الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السم فى العسل

قبل سنوات قليلة، كان الرد المنطقى على التناول الجريء لموضوع ما فى أحد الأفلام السينمائية هو أن السينما لها جمهورها الواعى الذى يذهب لها، ولها تصنيفاتها العمرية التى لا تسمح للأطفال والمراهقين بمشاهدة ما قد يخدش براءتهم ويطعن فى دينهم أو عاداتهم وتقاليدهم.



 

فى حين كان الانتقاد القوى عندما يحدث هذا التناول الجرىء، سواء فى لفظ أو مشهد أو فكرة، فى أحد الأعمال الدرامية التليفزيونية، يعتمد على مقولة: «أنت تدخل كل البيوت» ويراك الجميع.

كان هذا قبل سنوات قليلة، لم نكن نعرف أنها بداية عصر جديد، وهو عصر المنصات التى جاءت لنا بالسينما إلى بيوتنا بل إلى شاشات هواتفنا فى أيدينا وأيدى أطفالنا.

ومن أول وأشهر المنصات الفنية التى حققت شهرة عالمية، منصة «نتفليكس»، فرغم أنها وسيلة ترفيه ومتعة، بما تقدمه من أفلام سينمائية ومسلسلات، بدأت مؤخرًا تثير المشاكل عالميًا، بعد عرض أعمال فنية عليها علامات استفهاء كبيرة، لدرجة اتهامها بأنها إحدى أدوات الحرب الفكرية والغزو الثقافى لشعوب العالم.

فإذا كان يمكننا القول إن عصر الحروب المباشرة بالدبابات والطائرات انتهى، فإن حربًًا أحدث وأشد فتكًا تهدد الجميع، وهى حرب المعلومات واستخدام القوة الناعمة للسيطرة على العقول وتوجيهها، ما يستلزم يقظة وتثقيفًا للأجيال الجديدة، لتنشأ واعية قادرة على التصدى على ما يتسرب لها من أفكار ليس لها هدف سوى هدم الثوابت والقيم والمجتمعات.

ظهرت منصة «نتفليكس» كفكرة عام 1997 بين اثنين من مهندسى البرمجة هما ريد هاستن ومارك راندوف وكان الأخير يريد الاستثمار فى الإعلام، عملت الشركة فى البداية بتقديم خدمة بيع وتأجير الأقراص المدمجة، وفى عام 2007 وسعت الشركة أعمالها بتقديم خدمة البث عبر الإنترنت وبدأ بتوسيع خدماتها عالميًا، وفى عام 2013 اتجهت الشركة لإنتاج أفلام سينما ودراما وبرامج كوميدية، ولدى نتفليكس حاليًا 183 مليون مشترك فى العالم، وزادت أرباح الشركة فى 2020 بأكثر من الضعف أى إلى 709 ملايين دولار مقارنة بـ344 مليون دولار العام السابق.

بمرور الوقت، ومع الانتشار الكبير للمنصة بعد أزمة كورونا التى أجبرت الناس على البقاء بمنازلهم، أصبحت البديل الأول للسينمات ومسائل الترفيه، فزاد الإقبال عليها، وبدأت أعمالها تأخذ اتجاهًا لتمرير عادات وثقافات ومفاهيم مغلوطة، من خلال أعمال بديعة ومبهرة وحكاية جاذبة ومشوقة ومحبوكة، ونجوم سينما عالميين محبوبين لدى الأجيال الشابة.

بدأت الضجة مع عرض البوستر الخاص بفيلم كانت cuties للمخرجة ميمونة ديكورية الذى هاجت وماجت الدنيا عليه ووصل الأمر لإعلان إلغاء الآلاف حساباتهم الخاصة على المنصة، وظهر هاشتاج cancel Netflix، بسبب الفيلم الذى يتحدث عن الطفلة المسلمة إيمى البالغة من العمر 11 عامًا، التى تقيم فى فرنسا المجتمع المتحرر، لكن داخل أسرة متشددة، وتريد الفتاة الانضمام لمجموعة من الراقصات، مما اعتبره المشاهدون غير لائق لفتيات فى سنهن، خاصة أنه قدم فتيات صغيرات يرتدين ملابس تشبه ملابس فتيات الليل.

ومع أول إنتاج عربى لمنصة «شاهد» بالمسلسل الأردنى «جن» عام 2019 انتفض المشاهدون فى الأردن وغيرها من البلاد العربية، وقوبل بانتقادات شديدة واعتبره البعض خروجًا عن تقاليد المجتمع الأردنى، ونشر  مجلس النقباء الأردنى بيانًا يدين المسلسل قال فيه أنه لا يعرفها عن المجتمع الأردنى، وأنه يأتى فى سياق محاولات تفتيت المجتمع وإضعافه، ودعا المجلس الحكومة والجهات الأمنية لتشديد الرقابة على المسلسلات التى تنتج محليًا وتعرض كأنها انعكاس للمجتمع الأردنى، تدور أحداث جن حول مجموعة من طلاب وطالبات مدرسة ثانوية يستحضرون قوى خارقة من الجن، وتضمنت الحلقات الأولى من المسلسل مقاطع اعتبرها البعض إباحية وألفاظًا خارجة.

