الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
‎توأم الدين والأخلاق

‎توأم الدين والأخلاق

‎هى حلقة مفرغة. إنه التدين المزيف أو على أحسن تقدير مظهرى مفتعل ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بفساد فكرى وسلوكى. والغالبية المطلقة من مشكلاتنا المستعصية من فقر وتدهور تعليم ورشاوى بأشكالها وغيرها ما هى إلا نتائج للحلقة مستحكمة الإغلاق وليست أسبابًا. خطاب دينى ظل يركز على مدار نحو نصف قرن على شقين لا ثالث لهما: الأول أركان وعبادات وهى بالطبع جزء لا يتجزأ من الدين، أى دين: ترديد الشهادتين، كيف نصلى، ضرورة الزكاة، وأصول الصوم، وقواعد حج بين الله الحرام؛ والثانى تفاصيل منمنمة وأغلبها يلف ويدور ويعود ليركز على هذا الكائن العجيب الغريب المريب المسمى بالأنثى. خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر حكم دخول الحمام بالرجل اليمنى، وركوب المصعد دون ترديد دعاء الركوب، ودعاء دخول السوق، ودعاء الملابس الجديدة، ناهيك عن ماذا ترتدى المرأة وماذا تقول وحكم صوتها وصباع رجلها الصغير ومشيها وجلوسها وموتها. وظلت هذه المنمنمات تكبر وتترعرع وتتوغل وتتغول حتى طغت على الدين نفسه. فبتنا نقدس رجال دين تحدثوا فى المنمنات أكثر من تقديسنا لكتاب الله. وأصبحت مشاعرنا الدينية الرقيقة تٌجرَح ولا تندمل جراحها إلا بالصراخ والتوعد بالموت للآخر إن مس أحدهم رجال الدين بسؤال عن حقيقة ما قال أو نسبة الخرافة، فيما أشاع أو مدى مواءمة تفسيراته الشخصية للقرن الـ19 ولن نقول الـ20 أو الـ21. وليت أحد طالبى العلم الحقيقى غير المفتعل يدرس ويبحث فى محتوى الخطاب الدينى الذى انتشر فى مصر على مدار نصف قرن ويخرج بإحصاءات وأرقام عن نسبة مظهر الدين مقارنة بالجوهر، وعن حجم المحتوى الثقافى المستورد المرتدى جلباب الدين وعباءته بالنسبة لحجم المكون الأخلاقى والسلوكى فى هذا الخطاب. والحقيقة أن النتيجة واضحة وضوح الشمس وتعبر عن نفسها بنظرة سريعة إلى البيت والشارع ومكان العمل والأتوبيس والمستشفى. الأب الذى يقود عكس الاتجاه ويجلس ابنه الصغير أمامه أثناء القيادة لا يفوته فرض، وحين تسأله عن حرمانية تعريض حياة الصغير والآخرين للخطر وتعارض ذلك مع كونه محافظًا على أداء الصلاة، يسخر ويقول: لم يرد حديث عن السير العكسى، كما أننى حر فى ابنى. الموظف أو أمين الشرطة ممن يرتشون ولو 20 جنيهًا يعتبرون رشوتهم هدية «والنبى قبل الهدية». صاحب المقهى الذى يعتدى على الرصيف وحرم الشارع بالتمدد بالمقاعد والطاولات لا يرى فى ذلك حرمانية، بل «أكل عيش بالحلال». كذلك صاحب الكشك الذى لا يبيع سجائر لأنها حرام شرعًا يعتبر سلك الكهرباء الممدود إلى عمود الإنارة حلالًا حلالًا، وجموع المتفوهين بأقبح الشتائم الجنسية يفصلون فصلًا تامًا بينها وبين حجاب أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم والجيرل فريند. لماذا؟ لأن رجال الخطاب الدينى على مدار نصف قرن فصلوا فصلًا كاملًا المظهر والجوهر حتى بات التدين المظهرى وفساد الأخلاق توأمًا ملتصقًا يعيث فى بلادنا فسادًا، فى مقابل توأم ملتصق آخر فارقنا هو تدين الجوهر وصلاح الأخلاق.