أن التأكيد على التميز الذى تتمتع به البنات، والاحتفاء به يومياً فى كل تعليق أقوله لها على مدار العام، هو التفاعل الطبيعى مع هذه الطاقة الإنسانية التى تمنحها كل بنت لأهلها بشكل عفوى.

أحمد يرى أن العلاقة تتعلق بتنمية وعى الآباء والإخوة، والمساهمة فى زيادة فرص البنات فى الحصول على الآليات التى تمكنهن من بناء المستقبل كما يرغبن فيه، فكل بنت تستحق التكريم، خاصة التى تعتز بأنوثتها، أما التى تتردد فى الشعور بهذا الاعتزاز فينبغى أن يتكاتف المحيطون بها لمساعدتها على التوقف عن محاولات تقليل مكانتها، وحمايتها من أى شكل من أشكال العنف، أو الإجبار على تقييد المستقبل.

تغيير المفاهيم

الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد العام لنساء مصر، أكدت أن البنت المصرية تستحق الاحتفاء بها لأنها رغم كل شىء، فهى لا تزال تتحمل الأعباء الناتجة عن بطء عملية تغيير المفاهيم الثقافية التى تؤثر عليها وتضع سلوكها فى قالب يتسبب فى استمرار بعض المشاكل التى لا تتزحزح، مثل الزاوج المبكر، خاصة فى البيئات البسيطة، بعكس الولد الذى قد يصل لسن الأربعين دون انزعاج مماثل، وكذلك قضية جسد المرأة التى تجعل البنت تشعر أنها لا تمتلك الحق فى جسدها، بل هى وصية عليه لصالح الأسرة التى تعتبره شرفها. 

رئيس الاتحاد العام لنساء مصر، ترى أن النجاح الحقيقى يكمن فى مدى التأثير الإيجابى الذى يجب أن يحدث بحياة البنت العادية، كابنة بائعة الخضار وبائعة المحل، بعيدًا عن التعامل مع القضية من خلال التوعية النظرية بالكلام التى أثبتت فشلها، والتوعية الثقافية من خلال الفن والإعلام، لإحداث التغيير الحقيقى، وترك الفرصة لبعض غير المؤهلين الذين لا يراعون مصالح المجتمع بقدر ما يهتمون بإرضاء رغباتهم الشخصية، وأنصحهم بالابتعاد بحديثهم عن النساء والفتيات والكلام فيما يفهمون فيه.

وعن ابنتها الدكتورة فاطمة خفاجى، الرئيس السابق لبرنامج النوع الاجتماعى فى يونيسيف مصر، تقول الدكتور هدى: إن فاطمة صاحبتها وبنتها، ونحن صديقتان، نتحدث بالساعات يوميًا عن مشاهداتنا الحياتية، كما أننى فخورة بها، لأنها بنت صادقة لا تقول سوى ما تشعر به، وعندها قيم وأخلاق، كما أنها جريئة جدًا فى الحق، ما جعلها تقتحم مجال السياسة لخدمة الدولة.

ويرى الدكتور كمال مغيث، خبير التعليم، فى الاحتفال بالفتيات، فرصة تجعل الناس يتناقشون ويراجعون أنفسهم وعلاقتهم مع التراث والعادات والتقاليد التى تحدد نظرة المجتمع نحو الفتيات، وأسباب التمييز ضدهن الذى يؤدى لكوارث كالتحرش والاغتصاب، ولكنه فى نفس الوقت يخشى أن يكون هذا الاحتفال مجرد شكل من أشكال إبراء ذمة من الأمم المتحدة، نتيجة لما نراه من أشكال التمييز.

كمال قال: إن الاحتفال بالبنت  ولكنه منهج حياة، تعلمه من تكوينه الشخصى الذى يدين فيه لجدته التى ربت 10 أبناء، وأمه التى كانت ترعى 15فردًا، ما انعكس على أسلوب تربيته لابنتيه من خلال المناخ الذى تربيتا فيه، إذ قرر منذ البداية أن بنتيه نسمة وندى ستكونان صديقتيه، واختار اسميهما الموحيين بالحب والإحساس بالمسئولية، والالتزام بالواجب الذى منحه لهن، فلم يوجه لهن كلمة خشنة يومًا، أو بعض التعاملات التى قد تكسر أنوثتهن، وتساءل: ماذا سيحدث لو تأخرت البنت فى الخارج قليلاً؟ أو طمعت فى قرشين زيادة؟ أو وقعت فى مشكلة عاطفية

نسمة مُدرسة لغة فرنسية، ماجستير من جامعة ستراسبورج بفرنسا، وندى ماجستير ودكتوراه فى اللغة الصينية بإحدى جامعات الصين، تعيشان معه فى صداقة دافئة، وهو مستمتع بالحياة التى يمنحانها له بوجودهما بصحبته.

