الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

دولة الستر والصحة

بدء تطبيق منظومة التأمين الصحى فى مصر على الجميع ثورة حقيقية
بدء تطبيق منظومة التأمين الصحى فى مصر على الجميع ثورة حقيقية

«الستر .. والصحة».. كلمتان بسيطتان، لكنهما كافيتان ليعبر بهما أى مواطن مصرى عن أغلى أمانيه. لا فرق هنا بين غنى وفقير.. وزير وغفير.. فحلم الجميع بالنعمتين سواء.



الجوهر الحقيقى للستر  هو الصحة والحفاظ عليها بالعلاج دون أن تنزف كرامتك.

لا بد أن نستعيد تلك الحقائق ونحن نتأمل ما تقوم به دولة 30 يونيو فى ذلك القطاع الحيوى، والشائك، والصعب.. قطاع الصحة.

 

فعندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى خطاب توليه المسئولية لفترة رئاسية ثانية، شعارًا كبيرًا لتلك المرحلة هو «إعادة بناء الإنسان المصرى»، وحدد بدقة مرتكزات تحويل ذلك الشعار إلى واقع، يومها تحدث الرئيس تحديدًا عن مرتكزين أساسيين هما الصحة والتعليم.

كان إعلانًا عن قدرة وإصرار دولة 30 يونيو على تحقيق أحلام المصريين، فرغم عظمة كل ما أنجز خلال الفترة الرئاسية الأولى من مشروعات قومية عملاقة، فى مقدمتها قناة السويس الجديدة والمدن العملاقة، والمشروع القومى للطرق وغيرها، وهى كلها مشروعات أعادت للإنسان المصرى ثقته فى نفسه وفى قدرته على البناء والتعمير، كما أعادت تلك الإنجازات بريق صورة مصر أمام العالم، فإن كل تلك الإنجازات الهائلة ستبدو بسيطة مقارنة بما أعلن الرئيس وقتها عما ينوى اقتحامه فى الصحة والتعليم، فقطاعات بحجم الصحة والتعليم بكل ما تعانيه من إرث ثقيل وتراكم فادح للأزمات والمشكلات كانت تبدو كثقب أسود يلتهم الطاقات والإمكانيات، وسيكون التعامل الجذرى معها أصعب كثيرًا من كل ما حققناه من مشروعات.

فبناء الحجَر يخضع لقواعد الهندسة، لكن بناء البشر لا يخضع بالضرورة لتلك القواعد، فنحن هنا نتعامل مع عقول وأفكار تصلبت منذ قرون، وعقبات ثقافية واجتماعية وتاريخية موروثة، وكبلت خطواتنا لسنوات طويلة من الانطلاق على طريق التقدم.

اختارت دولة 30 يونيو أن تدخل فى سباق مع الزمن لتعويض ما فاتنا، جاء العمل بأسرع مما توقع أحد، وتوالت الخطوات فى الركيزتين اللتين حددهما الرئيس السيسى لانطلاق مشروع إعادة بناء الإنسان المصرى: التعليم والصحة. وجاءت تلك الخطوات الأولى لتساهم فى تعزيز قدرات مصر على مواجهة أخطر تحدٍ يواجهه العالم، وهو جائحة كورونا، وتؤكد أن الرؤية كانت صائبة، والبوصلة تشير إلى الاتجاه الصحيح.

حلول جذرية

اليوم عندما نتأمل ما يجرى فى قطاع الصحة، وبدء تطبيق خطة التأمين الصحى فى مصر على الجميع، سندرك أننا أمام ثورة حقيقية تتجاوز أسلوب المسكنات الذى اتُبع طيلة قرون لترحيل أزمات ذلك القطاع وإزاحتها من نظام إلى نظام.

 

44 مليار جنيه تكلفة التأمين الصحى و 25 مليار للعلاج على نفقة الدولة
44 مليار جنيه تكلفة التأمين الصحى و 25 مليار للعلاج على نفقة الدولة

 

لكن دولة 30 يونيو التى لا تعترف بتلك المسكنات قررت اختراق الملف، والتعامل معه من الجذور، ومن هنا جاء تطبيق مشروع التأمين الصحى الشامل، الحلم الذى ظنه البعض مستحيلاً، لأنه ظل يراود الأجيال دون وجود إرادة حقيقية لإنجازه، خصوصًا أن تحقيقه كان يتطلب إعادة بناء ليس فقط للبنية التحتية للقطاع الطبى، بل الأهم إعادة بناء لنظم إدارة ومتابعة ومراقبة معايير تقديم الخدمة فى هذا المرفق الحيوى، كى تستديم منظومة العمل، وتقدم للمصريين خدمة طبية راقية لا تستغل أوجاعهم، ولا فرق فيها بين من يملكون الملايين، وبين من يعيشون على الكفاف، فالمرض لا يعترف بتلك الفوارق، ولابد أن يكون العلاج كذلك.

