الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

روى اللحظات الأخيرة فى حياة والده

غسان رحبانى لصباح الخير: علاقتى بفيروز رائعة ولا خلافات مع أولاد عاصى

يحمل غسان رحبانى إرثًا عظيمًا من زمن جَميل ورثه عن أبيه الموسيقار العظيم الراحل إلياس الرحبانى، الذى تربع على عرش الأغنية والموسيقى العربية مَا يَرْبُو عَلَى ستة عقود من الزمن كأمير متوّج لا ينازعه على سدة الإمارَة منازع. غسان ملحن ومغن غزير الإنتاج، حامل جينات العبقرية الرحبانية بامتياز مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ، كما أنه أحد روّاد موسيقى «الهافى ميتال» فى العالم، والذى تمكن بصوته الفريد وألحانه المميزة من اكتساب جمهور كبير من مختلف أنحاء العالم، وفى حوار الذكريات غصنا معه فى تفاصيل زمن مختلف، زمن مغاير فى فضاء مغاير معنون بالحلم، وإن صح القول زمن جميلً، وقد أجدنى لا أملك إلا أنّ أترك له المساحة كاملة، فلا أزاحمه، حتى يحلق بنا فى فضاء عالم من الجمال.



• نعود بالذاكرة إلى الوراء لاستنهاض تفاصيل البدايات الأولى، عن تلك المشاهد التى مازالت عالقة فى أعماق نفس الفنان غسان الرحبانى والمختزنة فى ذاكرته والتى قد يستدعيها فى أحيان كثيرة، وهنا أقصد بالتحديد تلك المشاهد المتيقظة دائماً بذاكرتك والمتعلقة بطقوس البدايات الفنية الأولى، بكل تفاصيلها السحرية وجموحها وعنفوانها وجمال إيقاعها.. كيف كانت؟

- «لقد دأب الوالدان على أن يسجلوا لى صوتى على جهاز تسجيل، بدءًا من عمر سنة حتى عمر أربع سنوات، وأذكر فيما أذكر أننى قمت فى سنّ الأربع سنوات بتأليف وتلحين أغنية متكاملة، وكانت باللغة الإنجليزية، على الرُغم مِن كونى لم ألتحق بالمدرسة بعد لعُمرى المُبكر، لذا كانت كلماتى تكاد تكون غير مفهومة، على الرغم من كون اللحن كان متكاملاً من حيث المذهب والمطلع، ومن المفارقة أننى عندما كبرت أعدت اللحن بعد إضافة بعض اللمسات وأَعطيتُهُ لفريق «الفور كاتس»، لكن بالتأكيد الكلمات كانت مصاغة بالعربية. فى عمر الست سنوات اصطحبنى الوالد إلى أستاذ لتعليم البيانو، وبدأت أتلقّن دروس تعلُّم البيانو، وتقدمت فى العزف، وفى عمر العشر سنوات، بدأت فى تأليف الأغانى على البيانو، وبدأت فى التسجيل على جهاز الكاسيت، ثم تعلمت تقنيات هندسة الصوت، وأذكر أنى كنت أذهب مع والدى إلى الاستوديو فى بيروت، وبدأ الوالد يدربُنى على هندسة الصوت، بالتوازى مع التأليف الموسيقى.

• يمضى الإنسان خلال رحلة حياته بعِدة مراحل، ولِكلِ مرحلةٍ محطة بصمة لا يمحوها عصف الزمان، فماذا عن أبرز المحطات فى حياة غسان الرحبانى؟

«اجتازت حياتى محطات كثيرة ومتنوعة، اختلفت وتنوعت باختلاف سنوات عمرى وتبقى المحطة الأولى هى الأعمق فى مسيرتى الفنية، وانطوت نقطةَ البدايةِ الفعلية بها، فى اللحظة التى عرضت فيها على والدى رغبتى الملحة فى تأسيس وتكوين فرقة موسيقية مع أصدقائى، تندرج تحت نوع موسيقى ”Hard Rock“، وبدأت أولى خطوات تحقيق الحلم، وأطلقنا على الفرقة اسم «الضباب المتوحّش»، وكان ذلك فى العام 1983، وقد مد الوالد يد العون إلينا وساعدنا حتى يتسنى لنا عمل هذا الحفل بالشكل اللائق، وتبقى المحطة شديدة الأهمية فى مشوارى الفنى هى مسرحية «هانى بعل» التى كتب كلماتها وقمت بتلحينها وعرضت عام 1996، حيث لاقت أصداء إيجابية وإشادات واسعة فى لبنان وفى قرطاج، وأسندت بطولة المسرحية للفنان الكبير غسان صليبا.

