الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مدغدغات الدين

مدغدغات الدين

ظل ثالوث الإغراء فى المجتمع على مدار عقود منحصرًا فى: جنس ودين وسياسة. كان هذا فى زمن ما قبل المواقع الإلكترونية، حيث «شاهد قبل الحذف» و«الأكثر قراءة» و«الأكثر تعليقًا» وجميعها أدوات جذب. كما كان هذا قبل زمن مواقع التواصل الاجتماعى، حيث قل ما شئت فى مسبتى ومسبة غيرى، فلا أحد محاسب أو مراجع أو مصحح. اليوم انقلب الوضع رأسًا على عقب، ومعه تزلزت أرجاء الثالوث ففقد أحد أعمدته الثلاثة ألا وهو السياسة التى باتت على كل لسان، ولم تعد سلعة عزيزة أو متعة شحيحة. وانفرد الدين والجنس بمرتبة الصدارة، حيث أحدهما يحاول زحزحة الآخر مرة، والآخر يتظاهر بأنه الأكثر انتشارًا مرة، إلى أن تهادنا وتصالحا ووصلا إلى اتفاق مرضٍ للطرفين. أصبح كلاهما وجهًا للآخر. والمراد بالدين هنا ليس الدين الأصلى، حيث العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك التى تم سنها من السماء رحمة وتنظيمًا للعالمين، بل الدين الجديد الذى تم سن أركانه فى سبعينيات القرن الماضى. إنه الدين – أو بالأحرى مفهوم الدين- الذى استورده وعززه ونماه وأنضجه البعض مقدمًا إياه باعتباره صحوة دينية وانتعاشة أخلاقية واستعادة للهوية، بينما العكس تمامًا هو الصحيح. وقد استخدم هذا المفهوم الجديد الخلطة السحرية المعروفة لدى محلات العصير باسم «فخفخينا»، حيث خلط الدين بالجنس لسبغ صفة الفضيلة والأخلاق على مدغدغات الجنس، ما يجعل حديث الشهوات والمفاتن والغرائز والنزوات حديثًا محترمًا محببًا منزهًا عن الدناءة والإباحية. وهل هناك ما هو أحلى أو أفضل من ذلك، حيث نفتح حديث الجنس وفتاواه وفقهه وأصوله على مصاريعها ليستمتع بسطاء العلم ومتواضعو الثقافة، ويهيأ لهم أنهم بذلك يستمتعون بما حلل الله، وذلك بعد ما تم تحويل المجتمع إلى مصرستان؟! ولا تفوتنا الإشارة إلى مرحلة التأهيل التى تٌدخِل هؤلاء فى مصنع القوالب الثابتة التى خرجت لنا فى مصرنا الحبيبة ملايين الـ«ستامبات» التى نشأت على أن استخدام المخ من الكبائر، واعتماد التفكير النقدى من الموبقات. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن النسخة المستوردة التى «قيفناها» بمقاسات صانعيها، أصبحنا ندافع عنها وكأنها صحيح الدين. نظرة سريعة إلى هذا الكم الطاغى من أحاديث ما الذى يجب أن ترتديه المرأة، وقواعد نكاحها، وأصول رؤية أجزاء من جسد الخطيبة والاطلاع على ما قد يكدر مزاج زوج المستقبل حتى لا يجد نفسه وقد «اتدبس» فى بضاعة مضروبة، ناهيك عن آلاف وربما ملايين المشكلات التى تعترى العلاقة الحميمة بين الزوجين والتى يهرع فيها الزوج أو الزوجة لطلب رأى الشيخ وليس رأى الطبيب وخبراء علم النفس. الغريب أن كثيرين من العلماء الأجلاء أصبحوا متخصصين فى شئون النكاح والشهوات. ولا يسعنى إلا أن أتخيل أجدادنا وجداتنا وهم ينظرون إلينا ويضحكون ملء شدقيهم على هذا «البزرميط» الشامل الكامل الذى يمد المأزومين جنسيًا بما يدغدغ شهواتهم مغلفًا برداء دينى يشفى العليل ويفاقم العلة.