السبت 23 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قـال علـى رأى المـثل !

للمرأة فى الأمثال الشعبية حظ وافر، فالأمثال الشعبية تعدَّدت فى وصف المرأة والتقليل من قيمتها، ولأن المثل الشعبى يُعد من الموروثات التى تداولناها جيلًا بعد آخر فأصبح من البديهيات وأصبحنا نتعامل معه فى أحاديثنا ونستخدم «على رأى المثل» وكأنه ختم أو تصديق على ما يقال وإن كان فعالية وتأثير المثل الآن أقل بكثير عن ذى قبل، فاليوم تشعر المرأة بالمساواة، أثبتت نفسها فى مجالات مختلفة.. نجحت وتفوقت واليوم المرأة والفتيات لا يشعرن بأنهن أقل من الرجل، ولم يصبح «خلفة البنات عار ومذلة» كما كان يقال فى الأمثال سابقًا «لما قالوا لى دى بنية اتهدت الحيطة عليا».. مزيد من الأمثلة التى جسدت الفتاة أو المرأة فى صور ومواضع مختلفة فى السطور القادمة، وكيف تغيَّر سلوكنا والمفاهيم التى كانت تقلل من شأن المرأة. 



تحريض على العنف 

هناك العديد من الأمثال التى كانت سببًا لفترة زمنية معينة تسيء إلى النساء وتحرّض على العنف تجاه البنات مثل «اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24» وهنا عزز المثل لمفهوم إن الفتاة لا بُد من التعامل معها بعنف حتى يتم تقويمها، فى حين شارك مثل آخر بوصف الفتاة بأنها عنزة «واللى عنده معزة يلمها» ويعنى المثل أن يحافظ ولى الأمر على بناته من التسيب، وأكد مثل آخر على قوامة الرجل وضرورة وجوده فى حياة المرأة لأنه المراقب والمحاسب فقالوا قديما «الرجالة غابت والستات سابت»، فيما أساء مثل «يا جايبة البنات يا شايلة الهم للمات» خلفة البنات، ونعتهن بالهم، وحتى إن كبرت البنت وتزوجت لن يتركوها فى شأنها بل قالوا «جوزتها عشان تتاخر راحت جابته راخر» وهو تأكيد على أن البنات هَمُ وحمل كبير حتى وإن تزوجت ستكون عبئًا هى وزوجها!! 

وإذا كان الشخص سيئ الحظ ولديه أكثر من بنت فيا ويله، لأن «عقربتين على الحيط ولا بنتين فى بيت»، وحمل مثل آخر المرأة المسئولية كاملة عن هروب الزوج من عش الزوجية وقالوا «اللى مراته مفرفشة يرجع بيته من العشا»، حتى إن لم تتزوج تصبح هى السبب لأن «من كتر خطابها بارت»، وإذا كانت بها أى صفة سيئة فأكيد السبب الأم «اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»، لن ترحم الأمثال المرأة حتى فى شكلها ووصفها وكأن لها يدًا فى هذا «الحلوة حلوة لو صحيت من النوم والوحشة وحشة لو غسلت وشها كل يوم» ولكن الرجل «ميعيبهوش إلا جيبه» أما «الطويلة تقضى حاجتها، والقصيرة تنده جارتها». 

وإن تطرقنا إلى أكثر من ذلك فلن ننتهى لأن أغلب الأمثال كانت المرأة محورها وللأسف كانت خلفة البنات لفترات طويلة عارًا وتتسبب فى طلاق العديد لأنها «جابت بنت»، على الرغم من أن  البنت اليوم أصبحت بـ «100 راجل». 

عيب الأهل !!

الدكتورة شيرين شوقى، استشارى الإرشاد النفسى والأسرى، توضح أن العيب ليس فى المثل، بقدر ما هو فى الأهل، فتداول الناس فى الماضى تلك الأمثال أثر ذلك على سلوكهم وتكوين فكر غير لائق حول البنات، وأصبح تكرار المثل يترجم فى أفكارنا ويدخل فى اللاوعى فنستخدمه ونطبقه وكأنه أمر مُسلَّم به، وطبيعى عندما يستخدم الأهل تلك الأمثال يعنى تصريحًا واضحًا منهم على إيمانهم التام بالمثل وبالتالى يؤثر ذلك فى نفوس أهل البيت فيعزز ثقة الأولاد فى أنفسهم ويقلل من شأن وثقة الفتاة.