 

 

 

توعية الأسر

الصحفية سميرة شفيق طالبت بتعميم فكرة الاحتفال بالفتيات بجميع محافظات مصر، كرسالة توعية للأسر التى تدفع الزوجة للمزيد من الإنجاب حتى تنجب الولد على حساب صحها، وعلى حساب تربية الأبناء أنفسهم، إذ اكتفت سميرة ببنتيها شهد وياسمين، اللتين دائمًا ما كانتا مصدر سعادة لها ولزوجها الفنان التشكيلى الراحل إيهاب شاكر، خاصة فى اللحظات التى كانت الأسرة تجتمع فيها حول مائدة الطعام أو فى مختلف المناسبات، بين الضحك والمرح والصخب كأصدقاء وليس كبنات لأم وأب.

وعلى عكس الفكرة السائدة بأن الوالدين ينجبان أطفالاً ليساعدوهم فى الكبر، ضحكت سميرة قائلة: حينما أنجبنا شهد وياسمين كان كل هدفنا أن نسعدهما بحبنا ونقف معهما بكل ما لدينا، وليس العكس، فلم نكن نريد أن نكون عبئًا على أحد ولا حتى بنتينا، بل دائمًا ما فكرنا كيف «نشيلهن» نحن وليس العكس، فنحن اللذان أنجبناهما لأننا نحبهما، فمنحناهما كل ما لدينا وكل ما يجعلهما فخورتين بنا.

شهد خريجة فنون جميلة، وياسمين خريجة الجامعة الأمريكية قسم مسرح، وتعمل حاليًا مديرة موارد البشرية، وتؤكد سميرة أنها فخورة بهما كأجمل هدية من الله، فهما البركة التى ملأت حياتها، فشهد لديها استعداد للتضحية بنفسها لكل محتاج، ولو على حساب تعبها، كما أنها تعلمت فن الرسوم المتحركة فى كندا، ثم تزوجت وتعمل حاليا معلمة فن فى مدرسة، كما أحترم شجاعة ياسمين، وقدرتها على تقبل تجربة التوحد الذى ولد به ابنها رضا شريف ذو الـ 16عامًا، وكيف تتعامل معه بصبر كملاك رقيق، وهنا ابنتها البديعة الذكية اللماحة، التى تبعث روح البهجة والسرور كما كانت أمها وخالتها فى حياتنا.

عصام أسعد، إخصائى تعليم الكبار، تمنى ألا يتحول الاحتفال لمجموعة أنشطة نتفنن فى تنفيذها يوم الاحتفال ثم نتجاهلهن طوال العام، حيث تحمل ذاكرته الكثير من قصص التقدير للبنات اللاتى تعامل معهن خلال مسيرة عمله فى محو الأمية وتعليم الكبار، حيث دائمًا ما كانت نسبة أمية الإناث أعلى من الذكور، كما هى حاليًا (حيث بلغت أمية الإناث 57.8 % من 18.4 مليون أمى لعام 2017).

إخصائى تعليم الكبار، يتذكر بنت اسمها زينب فى منطقة الزرابى بمحافظة أسيوط، وكيف تمكنت ببعض العلم والوعى من مقاومة عمل والدها فى السحر والشعوذة والزار، وبنت فى محافظة أخرى ساعدها فى محو أميتها، ثم فوجئ بها بعد 20 سنة طبية حاصلة على ماجستير ودكتورة فى تخصصها، ذلك إلى جانب نماذج كثيرة من البنات المكافحات اللاتى قابلهن فى استوديو التصوير لوالده.

عصام يحب إخلاص ساندرا ابنته ومثابرتها على الوصول لما تحب، مثل حبها للحيوانات، وكيف درست وتدربت وتعلمت بعض مهارات التمريض البيطرى لمساعدتها، كما يحترم فيها تحملها للمسئولية، وقدرتها على إدارة نفسها، ورغبتها الدائمة فى الفهم والتعلم الذاتى، وحب الاكتشاف والسفر، فلم تكن يومًا بنت «زنانة أو مزعجة».

