الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
محاولــة فاشــلة لإعادة إحياء «عرّاب الخرّاب»!

محاولــة فاشــلة لإعادة إحياء «عرّاب الخرّاب»!

«تمخض الجبل فولد فأرًا».. هذا أفضل تعبير عن حالة من أضاع وقته فى قراءة مقال عراب الخراب، «المهزوز» محمد البرادعى، والذى جاء تحت عنوان «هل حانت لحظة التغيير فى العالم العربى؟»، واختص به منصة الفتنة الأولى فى الوطن العربى الجزيرة! الذى كشف بهذا المقال مدى ضحالة فكره وسطحية معالجته للأمور.



ما طرحه البرادعى يكشف بوضوح أنه مجرد طبل أجوف لا يحوى بداخله سوى خواء، بينما سقطت الجزيرة فى فخ جديد، بنشر مقال جاء خاليًا من أى مضمون، وربما لو أرسل المقال بدون اسم كاتبه، وعُرض على صفحة الرأى فى أى جريدة أو موقع إلكترونى لترددت ترددًا كثيرًا فى قرار نشره.

مقال البرادعى الأخير أضعف من أن يصنف على أنه رؤية تحليلية لخبير، وأقل كثيرًا من أنه قد يحمل طرحًا مبتكرًا أو حلولاً لما تعرفه منطقة الشرق الأوسط من مشكلات، لكن المؤكد أن المقال أعاد كشف عورات البرادعى.. التى لم تستر بعد.

تاجر الشعارات القديم

قدم مقالاً خاويًا ببضع أفكار مبتورة من رؤى، مكتفياً بأن يلعب- كالعادة- دور المنظر، لكنه فى محاولته هذه عجز (كالعادة) عن الانتقال من ضفة التنظير إلى ساحة الفعل والعمل والتطبيق.. والواقع.

من يدقق فيما يطرحه الخطاب القطرى على مدى السنوات الماضية، وبتحليل سريع لمحتوى مقال البرادعى، سيدرك بسهولة مدى التطابق بين الخطابين.

فالدعوة إلى التقارب مع تركيا وقطر، هى بند ثابت على أجندة الخطاب القطرى فى مختلف المناسبات، وبالرجوع إلى الخطابات التى ألقاها أمير قطر فى القمم العربية والخليجية على مدى السنوات الأخيرة، هو نفسه ما كتبه البرادعى فى مقاله. هذا يعنى أن دوران البرادعى ومقاله فى فلك «الكفيل» القطرى، الذى يسعى حاليا إلى تكريس فكرة أنه خرج منتصرًا من أزمة المقاطعة العربية لبلاده، إضافة إلى أنه يقدم تنازلات تذكر فيما يتعلق بعلاقاته بإيران وتركيا.

تحليل المشهد وطبيعة التغطية (الصاخبة) التى قدمتها «الجزيرة» احتفاء بالمقال الأكذوبة، تشير إلى أن تلك الفرقعة الجوفاء، الآن بالتحديد، كانت مطلوبة لأهداف أكبر من مجرد مقال لرجل تجاوزه الزمن، وأدبر الناس عن بضاعته الكاسدة، بعدما اكتشفوا أنها سم تخفيه الشعارات المعسولة، فلجأ تاجر الشعارات القديم إلى التفتيش فى دفاتره القديمة.

وهكذا أخرجت «الجزيرة» البرادعى من جرابها السحرى، وحاولت نفض الغبار الذى غطى سيرته بعد سنوات قضاها فى قبو النسيان، مكتفيا بـ«التتويت» من مساكنه الفاخرة فى قلب أوروبا!

عودة «فئران السفينة»

التوقيت ربما يكشف بعضًا من ملامح الصورة، فكلا الطرفين – الجزيرة والبرادعى - يحاول الخروج من «جحره» بعد فترة هروب تحت الأرض خلال فترة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب.

ومع تغير دفة القيادة لتستقر فى يد إدارة جديدة، تصور «فئران السفينة» أن تلك هى اللحظة المناسبة للخروج مجددًا إلى واجهة المشهد. يحاول كل طرف إذن أن يقدم قرابين العودة إلى ساكن البيت الأبيض الجديد. البرادعى يحاول أن يذكر الإدارة الأمريكية بنفسه، على طريقة الرسائل المشفرة بفيلم «مافيا»: «الفرعون العاشق جاهز للاحتفال».. بينما «الجزيرة» تحاول أن تعيد عجلة الزمن إلى الوراء عشر سنوات كاملة، فلربما تستعيد ذاكرة التأثير فى شارع عربى سقطت فيه قبل سنوات وكشفها.

