الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
قصف عُمْر الشجرة

قصف عُمْر الشجرة

الضغط المرتفع إن أُهمِل قد يؤدى إلى نوبة أو ذبحة صدرية. وتسوُّس الأسنان إن تُرِك للسوسة ألهبت اللثة وأمرضتها وأوقعت السِّنَّة المعطوبة وما حولها. وضعف الإبصار إن أُغفِل نجم عنه ضعف شديد وربما ضياع الإبصار برمته. والأمراض والعلل تحب «اللمَّة» والعزوة. وليس هناك أروع من الحديث الشريف: «مَثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعَى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى». وهذا يعنى أن ضعف عضو ما من أعضاء الجسم يؤدى إلى تضامن بقية الأعضاء معه. وما جرَى فى جسد مصرنا العزيزة على مدار عقود بدأ بعلّة فى بعض أعضائها، وتُركت العلة (وربما كان ذلك عمدًا) فانتشرت واستفحلت وأصابت بقية الأعضاء. وعلى مدار نحو نصف قرن، والبعض يحاول أن يخفف من حدة الألم تارة، أو يعالج أعراض الأمراض تارة أخرى، لكن الأمراض متروكة لحال سبيلها. تزيد حينًا وتخفت حينًا، وتتحور مرّة وتثبت على فيروساتها الأصلية مرّة وآهى ماشية دون علاج حقيقى.



تقوم قومتنا مَرّة لأن حادثًا مروريّا وقع نتيجة سرعة جنونية أو سير عكسى أو فهلوة سخيفة فيقتل ويصيب عشرات. نصيح ونصرخ مطالبين بإنفاذ قانون ميت إكلينيكيّا اسمه قانون المرور، ونطالب بعلو الصوت ألا تصدر رخصة قيادة إلا بعد التأكد من تمكن الشخص من قواعد وقوانين وأخلاقيات القيادة، لكن ما هى إلا أيام قليلة حتى تتبخر المطالبات ونعود إلى الاكفتاء بالحوقلة على حال الفوضى المرورية.

وتقوم قومتنا على فتنة طائفية عرضت سيدة مُسنة للتعرّى والمهانة، فنطالب بتجديد الخطاب الدينى الإسلامى مما لحقه من خراب ودمار، ثم تهدأ الأوضاع بجلسة عُرفية أو مصالحة هيكلية، ونعود إلى الاكتفاء بالحسبَنة على حال الجهل الدينى السائد.

وتقوم قومتنا على فتيات يُقدمن محتوى ما على مواقع التواصل الاجتماعى يراه البعض مؤذيًا لقيمه ومهددًا لوجوده، فيهرع للمطالبة بإلقاء القبض عليهن حتى ترتدع بقية الفتيات ويلتزمن مقاييسه الشخصية فى السلوك والأخلاق، لكن هذا البعض نفسه لا يتأذى أو يشعر بتهديد وجودى حين يسب شبابٌ الدينَ فى الشارع أو يعرى رجال بأعينهم أجساد أى كائن أنثوى فى مجال رؤيتهم بمن فى ذلك المنتقبات. نرى هذا النفاق، فنكتفى بضرب كف على كف لهذا الفصام العجيب!

وتقوم قومتنا لأن مذيعًا تفوّه بعبارة عنصرية على بنات الصعيد، ونهبد هبداً مريعًا يدور فى فلك واحد لا ثانٍ له، ألا وهو «إحنا رجالة الصعيد جامدين جدّا ونساؤنا دُرّة عيوننا»، لكن الهَبد لا يتطرق إلى الفريضة الغائبة لدى نساء الصعيد ألا وهى ميراثهن الضائع والمستقر فى جيوب أقرب الأقربين من الرجال. ولا تقوم قومة هؤلاء لتسيُّد نساء الصعيد هرم الأميّة فى عموم البلاد. ولا تقوم قومتهم أيضًا لتزويج الطفلة فى الصعيد أو للإصرار على تشويه أعضائها التناسلية ضمانًا لشرف الرجل. والقائمة طويلة.

غاية القول، إن استئصال أفرع الشجرة المريضة لا يعالجها؛ بل يؤدى إلى المزيد من الأفرع الأكثر مرضًا مع قصف عُمر الشجرة قبل أوانها.