الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ناس بشرطة.. وناس بشرطتين

أســرار مجتمـع لايتقبـل الاختـلاف؟!

«الاختلاف لا يفسد للود قضية» جملة بها لبس كبير ولغط ولا تتماشى مع الواقع الذى يؤكد أن الاختلاف يفسد ويصنع أزمات ودوامات ويزيد من هوة الخلافات بين الناس.



معظم الاختلافات، قد تكون بسبب الدين أو الرأى، أو  بسب الشك فهذا أبيض وذاك أسود، وهذه نحيفة القوام وهذه ممتلئة الجسم.. وغيرها من المقارنات غير العادلة وغير المقبولة والتى تندرج تحت عنوان  كبير «ناس بشرطة.. وناس بشرطتين»، والنتيجة.. ظهور ما يسمى بالعداونية والعنف.. ماذا يحدث.. أين حرية وثقافة الآخر، ولماذا هذا النوع من التنمر المخيف الذى يشجع على التحرش اللفظى والصدام؟!  

الدكتور محمد رضا الفقى أستاذ الطب النفسى ورئيس قسم الطب النفسى والأعصاب بالأكاديمية الطبية العسكرية يرى أن عدم تقبل الآخر قضية كبيرة جداً، الإنسان بطبعه كما قيل عنه «عدوٌ لما يجهله ولا يستطيعه»، فهو يتنبه جداً للشىء المختلف، سواء إنسانا، مكانا، كائنا آخر، إنما الأقرب له الإنسان مثله؛ فيكون رد فعله القبول والانجذاب والإعجاب، أو العكس تماماً فيحدث تنافر وتباعد للآخر، خاصةً إذا كان هذا الاختلاف يثير نفوره عمومًا. أضاف الفقى: الحقيقة أن العدوانية جزء من غريزة الإنسان، لكن بقدر وبغرض الحفاظ على نفسه وحياته، تظهر عند حدوث النفور أو عدم الانسجام، والموروثات كالعنصرية بين البيض والسود، أو مثل الحساسية لبعض الأديان الأخرى، أو الجنسيات الأخرى، وكذلك ضد حالات مرضية لأن هناك اعتقادًا أن أى حالة مرضية قد تكون معدية، وهو ما يتنافى مع العلم، لكن بعض الأمراض الظاهرة على الإنسان تثير النفور والخوف، وهى قضية موجودة ولكن تتفاوت حدتها ويقل وضعها كلما ازداد نضوج الإنسان وثقافته ووعيه، فمرض البهاق أو غيره كمثال قضية غريزية من بداية الطفولة ونحن الشىء المختلف نأخذ منه موقفًا، وبنفس الأسلوب كذلك نجد رد فعل كل إنسان مختلفًا عن الآخر فقد يكون الإخوة تربيتهم وثقافتهم واحدة، ولكن لاختلاف السمات الشخصية تختلف درجة تفاهمهم مع أى متغير حولهم، ويختلف رد الفعل من إنسان لغيره».

ويضيف الفقى : « يجب ألا نغفل أن هناك من الناس من يعانون مثلاً من الوسواس القهرى، والأمراض القلقية والفوبيا والمخاوف، هنا الوضع يزداد سوءًا بسبب المخاوف التى لا يستطيع التحكم بها المريض، وقد يتحسن رد فعل المرء تجاه الإنسان المختلف عنه وقد يسوء؛ بازدياد الوعى والتحضر والثقافة وبتعديل المفاهيم الخاطئة بعلاج الأمراض السابقة...».

منظومة التمايز

و يرى الدكتور أحمد مجدى حجازى، أستاذ علم الاجتماع السياسى بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن فكرة اختلاف الاتجاهات مسألة طبيعية نجدها بين الناس فى الشارع حتى بين المثقفين فى أى مجتمع.

ولفت حجازى إلى أن التمايز بين البشر موجود بشكل أساسى، والقيم بشكل عام هى أحكام تؤدى لسلوكيات تحكم المجتمع وتمثل قيمًا جماعية عامة، تظهر فى صورة سلوكيات معينة نتيجة لعادات ولثقافة سائدة فى المجتمع.

أكد حجازى أن الثقافة السائدة فى مجتمعاتنا نتيجة عوامل عديدة من التمايزات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تسببت بشكل أو آخر فى عدم تقبل الآخر أو الخلاف معه، والقضية ظهرت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية فبدأ ظهور التمايزات والصراعات بين الأفراد وبين الجماعات البشرية المختلفة، قبل هذا كانت هناك فكرة التكافل والتعاون والتوافق الاجتماعى والتوازن فى شبكة العلاقات الاجتماعية الإيجابية، والقيم العامة التى تحكم سلوكيات البشر،  لكن بعد التغيرات المختلفة على المستوى العالمى أصبح هناك تنافس، وشكل من عدم الاستقرار الاجتماعى بشكل عام، وبالتالى ظهر ما يسمى بالاضطرابات الاجتماعية والخلل الاجتماعى والقيم السلبية، وهو ما أدى إلى تنافسات وصراعات كان من توابعها أشكال مختلفة من التمايزات الاجتماعية، فنرى مثلاً العنصرية فى أمريكا بين السود والبيض، وأشكال الإرهاب ضد عناصر معينة من البشر وفى التعامل مع اللاجئين فنجد عنصرية بشكل كبير، وظهور ما يسمى بالتنمر.