بدأ المشروع ونجح فى بورسعيد كتجربة، ثم أطلق الرئيس مرحلته الثانية فى الإسماعيلية، الأسبوع الماضى. لم يكن التحدى سهلاً، فالأمر كان يتطلب الاستمرار فى الإنفاق على خدمات الصحة الحالية بكل تشابكاتها، وفى الوقت ذاته كان يجب إعداد وتوفير موارد طائلة لإضافة المزيد من المنشآت الطبية والكوادر والمؤسسات المؤهلة لتطبيق فكرة التأمين الصحى الشامل.

ولعل ما استعرضه الرئيس السيسى خلال افتتاح عدد من المشروعات الصحية خلال زيارته قبل أيام للإسماعيلية يكشف ملمحًا بسيطًا من حجم ذلك التحدى، لكنه أيضًا يمنحنا نظرة مبدئية لحجم الإنجاز.

فقد تم إنفاق مبلغ 44 مليار جنيه إجمالى تكلفة التأمين الصحى، وأكثر من 25 مليار جنيه للعلاج على نفقة الدولة، فضلاً عن 3.6 مليار جنيه إجمالى تكلفة مبادرة القضاء على فيروس سى، بالإضافة إلى القضاء على قوائم الانتظار لنحو 700 ألف حالة، وكذلك تدشين مبادرة الاعتلال الكلوى والأمراض المزمنة بتكلفة حتى الآن 1.5 مليار جنيه، وتدشين المجمع القومى للقاحات والأمصال فى حلوان، وتطوير 34 مستشفى حميات وصدرية بتكلفة نحو نصف مليار جنيه.

خدمة طبية متميزة

وتم أيضًا تمهيدًا لإطلاق المشروع الضخم إطلاق العديد من المبادرات الصحية لتقديم خدمات عاجلة للقطاعات الأكثر احتياجًا، وكل ذلك يتم بموازاة تدريب وتأهيل الفرق الطبية داخل وخارج مصر على إدارة أنظمة التأمين الصحى، ومراقبة جودة الخدمة وغيرها، مع بدء تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل ستكون هى المرة الأولى التى وضعت فيها معايير وطنية متوافقة مع أعلى المعايير الدولية تحدد قرار انضمام مؤسسة طبية لمنظومة التأمين الصحى الشامل أو خروجها منها، وتقوم على التطبيق هيئة مستقلة هى الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، وهو ما يضمن حق المريض فى أن يحظى برعاية صحية فائقة الجودة، بغض النظر عن قيمة الخدمة وقدراته المادية.

ولكى ندرك الفارق بين مستوى الخدمة التى تقدم حاليًا فى المرافق الصحية المختلفة، وبين ما سيكون عليه الأمر مع تطبيق التأمين الصحى الشامل، الذى بدأ تدريجيًا فى عدد من المحافظات، ويكتمل تطبيقه بمشيئة الله، وكما وعد الرئيس خلال 10 سنوات فقط، وليس 15 سنة كما كان يقتضى التخطيط المسبق، يكفى أن تعرف أن متوسط التكلفة للفرد فى محافظة بورسعيد – أولى المحافظات التى شهدت تطبيق التجربة- ارتفع من 180 جنيهًا إلى 2100 جنيه للفرد، لضمان تقديم خدمة طبية متميزة، تشمل جميع مراحل الكشف والفحص والعلاج والمتابعة.

البعد الاجتماعى أيضًا لن يكون غائبًا عن هذا المشروع الأهم فى حياة المصريين لأجيال طويلة مقبلة، فالدولة ستتحمل تكلفة اشتراك غير القادرين بمنظومة التأمين الصحى الشامل، الذى سيضم كل مواطن مصرى، حتى من لا يمتلك وظيفة أو دخلاً ثابتًا، لأن المنظومة فى المقام الأول مشروع تكافلى، أى من الضرورى أن يشترك فيه الجميع ويسدد نصيبه، كى تقدم الخدمة لمن يحتاجها.

باكتمال تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل، ستتحول أغلى أمنيات المصريين فى الستر والصحة إلى واقع يعيشونه، ويدركون معه أن الإرادة السياسية الصادقة والإدارة العلمية التى تعتمد عليها دولة 30 يونيو كانت السبيل الوحيد لتحقيق ما ظنوه لأجيال طويلة من الأحلام المستحيلة.