الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

‎الناس إللى فى الدور الأخرانى.. صيف.. شـتا.. بنعانى

‎الدور الأخير.. من قديم الأزل والكل يهرب من السكن فى الدور الأخير، من بداية أن كانت الأسباب عدم وجود أسانسير، إلى ما تفعله الأمطار بالسقف لحرارة الصيف الحارقة.



‎أول ما يدور فى ذهنك عندما تتعرف على أشخاص يسكنون فى الدور الأخير.. فورًا ترسم لهم صورة لشخصياتهم.. فأول صفة يتصف بها سكان الدور الأخير.. الطيبة والرضا والقناعة.. فهم رضوا بسهولة ويسر أن يسكنوا فى الدور الأخير وقالوا لأنفسهم: بارك الله فيما رزق، لم يعترضوا ويقاولون صاحب العمارة على مبلغ زيادة لأخذ الدور الثانى أو الثالث حتى، بل رضوا وتقبّلوا، طيبون لأنهم غالبًا تم خداعهم من قبل صاحب العمارة أو السمسار الذى يبيع شقق العمارة فغالبًا يبيع الشقق من فوق لتحت!

 

‎لذا يأخذ الضحية الطيبة الراضية القنوعة ويقنعها أن العمارة اللقطة كلها مباعة ماعدا الدور الأخير، ولأن الضحية تملك أيضًا صفة الزهوق، فهم لا حمل لهم على اللف والبحث فيوافقون على الفور.

‎يبدأ الصيف فتجدهم كلهم من القوقاز! حيث تتحول بشرتهم للون الأحمر من كم الحرارة الذى تدخل لهم من السقف بعد امتصاصها من الشمس، فالمروحة تعمل عمل هواية الشوى لا أكثر، يدخل عليهم الشتاء يكونون وصلوا لحالة «النص سوا»! 

‎وفى حال كانت الأسرة مرفهة ولديها تكييف فى كل غرفة، فتكون فاتورة الكهرباء كل شهر صيف والذى يصعد بها محصل الكهرباء  بمثابة عزرائيل يطرق عليهم الباب ليقبض أرواحهم، فبعد أول شهر نجد الأسرة مجتمعة بملابس القطن البيضاء فى ركن واحد فى الغرفة مجتمعين والمروحة 4 ريشة الحديثة تعمل وموجهة عليهم وكلهم عيونهم مُعلقة بها وكأنها طوق النجاة.

‎يأتى الشتاء فيعتقدون أنه النجاة والملجأ، فنجد لونهم مال للزرقة من شدة البرد، حتى إننا ونحن نعرفهم جيدًا نسأل أنفسنا: «ترى ماذا كان لونهم الأساسى»؟!

لا تقتصر المشكلة على البرد القارس أو تغير لونهم أو تورّم أصابعهم وكأنهم بالون تم نفخه بمادة الهيليوم.. لا.. بل الموضوع أكبر من ذلك، ففى ليالى المطر التى نسعد بها نحن ونخرج للشبابيك وندعو الله، وهناك من يعيش حالة عشق فى تلك الفترة، إلا هذه الأسر التى ترى المطر وتسمعه يدق على رأسها كأنها تعذب فى الموساد أوCIA المخابرات الأمريكية، حتى فكرة الخروج من الشباك أو التراس للاستمتاع بالمطر تكون فكرة من أفلام الرعب التركية وليست حتى الأمريكية!

بعد انتهاء موجة الشتاء ودخول الربيع المتفق عليه فى هدوئه ونعومته تبدأ المرحلة الثانية من المأساة عن الناس إللى فى الدور الأخرانى، حيث تبدأ عملية إصلاح ما أفسده الشتاء وأمطاره وسيوله.. فكل الناس تبدأ فى التخفيف فى الملابس وشراء كسوة الصيف الجديدة، وهم يبدأون فى الاشتراك فى جمعيات لإصلاح السقف، وحيطان المنزل كلها وكأنه البيت الملعون إلا أن بطل الحكاية ليس «هاريسون فورد» هو رجل مسكين كل غلطته أنه قنوع ووافق على السكن فى الدور الأخير.

تبدأ رحلتهم مع المقاولين الذين يدخلون عليهم بالتهويل وجعلهم يشعرون أنهم لو باتوا يومًا واحدًا دون هد السقف وإعادة بنائه من جديد سيقع عليهم ويسوّيهم بالأرض، ثم نبدأ فى إعادة وضع طبقات على الأرضية فى السقف وكأن عالم جيولوجيا يقف أمامك، طبقات سوداء عازلة من الشمس ثم طبقات بيضاء عازلة من المطر، ثم طبقة حامية للبلاط حتى لا يتأثر بعوامل التعرية، ثم البلاط الذى يتطور لسيراميك ولكن البيرسولان أقوى وأقيم، أما الرخام فهو الأفضل على الإطلاق، والحكاية لا يمكن أن يدخل بها حكمة «كل برغوت على قد دمه» لأن البرغوت ممكن لو سقط عليه السقف، سيموت ويهدر دمه!

 ومن بعد المقاول تأتى العمالة، لتبدأ العمل والذى وعد فى أول يوم أن ينتهى فى ثلاثة أيام، يدخل العمال وأكبر طفل يكون فى السادس الابتدائى.. يخرج وقد صار عشرة مع الأسرة لدرجة حضوره حفل تخرّج هذا الذى كان طفلاً من الجامعة ما شاء الله! 

هذا غير أن العمال يدخلون وينتظرون أن سيدة المنزل وهى تطبخ للأسرة تضعهم فى حسبانها، والحقيقة أن مدة جلوس العمال فى المنزل تتناسب طرديّا مع جمال طعام سيدة البيت، فإذا كان طعامها شهيّا وبه ما لذ وطاب، تجد العمال زادوا فى المدة وأطالوها! 

لذا تكون النصيحة الأولى لأى شخص سيدخل العمال لمنزله، لا تطبخوا، واكتفوا بالكشرى، هنا تجد العمال يعملون بأيديهم وأسنانهم وأرجُلهم وكل حواسهم للانتهاء من العمل بهذا المنزل «القرديحى»!

الأهم والأغرب أن هذه الأسرة التى تقطن فى الدور الأخرانى، تعتقد أن بعد انتهاء كل هذا العمل، وبعد دفع كل ما تملك من أموال، وبعد سَحب دفتر توفير حمادة الذى كان يحلم أبوه أن يدفع مصاريف جامعته منه وفك شهادة سوسو التى كانت أمّها تحرص على الحفاظ عليها للجهاز. بعد كل هذا.. تفاجأ الأسرة أن الصيف يدخل عليهم مرّة أخرى بشمسه الحارقة والمادة السوداء ساحت وراحت مطرح ما راحت والمادة البيضاء اندمجت مع السوداء لتجعل حياتهم زرقاء وهكذا دواليك.. وهذه قصة معاناة الناس إللى ساكنة فى الدور الأخرانى!