وتابع حجازى: هذه المسألة لها عوامل اقتصادية عندما يكون هناك تمايز فى الأوضاع الاقتصادية وهناك فقراء وأغنياء، هذه الفجوات الأساسية تؤدى لصراعات تؤدى لأشكال ثقافية معينة تزيد من التباعد الاجتماعى وليس التقارب، نجد مثلاً حتى بين المثقفين والعلماء عندما يحدث نقاش ممكن أن يعبروا عن أفكارهم بشكل فيه حرية ونوع من التوافق بشكل أساسى لكن أحيانا نجد العكس.

وقال حجازى: إن الأساس فى التحاور هو العقلانية، وما هو مطروح على الساحة خاصة بين المثقفين، ليس أكثر من « مناكدة اجتماعية»، حيث يظهر المثقف نفسه بشكل يختلف عن الآخر، لينكد عليه، أو حتى يعبرعن نفس الرأى، ولكن بأسلوب آخر وإن كانا متفقين، لذلك نحن فى حاجة إلى إعادة صياغة للشخصية المصرية وأن تتحلى بالحوار وقبول الآخر والحوار الإيجابى وليس السلبى، وأن نتخلى عن ثقافته ما نسميه «بالهابيتس» وهى العادات المرتبطة بثقافة معينة دون البحث عن العقلانية.

ويكمل حجازى: «العالم وصل لمرحلة من العقلانية الشديدة والبراجماتية النفعية وهو ما يؤدى إلى تقليل هذه الحدة بشكل أساسى، وبالتالى يجب أن نبحث عن العقلانية، والكلام ليس بجديد فمن أيام محمد عبده وطه حسين، والفارابى وأرسطو وأفلاطون، كل هؤلاء كانوا يتكلمون عن تقبل الآخر فهى مسألة أساسية وأن التناقض بين الناس تناقض موضوعى وليست ذاتيًا، أحاورك ولو اختلفت معك لا يعد هذا تقليلاً من مكانتك فلا أنتقد الشخصًا وإنما الكلام، وعندما يتقدم المجتمع يعترف بتعدد الثقافات والاختلاف لا يفسد للود قضية، وهو مرتبط بالتنشئة الاجتماعية، ففى الأسرة عندما يتعامل الأب أو الأم بشكل مختلف مع الآخرين يكبر الأطفال على نفس الشىء، فالأسرة ترسخ فى الطفل ثقافة الحوار وتقلل الاختلاف، وبالتالى النظرة لشخص إذا كان موصومًا اجتماعيًا لا يركز على الوصمة وإذا كان مريضاً أو معاقاً أو يعانى من البهاق مثلاً أحترمه فليس له دور فى هذا الاختلاف. وقال: إن المجتمع لن يتقدم إلا بتقبل الآخر وبالقيم الإيجابية، وتقبل الآخر يقضى على العنف وينهى على العنصرية ويقتل التمييز.

البداية البيت

ويرى الدكتور أحمد بدر، مدرس الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن الحل بوضع الأسباب التى تؤدى لعدم قبول الآخر نصب أعيننا لنتمكن من علاجها موضحًا: السبب الأول يعود لأساليب التنشئة الاجتماعية للأفراد سواء داخل الأسرة أو فى المؤسسات التعليمية المختلفة بدءًا بالمدرسة وانتهاءً بالجامعة.

وتابع أن للأسرة والمدرسة دورًا كبيرًا فى التربية وفى غياب لغة الحوار الإيجابى البناء مع الآخر، ويتم الافتراض بأن هناك شخصًا واحدًا فقط هو الذى يملك الرأى الصائب والصحيح، وبالتالى فالأب أو الأم داخل الأسرة، المعلم فى المدرسة، لهما الدور الأكبر فى تصحيح المفاهيم عن الآخر.

أوضح بدر أن أسبابًا أخرى كثيرة فى عدم تقبل الآخر، منها انعدام الثقة فى الآخرين، وهذا يعود لوجود تجارب سابقة للشخص يشعر فيها بالخذلان من الآخرين، فيبدأ فى أخذ موقف من أى غريب عنه، البعض يتصورأن تقبل أفكار الآخر دليل على ضعف شخصية الفرد ذاته، هذا غير صحيح فتقبل الآخرين لا يعنى ذلك، بل قد يكون هناك وجهات نظر مختلفة وجميعها صحيحة وتقود الأفراد إلى نفس النهاية المنشودة، ولكن بأساليب وطرق مختلفة، مطالبًا جهات الاختصاص بمواجهة ظاهرة عدم تقبل الآخر بالمزيد من حملات الوعى وورش الثقافة التى تناقش وتشرح لماذا التنمر وعواقب العدوانية والعنف فى المجتمع والتأكيد أن الجميع فى هذا الوطن لهم جميع الحقوق ولا استثناء لأحد عن آخر، الجميع سواسية، وليس هناك شخص مميز بشرطة وآخر بـ«شرطتين»!