الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عندما يأتى الحب

القلب هو حركة الحب التى لا حدود لها، وكل قناة من قنوات المشاعر تمتلك حركة خاصة بها، وهذه القنوات تلتقى فى القلب فهو حركة مفردة وحيدة للحب.



وعندما ينصت المرء إلى قلبه فإنه ينتقل إلى الوسط الذهبى،وهنا يستطيع أن يكون قادرًا على معرفة حقيقة الأشياء والظواهر، وأن يقرأ مشاعر إنسان آخر وأن يشاركه مشاعره.

والحب هو تلك الحاسة السادسة التى يمكنك أن تقول معها فى كل عمل تقوم به أو أى تصرف أو سلوك: «لقد شعرت بالحب، توحدت فأصبح كل شيء واضحًا بالنسبة لى».

هكذا يقول فلاديمير فى جيكارنتسيف الكاتب الروسى فى كتابه «حب الحياة- حركة الحب: الرجل والمرأة»، والذى ترجمه إلى العربية د.إبراهيم استنجولى وصدر عن دار الفرقد بدمشق.

أن تلمس قلب الأشياء

لكى تمتلك الحركة التى تنفذ إلى داخل الأشياء يكون الحب هو الأداة لإدراك الجوهر.

فإذا ما رحنا نتصرف ونحيا بالحب فإن جميع العوائق تزول من أمامنا.

ويقول فلاديمير: «إن حركة العشق هى الحركة الأولى التى ظهرت فى هذا الكون الذى نعيش فيه أى الحركة الأم».

ويرى أن أى ألم فى الجسد أو فى الروح يعنى أنك قد منعت عنهما الحركة، وهى كل ما كنت تنجذب نحوه، وتتوق إليه لكنك كنت تمنع وتردع نفسك عن فعله أو ربما قلت لنفسك أن فعل ذلك مستحيل.

عالم المشاعر

ويرى الكاتب أن المشاعر ليست الأحاسيس كما درجت العادة أن نعتقد، فالمشاعر هى قنوات تمر إلينا من خلالها المعلومات ثم تقوم لاحقًا بشرح وتفسير شيفرة المعلومات فتنشأ الأحاسيس، وهى رد فعل الروح أو الجسد على التفسير الذى يقوم به العقل لحركة المشاعر، وهى مفتوحة على جميع الجهات، وفى كل لحظة من الزمن.

المعاناة الفريدة!

ويرى الكاتب أنه عندما يعانى الإنسان ويعيش الحياة كما هى بأحزانها وشدائدها، فسوف يكون فى حركة دائمة، والمعاناة تترك مكانها للمعاناة الجديدة، والفريدة، وينطوى ذلك على أن يقبل المرء ما اعتاد أن ينكره: نقاط ضعفه، مخاوفه، من الخيبة أو الخسران، أو من الفشل والهزيمة.

والعُزلة تقضى على هذه المعاناة الفريدة، فحين يبتعد، وينعزل الإنسان عن الناس وعن العالم تختفى وتتلاشى لديه القوة والقدرة على الحركة، وعندما تنتهى القوة يظهر الركود ومختلف الأمراض.

فأنت قوى بصورة مبدئية حين لا تعزل نفسك لأنه فى داخلك تحدث جميع الحركات المرئية وغير المرئية فى الكون.

ومن هنا يقول: إن الإنسان عندما يتعلم المواساة والمشاركة فى الألم، ويكون مستعدًا للقاء آلامه ومخاوفه، يعيشها ويخبرها، ويتخلى عنها تظهر قوته، وقدرته على التجاوب مع الحياة، ومع الآخرين.

اشكر الألم

ويقول الكاتب أيضًا أنه لابد أن يكون بمقدورك أن تشكر الألم! لأنه عندما يعبر عن نفسه فهو يكشف عن الإنكار الموجود لديك، فيجب تركيز الانتباه، ومعايشة الألم، وتجريبه ومن ثم التخلى عنه، وتركه يمضى فى حال سبيله والرجال والنساء إذ يتسببون لبعضهم بعضًا بآلام فى علاقاتهم المتبادلة فإنما يكشفون لبعضهم عن موقع النكران، وأكثر الآلام شدة هى التى تحدث فى روح الإنسان وفى فؤاده، فعندما ينفى الرجل وجود المرأة ينغلق على نفسه، وتبدأ لديه المعاناة من جراء غياب نصفه الآخر، والمرأة أيضًاعندما تنغلق على نفسها، وتنكر وجود الرجل فى حياتها فإنها ستعانى.

إن فراغ الإنكار هو الثقب الأسود، وكلما كان عدد حالات الإنكار أكثر كان عدد المشكلات أكثر، والألم أكبر، فإذا كان ثمة مخاوف فى العقل مثلاً، خوف من الخيانة أو التجلى فسوف يكون هناك ألم شديد حين يأتى الحب، ذلك أن كلمات ومشاعر وتصرفات المحبوب سوف تعبر من خلال تلك القوالب والمخاوف وتوترات الإنكار، بل إن الإنسان الذى يتسبب بالألم لك إنما هو يدلك على المكان الذى فى روحك أو فى جسدك، ويجب عليك الاهتمام به والانتباه إليه.

خيار الفرح

هل يمكننا أن نقول بعد هذا الطرح إن الحب هو الحياة، حركة لا بد أن تخرج إلى النور، وأن تحتفل بها فى داخلك وفى خارجك، يقول فلاديمير: إن الإنسان يحيا على الأفكار التى تظهر فيه ولديه، فكل فكرة ترددها فى سرك فإنها تولد فى داخلك وهم الحركة، وهم الحياة!

لكن بدلاً من ذلك عليك الاتحاد مع العالم، ومع الحياة الممتلئة بالحركة وبالمشاعر، لأنه إذا ردد المرء فى سره «أنا أقبل الفرح فى حياتى» عددًا لا يُحصى من المرات كل يوم، لن يزيد منسوب الفرح فى حياته بل سيظل وحيدًا كما كان فى السابق، لكن لا بد من القيام بحركة، فالجلوس وحيدًا والشكوى أنه لا يوجد فرح فى حياتك، بينما فى الغرفة المجاورة ثمة أناس يرقصون ويفرحون ويستمتعون!

 إذن لا بد من الحركة.

انتظر الكثير من الحياة

يجرى تلقين الجميع منذ الصغر بأنه لا يجب أن ننتظر الكثير من الحياة، وتبدأ الفكرة بالضغط على من يعتقد بها، فيلجأ إلى عزل نفسه بسياج عال وسميك عن تلك الوفرة والرخاء اللذين يمكن أن تمنحهما الحياة، لذلك حين يولد الحب ويزور القلب فإن جميع الفرص والإمكانيات تتحقق، فنبدأ برؤية جميع محاسن العالم الذى نعيش فيه.

وتكتشف ببساطة المقدرة على التنعم بالحياة، والتمتع بمنظر النجوم، بالطعام الشهى، تتشرب الحياة بكامل كيانك، عندما يأتى الحب تتكشف لك عوالم السعادة والغبطة، يتغير إيقاع الزمن، وفى اللحظة التى تكون فيها عاشقًا تصبح متحدًا مع الكون، وتمنح ذاتك فرصة اكتشاف الحياة والتنعم بمباهجها.