الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الحب.. شفاء ودواء

الطب فى بحث دائم عن أحدث الأساليب والعلاجات لمحاربة الأمراض والقضاء عليها ..ومؤخرًا أكدت  العديد من الدراسات العلمية أهمية نوع مميَّز من العلاجات وهو «العلاج بالحب» كأسلوب محفز لأى دواء، للوصول لنسب عالية للشفاء؛ بل أثبتت وبأدلة علمية أن إحساس الحب وقاية من الأمراض قبل أن يكون علاجًا. نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية دراسة تؤكد أن هرمون الأوكسيتوسين الذى تفرزه الغدة النخامية والذى يؤثر على السلوكيات الاجتماعية والاستجابات العاطفية بما فيها الاسترخاء والاستقرار النفسى والحب والترابط قد أدخل العلماء عليه بعض التعديلات ليسمح باستخدامه فى علاج الاضطرابات النفسية والقلق.



وفى دراسة قامت بها جامعة ستانفورد، عنوانها «النظر إلى صور المحبوب يخفف الألم» لاحظ الباحثون أنه عندما ينظر المشاركون إلى صور الأشخاص الذين يحبونهم، ترتفع لديهم مستويات هرمون الدوبامين (الذى يبعث الشعور بالسعادة فى كيمياء الدماغ) ويقول العالم النفسى العصبى دكتور ديفيد لويس الذى أشرف على تلك الدراسة: «عندما يشعر شخص ما بالحب، يطلق الدماغ الأندورفين، الذى يعطى الناس شعورًا بالنشوة؛ حيث يرتبط الدوبامين بالتفاؤل وبالطاقة والشعور بالحيوية. عندما تشعرون بأنكم على أفضل ما يرام وبأنكم متفائلون، ستكونون أقل تعرضًا لممارسة عادات تدميرية مثل شرب الكحول أو التدخين، فالوقوع فى الحب يعطى حماية ضد العادات السيئة فى الحياة».

هناك دراسة أخرى تمت فى أمريكا، على أشخاص تم فحص مستويات هرمون الأوكسيتوسين عندهم قبل وبعد العناق. أثبتت أنه بعناق بسيط من شخص محب كتجربة عيادية جرت فى جامعة كاليفورنيا، وجد أن هرمون الأوكسيتوسين (هرمون الدماغ الذى تطلقه اللمسات والعناق) يمكن أن يكون مفيدًا للمرضى الذين يعانون من الكآبة.

وفى دراسة عنوانها: هل العلاقات جيدة لصحتكم؟ يشرح الدكتور جون جالاتشر، أحد المشرفين على دراسة فى جامعة كارديف : «يمكننا أن نضع الزواج والأشكال الأخرى من العلاقة على طول سلمٍ متحركٍ من الارتباط، والارتباط الكبير يرتبط بفوائد كبيرة على الصحة»، الشىء الأساسى هو أن خطر الموت ينخفض إذا كنتم متزوجين أو مرتبطين».

ولاحظت دراسته أنه بالمجموع العام، هناك تأثير إيجابى على الصحة الجسدية والعقلية عندما تكونون مرتبطين بعلاقة بشكل خاص، وأشارت إلى أن الزواج يمكن أن يساعد على العيش عمرًا أطول؛ حيث لاحظ الباحثون أن «الفوائد على الصحة الجسدية والعقلية يبدو أنها تتراكم مع مرور الزمن» واستنتجوا أن «ثبات العلاقات على المدى الطويل، يقود إلى أسلوب حياة صحى وإلى صحة أفضل عاطفيًا وجسديًا».

