السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الغابة المتحجرة.. الحياة بدأت من هنا!

  85 مليون سنة من عمر كوكب الأرض تكشفها الآثار الجيولوجية وبقايا الأشجار المتحجرة، التى تضمها محمية الغابة المتحجرة، أحد أهم الآثار الجيولوجية على سطح الكوكب، وهى الغابة التى ربما لا يعرف الكثير منا الطريق إليها. 



حيث تقع محمية الغابة المتحجرة تحديدًا فى منطقة التجمع الخامس فى مدينة القاهرة الجديدة، شمال طريق «القطامية- العين السخنة» على مساحة 7 كم2، وتم إعلانها محمية طبيعية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 944 لسنة 1989.

 

تمثل الغابة المتحجرة واحدًا من الآثار الأرضية الجيولوجية النادرة التى لا مثيل لها فى العالم، من حيث المساحة والكمال، وتساهم دراسة الأشجار المتحجرة فيها فى توثيق وتسجيل عمر الحياة القديمة لكوكب الأرض. 

تعكس المحمية بيئة الصحراء الشرقية المتحجرة، وتضم أندر الكائنات الحية والحفريات فى العالم؛ حيث توجد بداخلها حفريات تعود لـ"35 و45 و60 مليون سنة.

ماضٍ سحيق

يُرجع الجيولوجيون نشأة هذه الغابة لعصر فى الماضى البعيد يطلق عليه اسم "العصر الأوليجوسينى"؛ حيث يمكن للمتخصصين معرفة تاريخ هذه المنطقة عبر فحص المئات من القطع الصخرية المتناثرة التى يتخذ بعضها شكل المقاطع الأسطوانية التى تتراوح أبعادها بين سنتيمترات وعدة أمتار.

وبحسب المراجع الجيولوجية والتاريخية؛ فإن هذه الغابة تكونت منذ ملايين السنين، بعدما حمل أحد فروع نهر النيل القديم، هذه الأشجار لمسافات طويلة، قبل أن يلقى بها فى تلك المنطقة، خلال العصور الجيولوجية القديمة، وأن هذه الأشجار تحجرت على مَرّ العصور؛ لتحول المنطقة إلى أثر جيولوجى نادر.

تحوى المحمية عشرات الأنواع من النباتات والحيوانات والحشرات والزواحف النادرة السامة منها والمسالمة، تعيش جميعها تحت رمال ناعمة يتناثر فوقها زلط بشكل منظم، تحيط بها جبال مرتفعة ومنخفضات هابطة تحتضنها جذور أشجار متحجرة منذ ملايين السنين تنبت من جذوعها نباتات خضراء فريدة النوع.

وتضم "الغابة" عددًا من الزواحف الخطِرة مثل ثعبان "الطريشة" أو "الدفان" وهو ثعبان نادر يظهر منتصف الشتاء، حيث لم يتم اكتشاف مصل لعلاج سمه الذى يقتل خلال 10 دقائق، هذا فضلًا عن "قاضى الجبل" وهى سحلية تجمع بين لونين الأزرق والبنفسجى، وشديدة التأقلم مع الألوان الرملية لذا لا تظهر بسهولة.

طيور وزواحف وكائنات حية نادرة يمكن أن تشاهدها خلال زيارتك لهذه الغابة، التى من بينها طائر "البوم الأبيض"، الذى يصل طوله لـ متر ونصف المتر ويبلغ طول جناحيه نحو المترين.

وتضم المحمية زاحفة "بطنيات الأرجل"، وهى تمثل نوعين يظهر أحدهما ليلًا وينتشر بصورة كبيرة ما يؤثر سلبًا على انتشار العديد من النباتات بالغابة.

وتنتشر بالمحمية الحشرات التى تنتمى إلى شعبة مفصليات الأرجل، وتُعد أكثر الكائنات تنوعًا وعددًا على وجه الأرض، فهى تؤلف نحو 75 % من الأنواع الحيوانية، وثمة أكثر من 125 مليون نوع معروف منها حتى اليوم، وتدل الدراسات الأحفورية أنها ظهرت فى العصر الفحمى، أى قبل نحو 350 مليون سنة، وتميزت باشتمالها على ثلاثة أزواج من الأرجل أصدرية المفصلية، وأكثر الحشرات بدائية هى الأنواع الحديثة اللامجنحة.

حيوانات  نادرة

اكتشف المتخصصون فى هذه الغابة عددًا من الحيوانات اللا فقارية، "القوقع الصحراوى الأبيض" وهو ذو سم رخوى غير متقطع، كما تتمع الغابة ببيئة عالية ويستوطن بها 15 ألف نوع و35 شعبة من الرخويات.