 • حدثنا عن تأثير بيت الرحبانية على شكل تكوينك الفنى، بما تملكه من عنصرالإبداع؟

ـ تأثرت بوالدى إلياس رحبانى كثيرًا، كنت أرى مايقوم به الوالد والأخوان رحبانى لفيروز ولغيرها من المطربين لأن الوالد انفرد ببداية الموسيقى الصامتة بالشرق الأوسط من غير مطرب، وهذا كان السلاح الذى برع فى استخدامه ونجح فيه، ورغم تأثرى بوالدى، فإننى أردت أن تكون لى بصمتى الخاصة وليس استنساخًا للوالد أو عمومتى. لقد رأيت نفسى فى الموسيقى الغربية لأننى كنت أدرس ومضيت بها سنوات طويلة وهنا بدأ التكوين الفنى.  •  نراك تنأى بنفسك فى خوض مضمار صراعات وتجاذبات أبناء الأخوين رحبانى التى حدثت مؤخرًا، بل على العكس، نجدك تحاول دائماً أن تبقى على مسافة واحدة من الجميع، هل ذلك نابع من كونك ترى أن اجتثاث الخلافات هو الأجدى، أم نباع من كونك شخصية هادئة لا تنزع للصراعات والخلافات بطبيعة تكوينها؟ وماذا عن علاقتكم بالسيدة فيروز لك أن تحدثنا عنها؟

- إذا أردت سوف أجيب القسم الأخير من السؤال.. علاقتى بالسيدة فيروز علاقة وطيدة جدًا ومع العائلة كلها علاقة وطيدة وريما وزياد إلى جانب أبناء عمى ليست لدىّ مشكلة مع أحد علاقة عائلية طبيعية متماسكة».

• تداولت وسائل الإعلام تصريحًا لكم مفاده أن معهد إلياس الرحبانى للموسيقى له أولوية قصوى لديك، فأين وصلت الأمور؟

- «معهد إلياس الرحبانى للموسيقى والغناء هو الأساس بحياتى، أسست هذا المعهد منذ ستة أعوام بدبى، وفرعً آخر فى بيروت، وفرعً ثالثً بطرابلس، وعندما نطلق اسم إلياس الرحبانى على المعهد، فلابد أن نكون على قدر المسئولية، الأمر الذى يعتبر سيفًا ذا حدين إذا لم نجد استخدامه، نحن نقدم الغناء الشرقى الأصيل الطربى، والغربى المودرن، الغناء الغربى الكلاسيكى وجميع الآلات الموسيقية، ونمنح الدارسين شهادات معتمدة، أما عن مشروع التليفزيون والإذاعة فهو مجمد حاليًا.

• ماذا عن إشكاليَّة خلافكم أنت وريما الرحبانى مع مهرجانات بعلبك؟

-تكمن الإشكالية فى عدم ذكر اسم فيروز ضمن مهرجانات بعلبك الدولية، لأن الليالى اللبنانية هى الأساس، فعندما تذكر السنين والحفلات والفنانين الذين مروا على بعلبك، كان من المفترض أن يذكر نجوم العرب قبل ما يذكر الموسيقيون العالميون الذين أتوا إلى بعلبك، علاوة على كون مسرحيتى أنا والفنان ملحم بركات ومن الحب ما قتل عام 2010 لم يذكروها من ضمن الأعمال التى مرت على بعلبك، وهذا بالنسبة لى شبه مؤامرة لإخفاء وجودنا من قائمة الفنانين، إضافة إلى أسباب أخرى لن أخوض فيها.

