الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ملفات ساخنة فى المكتب البيضاوى

كمالا هاريس وبايدن يقسمان اليمين
كمالا هاريس وبايدن يقسمان اليمين

قد لا تبدو السياسة الخارجية هى الأولوية لإدارة الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن، فسلة المشكلات الداخلية التى خلفتها إدارة سلفه «ترامب» تبدو مثقلة بالتحديات وخاصة ما يتعلق بأزمة فيروس كورونا وسبل تحفيز الاقتصاد الأمريكى المتضرر بقوة، فضلا عن حالة الانقسام العميق الذى تعانيه الجبهة الداخلية عقب ماراثون الانتخابات الرئاسية، والفوضى التى قادها أنصار «ترامب»، التى لا يبدو  أن غبارها سيزول بسهولة.



ذلك لا يعنى أن قضايا السياسة الخارجية ستكون بعيدة عن إدارة بايدن بما يستلزم جهودا قوية، فالبيت الأبيض يُدرك جيدًا أن الدور الخارجى للولايات المتحدة أحد أبرز دوائر قوتها ونفوذها فى العالم، وسط الكثير من الملفات المفتوحة بعضها ينبغى أن يكون مغايرًا عن النهج الذي اتبعته الإدارة السابقة لأسباب مختلفة كان فريق إدارة بايدن للسياسة الخارجية الأسرع فى تشكيله وإعلان أسمائه فور فوز بايدن وهو ما يعنى أن رؤيته لهذا الملف كانت جاهزة وشبه محسومة، ووسط علامات استفهام وأسئلة يبقى السؤال الأهم: هل يمكن افتراض سياسة أقرب إلى الاعتدال بالنسبة لقضايا محورية خاصة لملفات الولايات المتحدة الخارجية؟!

فريق السياسة الخارجية

الأسماء التى أعلنها بايدن لمرشحيه فى فريق إدارة الأمن القومى والاستخبارات والسياسة الخارجية تتضمن العديد من الوجوه التى عمل معها خلال شغله منصب نائب الرئيس فى حقبة «أوباما»، والعديد منهم ليس بعيدًا عن ملفات الصراع فى العالم، وبخاصة فى منطقة الشرق الأوسط.

فريق السياسة الخارجية الذى تم الإعلان عنه يشمل أنطونى بلينكين (58 عاماً) كوزير للخارجية، وجايك سوليفان (43 عاماً) مستشاراً للأمن القومى، ولويد أوستين (67 عاماً) وزيراً للدفاع، والدبلوماسى المخضرم وليام بيرنز (64 عاماً)، مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سى آن إيه)، وبريت ماكجورك (47 عاماً)، مبعوثاً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

هذه الأسماء تثير الكثير من التساؤلات، خاصة أن معظم تلك الشخصيات لعبت دورًا بارزًا فى تحديد ملامح الدور الخارجى للبيت الأبيض فى الفترة ما بين 2009 و 2016.

 وإذا ما أضفنا إلى ذلك الفريق اسم نائبة الرئيس كمالا هاريس، التى يعتبرها البعض صدى حقيقيًا لتجربة أوباما السياسية، فمن المؤكد أن كمالا سيكون لها حضور قوى فى إدارة السياسة الأمريكية داخليًا وخارجيًا بسبب الظروف السنية والصحية لبايدن (78 عاماً)، بل إن هناك بعض الترجيحات التى تشير إلى إمكانية الاستعانة بأوباما نفسه فى بعض المهام بشكل أو آخر،  فإن السؤال يبدو مشروعًا ومطروحًا بقوة.. هل ممكن أن تعيد تلك الوجوه مرة أخرى إرث إدارة أوباما إلى البيت الأبيض؟

 

بايدن وزوجته أمام البيت الأبيض
بايدن وزوجته أمام البيت الأبيض

 

متغيرات على خريطة العالم

من المتفق عليه حتى الآن بين العديد من المراقبين أن إدارة بايدن سيكون لديها محدد واضح لتوجيه بوصلة سياستها الخارجية بعدم التورط فى مزيد من الصراعات التى كبدت الولايات المتحدة تكلفة باهظة بشريًا وماديًا، وستنصب جهود الإدارة الجديدة على محاولة إنهاء الحروب الطويلة والمستمرة، وإعادة الغالبية العظمى من قواتها المسلحة إلى الوطن، مع التركيز على ضرورة إنهاء الحروب بالوكالة فى الشرق الأوسط، وتوجيه المزيد من جهودها للاعتماد على حلفائها الفاعلين فى مكافحة الإرهاب.

وربما تحاول الإدارة الجديدة العودة إلى دور «الوسيط» مجددًا فى العديد من الملفات التى أفسدتها إدارة ترامب من وجهة نظر بايدن، وفى مقدمتها الأزمة الإيرانية، التى ستحتل صدارة اهتمامات الإدارة الجديدة، كما ستحاول العودة بصورة مختلفة إلى ملف الأزمة الفلسطينية، لكن لا ينبغى أن نفرط فى التفاؤل فمسألة الانحياز الأمريكى لإسرائيل تتجاوز الاختلافات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وقد يجد فريق إدارة بايدن نفسه مضطرا إلى اتخاذ مواقف تختلف عن تلك الخيارات التى انحازوا إليها خلال وجودهم فى إدارة أوباما، وفى مقدمتها الموقف من جماعة «الإخوان» وحركات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط عامة، فبينما انحازت إدارة أوباما إلى تأييد التظاهرات التى اجتاحت الشوارع العربية فى 2011، ودعمت وصول «الإخوان» إلى الحكم فى مصر وتونس، فإن أركان الإدارة الجديدة يدركون أن أجواء المنطقة تختلف تمامًا عما عايشوه قبل 10 سنوات، وبالتأكيد ستكون إعادة قراءة المتغيرات التى عرفتها دول عدة فى المنطقة مثل مصر كافية لتدرك الإدارة الجديدة أن محاولة إعادة جماعة «الإخوان» الإرهابية إلى المشهد ستكون نوعًا من «العبث» و«اللامعقولية».