لكن هناك ظاهرة الأهم وهى عرض علاقات «المثلية الجنسية» داخل الأعمال الخاصة بتعاطف معها شديد داخل أشخاص سوية تتسلل داخل الأحداث بشكل بسيط ومبدع يؤثر تمامًا فى المشاهد، لأنه لا يستطيع أن يظهر ويصرح للعالم العربى أن المثلية شيء رائع فوضعها داخل قالب درامى ممتع وممثلين فى غاية الروعة ظاهرها بريء لكن مضمونها يحمل مفاهيم مغلوطة تنافى الأخلاق فى مجتمعاتنا، والإيحاء بأن هذه العلاقات غير السوية هى أشياء طبيعية كما يقدمها المنصة، كما فى مسلسل ana withe an e عمل شديد الإبداع والتميز عن طفلة تقيم فى ملجأ للأيتام، وتتبناها أسرة مكونة من أخ وأخت كبيرين بالعمر، يحمل العمل قصصًا إنسانية حقيقية تجذب انتباهك وخلال الأحداث تظهر من دون مبرر عمة لإحدى البطلات شاذة جنسيًا ويعرضها بمنتهى التعاطف معها وأنها شخصية مثالية، ويتكرر ذلك فى مسلسل new amsterdam الذى يدور حول الطبيب النفسى الشاذ جنسيًا ويظهر بشخصية رائعة ومثالية، أما مسلسل elite فتدور أحداثه حول مجموعة من الجرائم بشكل شيق ومثير لفتاة محجبة لكنها تمثل العلاقات غير الشرعية وتقف أسرتها عائقا لأنها تفرض القيود على أبنائها وميولهم الجنسية ويظهر الابن المثلى وتتكرر الخلافات بينه وبين والده ومن ثم يترك المنزل ويذهب ليعيش مع صديقة.. وهكذا العديد والعديد من الأعمال التى لا حصر لها، فهناك فرق كبير بين أن تعرض لى الواقع الموجود وبين الترويج لشيء معين.

هذه الضجة المثارة حول ما تنتجه وتوزعه شركة نتفليكس سرعان ما قررت الشركة أن تصرح فى مقابلة مع المدير التنفيذى لشركة نتفليكس ريد هاستينجز أجريت فى شهر نوفمبر 2019 لصالح جريدة نيويورك تايمز سأله المذيع: هوليوود كانت مهتمة دائمًا بتصدير ثقافتها وقيمها للعالم فهل نتفليكس مثلها؟

أجاب: لا أرى أن نتفليكس تقدم شيئا سوى الترفيه، ومشاركة المحتوى بين الناس من شتى الأعراق والطبقات المختلفة.

المذيع: لو طلب منكم حذف بعض المحتوى ماذا تقولون؟

وهنا اعترف المدير التنفيذى للمنصة وأجاب: لو طلب منى حذف محتوى المثلية الجنسية فلن أتجاوب مع هذا الطلب لأن نتفليكس تشارك اللايف ستايل أو نمط الحياة والتأثير فيه، لكن لو طلب منى من إحدى الحكومات حذف مقطع إخبارى سأقوم بذلك، فهناك تعاون بيننا وبين الحكومات. ومعنى ذلك الكلام أنه يهدف بصراحة بعادات وقيم وتقاليد لا تتناسب مع المجتمع العربى، فهو يمدح ويمجد قيم المثلية الجنسية المرفوضة من جميع الأديان السماوية.

وبعد كل هذه المعلومات يبقى سؤال هام: هل الهدف منها دعم قضيتهم فقط؟ أم هناك جانب آخر تجارى بحت من خلال الأرباح التى تحققها الشركات الداعمة للمثلية الجنسية؟ فقد عرضت جريدة الفاينشال تايمز مقالاً بعنوان «أعمال فخر المثليين» جاء فيه قوة المثليين الشرائية 3.7 تريليون دولار، وهناك صفقات تسويقية تجارية تحصل عليها الشركات الداعمة للحركات المثلية حول العالم.

ورغم مقابلة مديرة المنصة ومقالة الفاينشال تايمز فالمؤكد هنا أن هذه الأعمال التى تقدمها المنصة لشعوب العالم عامة وللمنطقة العربية خاصة إنما تهدف إلى خلق أجيال جديدة لا تؤمن بالعادات والتقاليد التى تربينا عليها.