• ماذا أردت أن توصل لجمهورك من أغنية لسه فاكر التى حققت نجاحًا مبهرًا على مدار الأيام الماضية؟

- هى تذكير بأغنية كوكب الشرق أم كلثوم « لسه فاكر» قصدًا، بانعكاس على الواقع اللبنانى، لسه فاكر، كيف كنا نعيش، قبل تدهور قيمة الليرة، وارتفاع سعر الدولار، كيف كان يعيش اللبنانيون فى راحة تامة، وعندما اجتاحت الأزمة الاقتصادية وألقت بظلالها الوخيمة على اللبنانيين، رفض اللبنانيون الاعتراف بهذا الواقع والتأقلم معه، لذلك جاءت كلمات الأغنية لسه فاكر من زمان مش من زمان بعيد، ولقد اعتمدنا فى تصوير فيديو كليب على مقاطع تظهر طاولة طعام مقسومة: نوع من اللبنانيين تقبل الواقع المرير ونوع آخر لم يتقبله.

• تتزامن الذكرى الثانية عشرة لرحيل منصور الرحبانى مع رحيل شقيقه الموسيقار الكبير إلياس الرحبانى الذى تربع على عرش الموسيقى العربية مَا يَرْبُو عَلَى ستة عقود كيف ترى رحيله كابن بار وكتلميذ مخلص لمعلمه؟

-مازلت غير مستوعب ما حدث بالفعل، أو بالأحرى مازلت فى فترة الصدمة، فهو بالنسبة لى لم يرحل أبدًا، وأعتقد أنى عندما أقتنع أنه رحل، فسوف أتحول إلى إنسان غير طبيعىّ، لذلك أفضل أن أتخيل أنه موجود حتى أظل إنسانًا طبيعيًّا.

• هل لك أن تتذكر لحظاتك الأخيرة مع والدك إلياس الرحبانى قبل نقله إلى المستشفى فى رحلته الأخيرة؟

 - «عند تعرض الوالد والوالدة للإصابة بفيروس كورونا المستجد، ولأن الاستوديو كونه يقع على نفس المبنى الذى به المنزل، فقد منعتنا الوالدة من الصعود لأعلى حتى لا نُصاب بالعدوى، وأصبح المتاح لنا فقط هو الذهاب إلى الاستوديو، ونتيجة لذلك قمنا بفتح خط ساخن فيما بين الاستوديو والمنزل، حتى يتسنى لنا أنا وأخى جاد الاطمئنان عليهما بين اللحظة والأخرى، وبدأنا فى الشعور بتحسّن فى حالة الوالدة، وفى موازاة ذلك انتكاسة كبيرة للوالد، مما تطلب منا أن نحضر إليه فى المنزل الأوكسجين، لكنه بكل أسف لم يتحمّله، وبعد مضى أكثر من خمسة أيام، وعندما انخفضت مستويات الأكسجين فى الدم، اضطررنا إلى نقله إلى المستشفى، وعندما حضرت سيارة الصليب الأحمر اللبنانى لنقله إلى المستشفى، قلتُ لأخى أريد أن أراه عند مدخل البناية قبل أن ينقلوه فقال لى أخى أنه لا يتحمّل أن يرى هذا المشهد، فقلت له أنا أيضًا مثلك لا أستطيع أن أتحمل أن أراه فى مثل هذا المشهد، لكننى لابد من أن أراه.

وعندما أنزله المسعفون من المنزل، ثم وضعوه على حمالة ودفعوا به نحو السيارة، فى تلك اللحظات الخاطفة التى كانت تربطه بالحياة، كان يتطلّع إلىَّ بشدة، وقد تحولت تلك الابتسامة التى كانت تفترش وجهه دائمًا إلى أسى شديد، وكأنه يريد أن يقول: لماذا تفعلون بى هكذا؟ لكنه لم يكن يملك القوة ليعبر عن نفسه، بينما أنا كنت أمسك قدمه وأربت عليها بحنان بالغ، فِى محاولة لطمأنته، وللأسف لم يسمحوا لى بالاقتراب منه أكثر من ذلك، هكذا كانت اللحظات الأخيرة، كانت تلك آخر مرة أراه فيها.

•  هل سنرى لكم أعمالاً جديدة هذا العام وما الرسالة التى تود توجيهها لجمهورك فى لبنان ومصر والعالم العربى؟

 - ليس لدىَّ مخطط بشكل عام حتى الآن، رغم كون العام 2020 كان الأكثر غزارة بالنسبة لى، الإنسان يخطط عندما يكون بكامل الراحة النفسية ليعمل.