والمرشح لوزارة الخارجية أنطونى بلينكين كان فى مقدمة من ساهموا فى توجيه دفة السياسة الأمريكية نحو دعم تغيير الأنظمة فى دول ما يسمى بـ«الربيع العربي»، خلال عهد أوباما لكن الرجل سيكون مضطرًا بالفعل إلى مراجعة مواقفه السابقة.

الحرب على الإرهاب

الملف الآخر الذى ربما تجد الإدارة الجديدة نفسها مضطرة لاتخاذ مواقف غير ما اتخذته خلال حقبة أوباما هو الملف السورى، فيبدو أن ثمة اتفاق على ضرورة عودة الولايات المتحدة للعب دور فى هذا الملف المأساوى، والأمر لن يخلو من الاصطدام مع النفوذ التركى، خاصة أن التصريحات التى أدلى بها العديد من أركان الإدارة الجديدة تشير إلى رغبة فى تحجيم تمدد الرئيس التركى فى المنطقة الذى يهدد مصالح العديد من حلفاء واشنطن، ومن المؤكد أن الإدارة الجديدة ستحافظ على العقوبات التى فرضتها إدارة ترامب على أنقرة بسبب امتلاكها منظومة الدفاع الجوى الروسية (إس -400).

وسيكون لملف الحرب على الإرهاب حضوره الكبير فى تشكيل ملامح سياسة الإدارة الجديدة بالمنطقة، خاصة فى ظل وجود بريت ماكجورك كمبعوث أمريكى للمنطقة، وهو الذى تدرج فى المناصب فى إدارة أوباما، بين نائب لمساعد وزير الخارجية لشئون العراق وإيران فى مكتب شئون الشرق الأدنى فى وزارة الخارجية، ثم سفيراً ونائباً للمبعوث الرئاسى الخاص للتحالف الدولى لمكافحة «داعش»، ولعب دوراً رئيساً فى تشكيل تحالف رسمى من 62 دولة لدعم العراق ومساعدته فى محاربة «داعش»، قبل أن يستقيل من منصبه كمبعوث للتحالف الدولى ضد «داعش» بعد قرار الانسحاب الأمريكى من شمال شرق سوريا عام 2018، منتقداً أكثر من مرة تخلى الإدارة الأمريكية عن الأكراد.

وبحسب مراقبين، فإن عودة ماكجورك للشرق الأوسط تحمل رسائل عدة حتى الآن فى شأن استمرار قضية مكافحة الإرهاب فى المنطقة كأولوية ضمن أجندة الإدارة الجديدة، كما تبعث برسائل مقلقة لأنقرة، تتعلق بسياسات الرئيس التركى ضد الأكراد، واستخدام المرتزقة من العناصر المتطرفة داخل سوريا وفى بقاع أخرى.

فهم الشرق الأوسط

وحتى ملف حقوق الإنسان والحريات الذى يشير بعض الخبراء إلى أنه سيكون بندًا على أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة وتشكيل نظرتها للعلاقة مع العديد من دول العالم، فإن هناك فى المقابل رؤية مختلفة يطرحها بعض المحللين تشير إلى أن النهج الذى ستتعاطى به إدارة بايدن مع هذا الملف سيكون مختلفًا عن نهج إدارة أوباما، ليس فقط لتغير الكثير من أحوال العالم، ولكن بالنظر أيضًا إلى طبيعة شخصية الرئيس الجديد نفسه.

ولعل الرؤية التى طرحها وليام بيرنز، الدبلوماسى المخضرم الذى شغل مراكز عدة حول العالم، ومن بينها منطقة الشرق الأوسط، وسيتولى إدارة وكالة الاستخبارات المركزية (سى آى إيه) ذات الأهمية الاستراتيجية فى تشكيل فكر الرئيس الأمريكى للتعامل مع القضايا الخارجية، تكشف إلى حد بعيد ما يمكن أن يكون ملامح الإدارة الجديدة فى التعامل مع قضايا المنطقة.

فقد نشر بيرنز مقالا عام 2019 على موقع مؤسسة «كارنيجي»  تحت عنوان «وداعاً للتفكير السحرى بالشرق الأوسط»،  قال فيه إنه «لا يزال الشرق الأوسط يعيش انهيارات وفشلًا وراء فشل بسبب الحروب الأهلية فى اليمن وليبيا وسوريا، وتراجع حل الدولتين»، معتبرًا أن الولايات المتحدة أخفقت كثيراً فى فهم وقراءة الشرق الأوسط، وأنّ طموحات الولايات المتحدة تجاوزت دائماً قدراتها فى المنطقة»، ويعتقد بيرنز كذلك أن على بلاده «إعادة النظر فى سياستها وتقليل التوقعات تجاه التغيرات والتحولات فى الشرق الأوسط».