ميراندا بشارة، كاتبة ومترجمة ومؤسسة مبادرة حادى بادى لأدب الأطفال، قالت إن التكريم يجب أن يكون مرتبط بالإنجاز؛ لكن الأطفال عمومًا لا بد أن يكرموا ويقدروا كأطفال، بغض النظر عن جنسهم وعملهم، فالإحساس بقبول الطفل يجعله يتقبل نفسه ويكتشف قدراته، ويتقدم، ويحقق أحلامه، ثم نقيمه فيما بعد حينما يكبر وينجز ويبدع، كما أن الاحتفال بالبنات مهم، حتى يعتاد المجتمع على وجود إبداعهن فى مختلف المجالات.

مؤسسة مبادرة حادى بادى، تقول: لم يتم تكريمى من قبل على نوعى كفتاة فى صغرى، وأهلى لم يفرقوا فى التعامل بينى وبين أخى مثلاً، وهذا ما أحاول فعله مع بنتى وابنى، فأشجعهما وأقدر مجهوداتهما، لكنى وُضعت فى هذا الموقف حينما قررتُ أن أكون أمًا، وتم تكريمى لأن الأعراف والتقاليد تلعب دورًا فى تمجيد دور الأم بمجتمعاتنا، نفس الحال حينما اخترتُ مشوارى المهنى الذى يضمن لى المرونة اللازمة فى حياتى كأم، وتركتُ بسببه العديد من الفرص!

تحمل المسئولية

أسامة ثروت، موزع موسيقى، نشر صورة ابنته على فيسبوك ودون تحتها: «(آن) بنتى وننّى عينى اللى مطلّعه روحى وهتجيب لى جلطة»، ولكنه حينما وصفها قال: «طموحة ومقبلة على الحياة، ومجتهدة فى دراستها بالثانوية، ودائمًا ما تعمل على تطوير نفسها، وكل هذا يشكل تحديًا أمام البنت المصرية»، ولهذا فهو يرى أن الاحتفال بتكريم البنت لفتة جميلة، تسهم فى رفع معنوياتها مساواة بالولد، وتُحمِسها للدفاع عن حقوقها كاملة، لتفرض على المجتمع أن ينظر لها كإنسان كامل قادر على الاختيار واتخاذ القرار.

عطيات فوزى، مسئولة الضيافة بإحدى الجمعيات الأهلية غير الهادفة للربح، أوضحت أن المجتمع انتبه لضرورة تشجيع البنات ومنحهن دفعة لتتحمل المسئوليات التى تقع عليها قبل وبعد الزواج، إذ إن البنت ذكية بالفطرة حتى يبدأ المجتمع فى إلباس فكرة الزواج برأسها، وكأنه يشل قدراتها ويسجنها فى مضمار الزواج والأمومة فقط، متناسيًا قدراتها الأخرى. 

وتقول عطيات أنها تكرم كل بنت اختارت طريقها سواء بالزواج والإنجاب أو بأى طريق يحقق سعادتها والرسالة التى جاءت الحياة لتعطيها، مع تحية كبيرة لابنتها ماجى التى تصفها بأعظم بنت فى الدنيا، حيث تجسد صورة المرأة الناجحة فى بيتها وعملها دون أن يجور دور على الآخر، فهى تمتلك قدرة هائلة على تحليل الأمور، ومنظمة، وحبوبة، وذكية، وتخاف ربنا، وغير مادية على الإطلاق، ومحبة لزوجها وأولادها.

أشرف ملاك، أعمال حرة، بمحافظة المنيا أشار إلى أن الفكرة جيدة جدًا، فالبنت نصف المجتمع وتحتاج للدعم، ولكن لماذا لا يكون هناك احتفال بالولد؟ فمن الخطر أن يشعر الولد الصغير أن المجتمع يكرم أخته ويتركه هو، فنحن هكذا نفعل معه ما فعلناه بالبنت قبلما نكرمها! نفس الحال فى بلدنا نهتم بعيد الأم وننسى عيد الأب، صحيح أن هذه المناسبات لم تجلب للبنت المصرية حقوقها، وجميعنا نعرف المشاكل التى تتعرض لها، لكن تمييز جنس على الآخر غير مقبول فى الحالتين.

ويتحدث عن ابنته بركسام، ويقول: تستحق الاحتفال بها طبعًا، فهى مؤدبة ولطيفة فى معاملتها مع الناس بدون تمييز، كما أنها مجتهدة فى عملها الذى تحبه كمترجمة لغة إنجليزية وتركية، وتكرس له وقتها وجهدها، بالإضافة لاستعداها الدائم لتعلم كل ما هو جديد فى الحياة.