طاقة الحب 

بعد قراءتنا لهذه الدراسات لجأنا لرأى الطب النفسى للتأكُّد من دور الحب فى حياتنا النفسية، وهل ينعكس بالفعل على صحتنا الجسدية؟ فيؤكد الدكتور إبراهيم مجدى استشارى الطب النفسى: «كأطباء نفسيين الآن نتكلم عن فكرة الإيجابية النفسية وكيف تتحسن المناعة من تحسُّن سلوكياتنا، فنصبح أفضل نفسيًا، فالحب ليس علاجًا نفسيًا فقط؛ بل يجعلنا أكثر قدرة على التواصل وعلى حب الحياة، فإنسانيًا أكون مرتاحًا عند الشعور بالحب، مضيفًا: بالفعل علميًا هناك «هرمون الحب»، وهو الأوكسيتوسين فى الغدة النخامية فى المخ، الذى يفرز عند إحساس الإنسان بالحب بكل أنواعه فليس شرطًا حبًا رومانسيًا للشريك، مثلاً حب الأم لأولادها، ويتم إفراز هذا الهرمون أثناء الولادة والرضاعة، ويحدث عند الألفة والمحبة، وينطبق ذلك عند الشعور بحب حيوان أليف فى بيتك، وحب الخير والصدقات وحب العطاء فى كل هذه الأوقات يفرز جسمك هذا الهرمون الذى يقوى الجهاز المناعى، ويرفع عداد كرات الدم البيضاء. بل تتحسن حالتها، واتضح ذلك من خلال استخدامهم لأشعة الرنين المغناطيسى على المخ فى كلية الطب جامعة ليفربول.

كما كشفت دراسة فى جامعة تكساس أن مرضى السرطان عندما يحيط بهم من يدعمهم تزيد مناعتهم وفرصهم للشفاء بعكس من يعانون الوحدة.. كذلك أثبتت أن النخاع الشوكى يكوّن خلايا سريعًا لمقاومة الأمراض عند الشعور بالحب، وتقل الأنيميا ويحدث زيادة تدفق الدم وجودة فى الدورة الدموية فتحدث نضارة للوجه فنقول عليه «وشه منور»، فهى حقيقة علمية لأنه انعكاس للناحية الصحية وانعكاس لطاقة الحب والأمل التى تقلل من الإحساس بالألم، ونجد على العكس من يعانى من الوحدة والجفاف فى حياته العاطفية يشتكى من القلق والخوف وأمراض جسدية متفرقة والاكتئاب، فهو مرض عضوى مثل الضغط والسكر لتغير فى كيمياء المخ لو وجد حوله من يسانده ويحبه يشفى أسرع ممن ينعزل ويعيش بمفرده وإن لم يجد من يحبه ويسانده ويهتم لأمره يصبح عُرضة للانتحار أو المخدرات.. فأصبحت فكرة تأثير الحب على الإنسان جسديًا، وليس نفسيًا فقط من أهم موضوعات الدراسة الآن فى المجال الطبى».

ويضيف الدكتور إبراهيم مجدى: «إن من الضرورى معرفة ما هو الحب الحقيقى الداعم للإنسان.. فهناك حب مرضى يتمثل فى غيرة زائدة، أو تملُّك، أو خوف زائد كالآباء الذين يحيطون بأولادهم دائمًا ويرغبون فى وضعهم فى قفص أو الأزواج الذين يقتلون شركاءهم بالغيرة، أو أى صديق يمنعك من الحديث لآخر أو يضغط عليك، كل هذه علاقات سامة، لا تشفى بل تسبب ضغطًا وخوفًا، فمن الحب ما قتل، فطاقة الحب الشافية تتمثل فى العطاء والتنازلات وتغافل عن العيوب وتتمثل فى المساندة فى لحظات ألم الحبيب وحزنه كفرحه فإن لم يكن الحب داعمًا وإيجابيًا من الممكن أن يؤثر بالسلب ويؤدى للمرض!

لجأت لطبيب القلب الدكتور جمال شعبان ‎لأستفهم منه عن علاقة الحب بصحة القلب فبدأ بقوله:

‎الحب طبيًا ينعكس على القلب بالسلام والاستقرار، وبعكس القلب الذى يحمل المشاعر السلبية من كره وحقد وكما وصفوه العرب «بالغيور» كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.. فعلميًا يكون هناك تنشيط زائد فى خلايا الجهاز العصبى السيمبثاوى والذى يفرز كميات كبيرة من الأدرينالين ويحدُث ارتفاع فى ضغط الدم ومستوى السكر فى الدم، وقصور أو ذبحة صدرية، ولو حدثت بطريقة حادة نتيجة لصدمة عاطفية أو أزمة نفسية تحدث «broken heart sendrum» وترجمتها «متلازمة القلوب المكسورة» عبارة عن شلل مؤقت فى عضلة القلب وتظهر فى صورة للشريان التاجى وتتعافى بعد ذلك.