مناضلو الشاشات الزرقاء

لم يقدم مقال البرادعى شيئًا يذكر على مستوى الفكر أو الطرح، إضافة إلى أن تلك الزفة الكاذبة التى أقامتها «الجزيرة» فى محاولة لإعادة إحياء «المهزوز» إلى المشهد لم تفلح فى «تعويم» الرجل أو إعادة حشد دراويشه الذين سبق وحملوه على الأعناق، وقدموه للشباب المخدوع فى 2011.

لكن تلك «الزفة» كانت مفيدة لتكشف المزيد من الحقائق التى ينبغى التوقف أمامها وتأمل رسائلها. فرغم الاحتفاء الكبير بالمقال الخاوى على مواقع ومنصات قطرية، فإن الملاحظ استقبال العديد من قيادات وعناصر جماعة الإخوان الإرهابية فى الخارج للمقال بإهانات وشتائم تليق حقيقة بالطرفين (الشاتم والمشتوم).

فالإخوان لم ينسوا أن البرادعى كان يومًا ما أحد وجوه جبهة الإنقاذ الوطنية التى شاركت فى ثورة 30 يونيو، وتولى البرادعى فى تلك المرحلة منصب نائب رئيس الجمهورية المؤقت قبل أن يستقيل دعمًا للإخوان عقب فض اعتصام رابعة والنهضة، وبالتأكيد مجرد عودة البرادعى إلى المشهد يقلب الكثير من المواجع على أتباع «المرشد»، ومن ثم فقد قابلوا تلك العودة الهزيلة بحملة هجوم عبر منصات التواصل الاجتماعى، حفلت بالكثير من الاتهامات والانتقادات، ووصلت حد الشتائم والإهانات.

على الجانب الآخر، لم يكن شباب ما يسمى بـ«الربيع العربى» أكثر تسامحًا مع «البوب» العائد للمشهد بعدما خذلهم وتخلى عنهم فى كل مرة تصوروا أنه سيكون قائدهم وزعيمهم، بل ورطهم فى مواجهات وخسائر فادحة، وآثر فى كل مرة الانسحاب والتوارى فى عزلته فى أوروبا، والاكتفاء بأن يلقى إليهم بعضًا من «تويتاته» علهم يحفظون الود القديم. لكن ما لم يدركه «البوب» العائد أن هؤلاء الشباب لم يعد ذلك الشباب الذى تخدعه كلمات جوفاء عن الإصلاح والديمقراطية والبحث عن الهوية، وغيرها الكثير من «مخدرات الكلام» التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، وأن ذلك الشباب أدرك عبر عشر سنوات أن بناء الأوطان يحتاج إلى جهد وعمل وإخلاص ومواجهة حقيقية للتحديات على أرض الواقع بالدم والعرق والجهد، وليس بالكفاح والنضال خلف الشاشات الزرقاء.

ربما لذلك كان استقبال كثير من شباب البرادعى زمان، لمقال البرادعى الآن فاترًا متجاهلاً.. وربما مشمئزًا.

فليبدأ بنفسه!

لوجه الإنصاف، فإن مقال البرادعى حمل أمرًا واحدًا لا يمكن أن يختلف أحد حوله، وهو قد أحسن، إذ جعل الدعوة «للتغيير» عنوان مقاله. فقد حان فعلاً أوان التغيير فى العالم العربى، وأول ما نحتاج إلى تغييره هو تلك الوجوه التى منذ ظهرت فى أفق حياتنا، ولم يعرف العالم العربى على يديها سوى الخراب والانقسام وتفشى الإرهاب والتطرف وتفكك الأوطان.

آن أوان التغيير بأن تختفى تلك الوجوه التى تاجرت بمصائر الناس وباعت لهم الوهم، وقايضت حياتهم واستقرارهم ودماءهم مقابل أحلام زائفة روجها فاشلون مهزوزون لا يقدرون على تحمل المسئولية أو الصمود فى ميدان المعركة، يولون الأدبار عند كل خطر، ويؤثرون سلامتهم على سلامة الأوطان، يهربون عندما تحاصرنا العواصف، ويخرجون من الجحور عندما يبدأ الناس فى تضميد الجراح.

حقًا آن أوان التغيير وأن تتوقف حروب طواحين الهواء التى أشعلها من يتحدث البرادعى باسمهم، ويغازل نفوذهم، وتستضيفه منصاتهم، وتروجه له أبواقهم.

من مقال البرادعى بدا أنه لم يحُزْ للآن جرأة الاعتراف بأنه واحد من المسئولين عن محاولات إلقاء شعوب بريئة وأوطان كانت آمنة فى أتون الحروب الأهلية لخدمة مشروعات مشبوهة يحاول اليوم أن يروج لها كحل لأزمات المنطقة!

إن كان البرادعى حقًا صادقًا فى دعوته بأنه قد حان أوان التغيير، فليبدأ بنفسه، وليخرج هو وكل من على شاكلته من المشهد وإلى الأبد.