وتتابع استشارى الإرشاد النفسى والأسرى: لفترات طويلة كانت الفتاة تعانى من عدم الإحساس بالثقة وإنها «مكسورة الجناح» ولا بُدّ أن يكون معها رجل وسند يسندها «ضل راجل ولا ضل حيطة» وكل هذا بسبب تعامل الأهل مع المثل على إنه حقائق أى لن يستخدموا المثل فقط بل نفذوه وطبقوه على حياتهم فأصبح للولد كامل الحرية أن يأتى متأخرًا للمنزل ولكن البنت عيب، وأصبحت البنت لابُد أن تخدم أخاها، وأن «مسيرها لبيت جوزها» وهكذا.

وتوضح الدكتورة شيرين شوقى، إن إيمان الأهالى بالأمثال جعل تفكيرهم مغلوطًا وطبقوا ذلك حرفيًا فى التفرقة بالمعاملة ما بين الجنسين، وعادة التنشئة هى السبب فالأسر التى تعزز من البنت وتتعامل على أن البنت زى الولد وتفتخر بإنجاب البنات، وتتفانى فى تعليمها وإعطائها حرية مسئولة تجد مفاهيمهم مختلفة تماماً وعقليتهم مختلفة تجاه البنت، واليوم لا نعانى من إحساس المرأة بضعفها أو إنها ليست على قدر من المساواة مع الرجل إلا فى المستويات الأقل حظاً فى التعليم والجانب الاجتماعى، وحتى تتغير سلوكيات المجتمع تجاه المرأة ولا يتعاملون معها بدونية فلا بُد من دعم المؤسسات والأسرة للبنت . 

تحوُّلات اجتماعية

الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، ترى أن سمة المجتمع التطور، فمن المؤكد إن تلك الأمثال التى حطت من شأن المرأة سابقاً، أصبح لا قيمة لها حاليا وذلك بالأدلة والبراهين وليس بمجرد أمثال، فالمرأة اليوم لها مكانتها فى جميع المجالات، وتقلدت مناصب مهمة وأثبتت نجاحها بجدارة، تفوقت على الرجل فى أماكن عديدة، وأصبحت المرأة اليوم ليست عبئًا على المجتمع ولا إنجاب الفتيات أصبح عارًا، وإن كان لاتزال هناك تفرقة قليلا فى الريف المصرى عن المدينة، فقيمة الولد عالية ولكن كل ذلك تلاشى مع بداية القرن العشرين لم يبخس بحق المرأة وذلك لأنها تعلمت ونجحت، بعدما كان دورها مقتصرًا على «خدمة الرجل» ومكانها فى البيت وبالتالى لا تكسب مالا مثل الرجل، بل كانت المرأة إحدى مقتنيات الرجل فكان يقال قديما «الرجل اللى قانيها» أى الرجل الذى يقتنيها، حتى إن كان هذا الرجل يعمل فى مهنة بسيطة كحارس عقار وعامل نظافة فكان له الأفضلية لأنه يكسب ويعمل ويأتى بالمال، ولكن مع التحولات الاجتماعية أصبحت المرأة تعمل هى الأخرى وتكسب بل أحيانا تخرج هى للعمل والرجل لا يجد وظيفة!

وتشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن الأمثال لم تصبح لها فعالية اليوم ولا يمكن تطبيقها على المرأة بعد ثورة التغيُّر التى حدثت فالمرأة اليوم تشعر باستقلالية للدرجة التى جعلتها فى أحيان كثيرة ترفض أوضاعًا غير مقبولة ومناسبة لها وتطلب الطلاق وتنفذ ذلك، ولكن ثورة التغيرات لها سلبيات وإيجابيات مثل أى شىء وأهم السلبيات أن نسب الطلاق زادت من دون أسباب قوية للمرأة فليس كل الحالات تستحق الطلاق وأدى ذلك إلى تفكك أسرى لذلك أصبح من المهم أن يتم إعادة تأهيل الجنسين قبل الزواج حتى نتفادى الصدام الثقافى بين النساء والرجال، لأن تفكك الأسرة يؤدى إلى تهديد للتماسك الاجتماعى.