ويضيف الدكتور جمال شعبان: «‎فى المرض وجدنا أن العزاب ومن ليس لهم شركاء حياة تحدث مضاعفات، وتتمكن منهم الأزمات القلبية ويتوفون مبكرًا عن من يجد وقت أزمته من يشاركه، ويسانده فى مرضه، فهى سنة كونية، وحقيقة طبية، أثبتتها أبحاث عديدة، وينطبق ذلك على من يعانون من عدم انسجام مع شريك الحياة ويفتقدون لطاقة الحب والعطاء فهم أكثر عرضة لأزمات القلب فالحب وقاية وعلاج، ولاحظت من ممارساتى فى المجال الطبى أن من نطلق عليه «المقطوع من شجرة» حالته النفسية متراجعة وفرصه فى الشفاء أقل كثيرًا عند إصابته بمرض حرج، أو إذا دخل العناية المركزة إذا كان هناك من يحبه بصدق ويسأل عليه ويدعمه يكون أقل تعرضًا للمضاعفات، وكما قال نزار قبانى: «والحب فى الأرض بعضٌ من تخيلنا، لو لم نجده لاخترعناه»، فالحب الداعم نعمة».

نصيحة فى الحب 

لعلم النفس نصيحة مهمة للحفاظ على التوازن النفسى .. الدكتورة نيرة محمد شوشة مدرس علم النفس الاجتماعى بكلية الآداب جامعة القاهرة تقول: «الحب شعور إنسانى راقٍ يجعل الإنسان فى حالة توازن نفسى خاصة إذا كانت علاقات الحب علاقات صحية وسويّة مع أشخاص يمدون الإنسان بالمساندة والدعم النفسى والوجدانى الذى يحتاج إليه، ومن ثم تؤثر علاقات الحب السوية على شعور الفرد بطيب الحال ويزداد تفكيره الإيجابى ودافعيته نحو الحياة.

وكما يؤثر الحب على الصحة النفسية للفرد فإنه يمتد تأثيره إلى صحته الجسمية أيضًا، فكما أكدت العديد من الدراسات أن هناك عوامل ذات تاثير إيجابى تقى من الإصابة من أمراض القلب أو تقلل من احتمال حدوثها، ومنها الفرح، والسعادة، والسلام مع النفس، والحب، وحب الذات واحترامها واستعدادها للمشاركة مع الآخرين.

وفى النهاية يمكننا القول إن وجود أشخاص نرتبط معهم فى علاقة حب ومساندة يعدون من أكثر العوامل التى تجعل الفرد قادرًا على مواجهة الضغوط وأحداث الحياة المثيرة للمشقة.

والنصيحة التى أقدمها لأى حد مفتقد حب الآخر فى حياته أن يحاول أن يحب نفسه جدا ويتخيل شخصًا أمامه يحاول أن يهتم به وأنا أعتقد أن الإنسان لو بدأ بحب ذاته سيكون هذا الحب واقيًا له من أى علاقة غير سوية، وحب الذات ممكن يكون إنه يهتم بصحته وبجسمه وبشكله ويشترى لنفسه أشياء يحبها ويتعرف على ناس جُدد، ودائمًا يجب أن يكون الإنسان متأكدًا أن الحب مفهوم واحد، لكن شكله بيتغير بمعنى إنه حب الأصدقاء مختلف فى مضمونه واحتياجاته عن الحب العاطفى.

والإنسان يجب أن يستثمر الحب الموجود فى حياته فى الوقت الحالى أيًا كان فى أصدقاء أو حبيب أو أبناء أو حيوان يربيه أو إنسان يعتبره مثلاً أعلى وقدوة، المهم ألا يظل منتظرًا لشكل واحد فقط للحب».