الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الذين لم يـشاهدوا ليالى الحلمية

ريشة: عمرو الصاوى
ريشة: عمرو الصاوى

على نفس صفحات هذه المجلة قبل عدد من السنوات لم أعد أتذكره، كتب ناقدنا الكبير الراحل محمد الرفاعى ينتقد التليفزيون المصرى فى ذلك الحين لأنه يعرف برنامج «كنوز مسرحية» بعد الثانية صباحا، وهو موعد لا يناسب سوى العواطلية على حد تعبيره الساخر فى مقاله الشهير «قضية فنية»، هذا التعبير جلب لى السخرية فعلا داخل المنزل فقد كنت من مريدى هذا البرنامج الذى كان يعرض مسرحيات الستينيات التى لا يعيد التليفزيون عرضها إلا نادرا، الآن وبعد قرابة عشرين عاما وأكثر من نشر المقال أجدنى ألجأ إليه ليكون الفكرة الذى أشارك من خلالها فى ملف يسلط الضوء على شرخ كبير حدث فى الثقافة الجمعية للمصريين، بعدما نشأ جيل جديد لا يعرف عبد الوهاب وأم كلثوم . 



دائما ما أقول لمن يدخل المهنة من الجيل الجديد مواليد ما بعد عام 1990، أنه من حسن جيلى أننا جمعنا بين الحسنيين، الأرشيف الورقى وجوجل، هم فقط تعاملوا مع جوجل وويكيبديا وفيس بوك وغير ذلك من مخترعات التواصل الاجتماعى الحديث.

ونحن لم نكن نكتفى بالأرشيف الورقى فقط، بل بكل أنواع الأرشفة، خصوصا التليفزيونية، قلة عدد القنوات فى ذلك الحين، وجودة المعروض سمحت لنا بتكوين مخزون معرفى قد لا يكون عظيما بالنسبة لمجايلينا من هواة القراءة اليومية والاطلاع على الثقافات الأجنبية لكنه وفر لى شخصيا الحد الأدنى من المعلومات والمعرفة التى تؤهلنى للعمل فى الصحافة.

لهذا كنا لا نفوت كل البرامج الأسبوعية التى تعرض أفلاما ومسرحيات وحوارات قديمة. كنا نشترى الصحف لنقرأها كلها حتى الإعلانات المبوبة، وكلما سمعنا عن كاتب أو فنان ممن سبقوا كنا نسعى لنعرف عنه ولو القليل حتى نكون مستعدين للكتابة عنه إذا سمحت الظروف.

 برامج الراديو الصباحية والتليفزيون المسائية، الندوات، المجلات، أرشيف الصحف ودار الكتب، كل ذلك سمح لنا بتكوين رصيد معرفى لم أتوقع أن تدخل الأجيال التالية لنا إلى بلاط صاحبة الجلالة بدونه، وقس الأمر نفسه على باقى المهن والتخصصات.

فكونك مهندسا أو طبيبا أو محاسبا، لا يعنى ألا تعرف شيئا عن تاريخ بلدك وثقافتها وتكون صيدا سهلا لم يسخر من قوتك الناعمة ويعتبر الحديث عنها مبالغة شوفينية لا حقيقة واقعة تعيد تجسيد نفسها كلما حانت الفرصة ورغم كل التراجع الثقافى الذى نعانى منه. 

أول صدمة 

كانت صدمتى الأولى فى هذا الشأن عام 2008، وسط مشروع يعمل على صناعة مضامين مرتبطة بالمحتوى التليفزيونى، الاعتماد طبعا يكون على الخريجين الجدد، فتيات وشباب تجاوزوا الثانية والعشرين من العمر، لكن إحداهن لم تتفهم سبب دهشتى عندما قالت بدون خجل أنها لم تشاهد مسلسل «ليالى الحلمية» ولم تجد فى استيائى ما قد يدفعها لمشاهدته.

ما لم أدركه وقتها أن الفجوة كانت قد بدأت قبل عدة سنوات، وأن الجيل الذى بدأ مع ظهور قنوات الستالايت، لم يكن مثلنا يطارد المسلسلات الشهيرة عبر القنوات المحلية، وإنما ذهب ليشاهد مضامين أخرى نعتبرها نحن غريبة عنا وغير ممتعة، جيل يمكنه أن يتكلم بانطلاق على أفلام هندية ومسلسلات تركية وحلقات كارتونية لم يفكر جيلى أبدا فى التعرض لها.

ولم يحرصوا هم على أن يوازنوا بينها وبين المضمون المصرى ولا أن يستعيدوا الكلاسيكيات ليعرفوا منين بيجى الشجن ومنين بيجى الرضا وغير ذلك مما جاء فى تترات ليالى الحلمية وأرابيسك والشهد والدموع وزيزينيا والمال والبنون ولا تغلق القوس فالعدد أكبر من أن نحصره بين قوسين.

تلا الستالايت ظهور السوشيال ميديا، فازدادت غربة هذا الجيل إلا القليل منه، لكن الأزمة بالنسبة لى لم تكن ثقافية فقط بل مهنية أيضا. 

أزمة كبيرة 

أزمة مهنية لأنه لا يمكن أن تعمل فى صناعة المحتوى الفنى والثقافى،  وتريد أن نطالبك فقط بالكتابة عن مجايليك، لا يمكن أن يكون الأدب بالنسبة لك هو أحمد مراد ومحمد صادق، والفن هو نجوم جيل الإنستجرام وما بعد جيل محمد هنيدى.

ولا يمكن أن يكون الغناء هو ما استمعت إليه لأول مرة فور نزوله أما ما سبق فأنت كمحرر وصانع محتوى غير مسئول عنه.

أزمة كبيرة تجمع دائما بين الشجن والسخرية، عندما مثلا تجد أحدهم لا يعرف أن سميرة أحمد شقيقة الراحلة خيرية أحمد وأنهما ليستا من أقارب مها أحمد!، أو أن آسر ياسين ليس نجل محمود ياسين، نعم هناك من كان يصدق تلك الشائعة حتى بعد وفاة الفنان الكبير، بالتالى تحدث أخطاء فادحة تجعلنا نضرب كفا على كف ونسأل عن باب الخروج من هذه الأزمة التى تبدو مستحيلة بل تزيد وطأتها مع دخول مواليد ما بعد عام 2000 الذين لا يجهلون فقط مشاهير الفن والثقافة بل اللغة العربية بأبسط قواعدها ! 

أصبح جزءا من عناصر تكوين أى فريق عمل فى أى مشروع بحثى أو صناعة محتوى أتصدى له هو محاولة زيادة المخزون الثقافى للعاملين به، حدث هذا بعد الاقتناع أن التعبير عن الدهشة والاستياء وحده لن يكفى.

فمواليد ما بعد عام 1990 ليسوا فقط مسئولين عن تلك الحالة، أى حالة الجهل بالمشاهير والمثقفين والأحداث الجسام فى تاريخ بلدنا.

انما هم ضحية تراجع النظام التعليمى،  وعدم اهتمام الأهل بالثقافة العامة، واجتياح مواقع التواصل للمجتمع  دون أى استعداد مسبق، فوصلنا لتلك الحالة التى رغم كونها تدعو للتشاؤم.

لكن من بين أبناء هذا الجيل من هو مستعد فعلا للحاق بركب الكبار، صحيح أن العلاج سيحتاج وقتا لكن كما يقول عمنا سيد حجاب لا بد من بكرا اللى طال انتظاره، ده مهما طال الليل بيطلع نهاره.