الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«متفصـــل ليـك»..حكــايـة مشـروع ملابـس لأصحـاب الهمـم

مجموعة من المصممين والمودلز من ذوى الهمم
مجموعة من المصممين والمودلز من ذوى الهمم

أبطال رياضيون ومواهب فنية وإنجازات عظيمة، من أصحاب الهمم الذين يصنعون المستحيل بعزيمتهم، ويطوّعون الدنيا فى طريق نجاحهم.



الملابس هى أبسط الحقوق البشرية لذوى القدرات الخاصة، لكنهم قد يحتاجون للمساعدة أو قضاء الكثير من الوقت فى ارتداء ملابس لا تناسبهم ولم تُصنع لهم خصيصًا.

 

«أشجان الأبحر»، صاحبة أول براند مصرى لذوى الهمم، «متفصَّل ليك»، قالت لـ«صباح الخير»، بعد تخرُّجى من آداب وثائق ومكتبات عملت فى مجال التنمية البشرية ومنذ عشر سنوات نشأت صداقة وطيدة بينى وبين أصدقائى من ذوى الهمم، لكن لاحظت فى كل مرّة نتفق على المقابلة والخروج أنه لا بُدّ من مراعاة عدة ملاحظات، مثل أى شىء يعوق حركتهم كضيق المكان الذى لا يتسع للكرسى المتحرك أو وجود سلالم كثيرة حتى عند خروجات شراء الملابس لم يكن يتوافر لديهم حق القياس نظرًا لعدم ملاءمة غرفة القياس لظروفهم، فكانوا يقومون بالشراء وقياسها فى البيت، وغيرها من المواقف التى تعتبر طبيعية للغالبية.

وتتابع أشجان: مع الوقت بدأت ألاحظ كم معاناتهم فى أبسط الاحتياجات، وفى إحدى المرّات سألت صديقتى القعيدة، نفسك فى إيه؟ قالتلى نفسى ألبس فستان، وهنا جاءتنى فكرة تصميم علامة تجارية لملابس ذوى الإعاقة، وبدأت بصورة مبدئية التفكير فى حل لصديقتى وكيفية صناعة فستان يلائم ظروفها، فمن الصعب ارتداء فستان طويل مع كرسى متحرك. 

وتضيف صاحبة «متفصّل ليك»: فى نفس الوقت كان لدَىّ صديق من المنصورة لديه بتر فى قدمه منذ الصغر كما أن لديه جمعية اسمها «الحياة»، وهو من فتح الطريق أمامى للدخول إلى هذا العالم وبدأت أفهم منه مدى الصعوبات التى يعانون منها، سواء فى الصلاة أو اللبس وفى كل تفاصيل الحياة البسيطة، فارتداء الملابس رغم أنها تبدو من الأمور الهيّنة والضرورية للجميع إلا أنها مهمة صعبة جدّا عليهم ويقضون بها كثيرًا من الوقت لظروف إعاقتهم المختلفة، فمثلاً قد يضطر صاحب الإعاقة أن يمدد نفسه على السرير وبصعوبة حتى يستطيع ارتداء ملابسه. 

 

أشجان الأبحر مع العارضات
أشجان الأبحر مع العارضات

 

تفاصيل صغيرة

واستكملت: بدأت طوال تلك الفترة معايشة كل ما يخص أصحاب الهمم على اختلاف إعاقتهم، وفى 2019 وتحديدًا باليوم العالمى للأشخاص ذوى الإعاقة كانت أول ورشة عمل وكان معنا ثلاثة من المصممين، وبدأ الأصدقاء من أصحاب الإعاقة من مصابى الشلل الدماغى والأطراف الصناعية والكراسى المتحركة فى الحديث عن مشاكلهم بشكل واقعى مع المصممين وعيوب الملابس الموجودة بالأسواق وعدم ملاءمتها لهم، وبدأنا فى عمل قطع واكتشاف مدى ملاءمتها وتلافى العيوب تدريجيّا فى كل قطعة بعد أخرى.

وأكدت «الأبحر» أن المشروع قائم على التمويل الذاتى، وبذَل المصممون مجهودًا كبيرًا بداية من البحث عن الخامات إلى الصبر والمحاولات المتتالية فى الوصول للتصميم المناسب والاستماع بجدية إلى مشاكل ذوى الإعاقة والبحث عن حلول مختلفة.

وعن طبيعة المشروع كشفت «أشجان» أنه مشروع ربحى، فهى لديها قناعة تدافع عنها وهى الفصل بين الشخص المعاق والجمعيات والمؤسّسات الخيرية، ولماذا أساسًا الربط بين الأشخاص ذوى الهمم وبين المشاريع الخيرية والدهشة إذا كان المشروع الخاص بهم ربحيّا رغم أنه كأى مشروع عادى، ففى النهاية هذا الشخص هو مستهلك يدخل الكافيهات والمطاعم والمولات ويدفع مقابل الخدمة، كما تسعى صاحبة المبادرة لتحقيق حلم «الإتاحة» لذوى القدرات ويعنى سهولة الحصول على الملابس وكل مستلزمات أصحاب القدرات الخاصة.

