الحب الأفلاطونى.. أكذوبة ؟!

نهى العليمى
دائمًا وأبدًا ينسب الحب الأفلاطونى لهذا النوع من الحب العذرى العفيف الذى يعلو على الانجذاب الجسدى فيكون ارتباطًا روحيًا ساميًا.. خدعوك عندما قالوا لك ذلك!
فالحقيقة مخالفة لهذا التعريف الذى نُسب لحكيم اليونان أفلاطون زورًا.. فقد توصل المؤرخ والباحث البريطانى «جاى كنيدى» من جامعة مانشستر البريطانية إلى نتيجة تكذب الصورة النمطية السابقة بأنه كان يؤمن بالحب العذرى البرىء العفيف؛ بل على العكس فقد كانت المتعة الجنسية بالنسبة له قوة روحية تلهم الإنسان الإبداع.
وذلك فى كتابه «البناء الموسيقى لمحاورات أفلاطون»، والذى يعتبر مفتاحًا لأعمال هذا الفيلسوف الإغريقى القديم الذى عاش بين عامى ٤٢٨ و٣٤٧ قبل الميلاد، والذى لم يدافع مطلقًا عن الحب العذرى الذى لا تلازمه علاقة جنسية!!يقول: «إن أفلاطون الذى يعتبر أينشتاين العصر الذهبى فى اليونان القديمة لم يكن أبدًا عذريًا فى حبه».
مشيرًا إلى أنه اتخذ لنفسه طريقًا وسطًا؛ حيث اعتبر أن «الأخلاق تتمثل فى الاعتدال، ودعا إلى تجنب المبالغة فى كثرة الأشخاص الذين يمارس المرء معهم الجنس، كما دعا إلى عدم الامتناع عن الجنس مطلقًا»، وأوضح كنيدى أن المتعة الجنسية كانت بالنسبة لأفلاطون قوة روحية تلهم الإنسان الإبداع الفنى والأدبى والعلمى».
وأفلاطون هو رائد المثالية صاحب أول مذهب فلسفى متكامل فى تاريخ الفلسفة، وأول مَن وضع معنى الفلسفة بأنها علم الحوار العقلى الذى يستهدف الوصــول إلى الحقيقة؛ حيث كتب كل فلسفته فى هيئة محاورات وناقش فى هذه المحاورات أفكار الفلاسفة سواء كانوا من السابقين عليه أو من المعاصرين له.
ليحكى عن أفلاطون وقناعاته استمعنا لرأى الأستاذ الدكتور مصطفى النشار أستاذ الفلسفة والرئيس الأسبق لقسم الفلسفة بجامعة القاهرة الذى قال: «الحب الافلاطونى كما تكلم عنه التراث العربى شائعة.. بل إن الحب الدى دعا إليه أفلاطون لا يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة لا من قريب ولا من بعيد، ولا بالعلاقات الشخصية لا بين الرجال والنساء ولا بين النساء والنساء، فقد كانت المثلية الجنسية فى عصره، وهو يستبعد كل تلك الأنواع ويرفض كل أنواع هذه الحوارات، والحب عنده حب الحقيقة والبحث عنها، وعندما نتحاب كرجال فى حب التفلسف وإدراك الحقيقة، فلا نجده يتحدث عن العلاقات الإثنية ولا علاقة له بالحب العذرى الدى أشيع خطأً، ومن يتحدث فى المحاورات الأفلاطونية الشهيرة هم الآخرون، يتعرض لكل قضايا عصره من خلال محاورات الفلاسفة، وعندما يعرض رؤيته يعرضها على لسان تلميذه سقراط ولم يتكلم عن هذه الأنواع من العلاقات أبدًا، ويعتبرها صالحة لحياة يومية، ولكنها ليست الغاية، فالغاية عنده البحث عن حقيقة الوجود، وفى إحدى محاوراته مع «إقلبيادس» هذا الشاب الذى يتقرب لسقراط بطريقة غزل جنسى، يرد عليه: أنا قلت إنك جميل، لكن ليس ما تظن من جمال جسدى، وإنما أحب رغبتك فى إدراك الحقيقة والعلم.
ونجد أفلاطون يرسم معالم الدولة الفاضلة بعيدًا عن رغبات الأفراد، وعندما يتحدث عن الشيوعية الجنسية بين النساء والرجال فهى من منظور مصلحة الدولة وليس الأفراد والدولة المثالية هى التى تنظم الزواج على حسب التكافؤ ، وأجمل الرجال لأجمل النساء؛ لإنتاج أفضل النسل؛ لينتجوا أجيالًا أكثر قوة، ولا يلتفت للعواطف أبدًا، ولكن الزواج هو وسيلة الحفاظ على النسل لمصلحة الدولة فقط وليس الأفراد بدون عواطف، والدولة تأخذ الأطفال لتربيهم ليكونوا أقوياء ولا مكان لعاطفة أبوة ولا عاطفة بنوة ولا حب بين النساء والرجال!