 

المشروع أخذ وقت وجهد حتى أخرج ملابس مناسبة
المشروع أخذ وقت وجهد حتى أخرج ملابس مناسبة

 

وأشارت «الأبحر»إلى أن لكل حالة صعوبات نفسية تتمثل فى خجل البعض أثناء الحديث عن تحديات إعاقتهم وتفاصيلها التى تضطر بعضهم إلى الحديث همسًا للحرج، إلى جانب الحرص على مراعاة مشاعرهم دون مبالغة والوقوع فى دائرة الشفقة، فهم فى حاجة إلى حلول واقعية كأى شخص طبيعى.

«محمد وجدى»، شريك بالمشروع، أوضح أن «أشجان» كان لديها اهتمام خاص نحو ذوى الهمم وبعدما عرضت فكرتها أعجبتنى جدّا؛ لأنها تشمل مفهوم الإتاحة بشكل عام لذوى الاحتياجات، كما أنها تصحح المفهوم تجاههم، فهم ليسوا دائمًا فى حاجة إلى جمعيات خيرية أو خدمات مجتمعية فقط؛ حيث إنهم لهم الحق فى ممارسة حياتهم بشكل طبيعى.

ويتابع وجدى: قررنا أن تكون البداية بوجود علامة تجارية خاصة بذوى الهمم؛ لكون ذلك يمثل لهم تحديَا يوميّا وعلينا مساعدتهم بالتيسير عليهم، وسيكون التوزيع من خلال متجر إليكرتونى، وبالنسبة للتصنيع نتابع منذ فترة المصانع وسيكون لنا خط إنتاج للصيفى أو الشتوى.

وعن الصعوبات التى تواجه هذه الشراكة، أوضح «وجدى»، أنهم يسيرون بخُطى بطيئة ولكن ثابتة؛ لأن المشروع يحتاج الصبر، والفكرة جديدة وتطبيقها ليس سهلًا إطلاقًا، كما أننا نعتمد على التمويل الذاتى ونهتم بعمل ورش باستمرار فى وجود المصممين وأصحاب الملابس أنفسهم للبحث عن حلول لكل تصميم عن الآخر.

ويضيف «وجدى»: يتم طرح المنتَج بنفس السعر بالسوق ولكننا نختلف فى تقديم تصميم مريح وعملى ومناسب من كل الجوانب، وهذا أفضل بالتأكيد من الخيار الأول لهم، فكانوا يضطرون لشراء قماش وتفصيله أو تعديل المنتَج بعد الشراء، ولكننا وفّرنا له تصميمًا من اختياره وذوقه ويتناسب مع ظروفه، وأتمنى الوصول بالمشروع إلى العالم كله مع الحفاظ على هويته المصرية.

 

 

 

الثقة بالنفس

«فتحية مؤمن»، وهى من ذوى الهمم وإحدى المتطوعات بـ«متفصَّل ليك» كموديل، وتعمل كـ«لايف كوتش»، تقول: أشعر بالسعادة لمشاركتى فى مشروع تأثيره قوى ومُهم للمستفيدين بالحلول التى توفر لهم نوعًا من السهولة، ما يقلل من حاجتهم للغير، ما يعطيه شعورًا بالحرية والاستقلالية والثقة بالنفس وأنه لا يحتاج لمرافق دائمًا، فالثقة بالنفس أعظم ما يمكن تقديمه لأى إنسان مَهما كانت ظروفه.

وعن الأفكار الجديدة التى تتمنى توفيرها وتواجدها، تقول «فتحية»: أتمنى أن يتحقق شقّان فى المشروع، أولهما زيادة وعى الأشخاص ذوى الإعاقة بنفسهم وقدراتهم، والآخر توفير فرص تدريب وعمل ودخل مادى مناسب يوفر لهم فرص حياة فيها عدل وتكافؤ.

وحول عملها كـ«لايف كوتش» أو مدرب الحياة، فتوضّح أنها مهتمة برفع وعى نفسها أولًا، وعندما بدأت الطريق واكتشفت مدى تأثيره العميق على مسار حياتها والتغير الجذرى والنجاحات الممتعة الواقعية دون تضخيم أو إحباط، كل ذلك دفعها لمشاركة الناس ما كانت تفعله، فحصلت على دورات تدريبية تابعة لبرنامج كُنْ لإعداد الكوتش المحترف باعتماد الاتحاد الدولى للكوتشينج ICF، لتصبح مدربة ممارسة معتمدة، وبدأت فى رحلة توعية لنفسها وللآخرين، وتقدم جلسات «أون لاين» ومحاضرات جماعية. 

وترى «فتحية» أن أعظم شىء وصلت إليه هو معرفة كيف تكون إنسانًا حقيقيّا تعيش وتقبل نفسك بنقاط ضعفك وقوتك وتتصالح وتنمو مع الوقت.