ويطلق مسمى الخشب المتحجر أو الخشب الذى تحوّل إلى الحجر، على نوع خاص من بقايا حفرية من النباتات الأرضية، ويكون نتيجة لوجود شجرة أو نباتات انتقلت بالكامل إلى الحجر من خلال عملية التحوّل الجيولوجى؛ حيث يتم استبدال جميع المواد العضوية الخشبية إلى المعادن، مثل السيليكات والكوارتز، مع الإبقاء على الهيكل الأصلى لأنسجة الساق النباتى. كما أن الخشب المتحجر يُعدّ بمثابة تمثيل ثلاثى الأبعاد للمواد العضوية الأصلية.

 وتحدث عملية التحجر الخشبى تحت الأرض عندما يكون الخشب مدفونًا تحت الرواسب أو الرماد البركانى، وتحافظ التربة على الخشب بسبب نقص الأكسجين الذى يحول دون تحلل الأنسجة النباتية فى الهواء، بالإضافة إلى أن المعادن والمياه اللتين تتدفقان تغطيان خلايا النبات بمواد عضوية تمنع تسوّس الخشب وأشكال العفن مثل اللجنين والسيليلوز، ما يساعد على تحجر المواد الخشبية وتصبح معروفة باسم الغابة المتحجرة.

ولايزال يعيش فى المحمية عددٌ قليلٌ من الثعالب والأرانب الصحراوية، والثعابين والسحالى والزواحف الأخرى التى لاتزال تعيش فى المحمية فى الجحور والأوكار.

وتكسو الغابة المتحجرة ألوان مختلفة للأشجار والنباتات داخل المحمية، بسبب عناصر مثل المنجنيز والحديد والنحاس، نظرًا لأن تداخل هذه المعادن مع الماء والطين أثناء عملية التحجر يعطى الخشب مجموعة متنوّعة من الألوان وبلورات الكوارتز النقى عديمة اللون، ولكن عندما تتعرّض هذه البلورات النقية إلى التلوث البيئى تأخذ ألوانًا مختلفة، مثل الأصفر والأحمر، وغيرهما من الأشكال والألوان. ومع ذلك فإن تحجر الخشب يحافظ على الهيكل الأصلى للجذع فى كل تفاصيله، وصولًا إلى المستوى المجهرى.

أما شجرة "العُشَر" فهى الأكثر انتشارًا داخل المحمية، ويبلغ طولها 3 أمتار، تزدهر مع بداية الصيف باللون البنفسجى، وتطرح ثمرة بحجم الليمون، كما يوجد بداخلها مصل ألياف يشبه القطن كان يستخدم قديمًا فى حشو الوسائد، كما تستخدم ثمرتها فى علاج أمراض خارجية مثل  "البروزات الجلدية" المعروفة باسم السنط. وينتشر بالمحمية أكثر من 122 نوعًا من النباتات النادرة ، منها "نرجس الجبل"، أو "زهور النرجس الأبيض" و"الطيطان" أو "نرجس الجبل" وهى من الزهور النادرة، وتظهر فى مناطق عدة فى المحمية.

 وزهور النرجس الأبيض، من الزهور النادرة لأنه يحتاج إلى بيئة خاصة للنمو، وتدخل مستخلصاته فى صناعة العديد من العلاجات الحديثة؛ خصوصًا علاج الأورام السرطانية، فضلًا عن مشتقات الزهرة التى تستخدم فى عقاقير علاج الأعصاب، ومضادات الاكتئاب. 

كما عثر الباحثون فى أبريل 2015، على أسنان لقروش منذ ما يقرب من 400 مليون عام؛ حيث أكدوا أن القروش مرت من هذا المكان؛ حيث يقولون إن القروش تفقد العديد من أسنانها أثناء مراحل حياتها.

وتتناثر على امتداد المحمية آثار بعض الحفريات التى لم يستدل عليها حتى اليوم، ومن بينها بعض أنواع من أسماك القرش التى تُعد من أقدم الحيوانات البحرية التى عمرت الأرض، وهو ما يشير إلى أن مياه البحر زارت تلك المنطقة فى الزمان الغابر.وفى فبراير 2018 نفذت وزارة البيئة المرحلة الأول من تطوير الغابة والتى تضمنت إزالة 35 ألف متر مكعب من المخلفات المتراكمة بالمحمية، وتوسعة مداخل المحمية بالكامل وعمل لافتات وعلامات إرشادية، ولوحات معلوماتية جديدة ومظلات استقبال للزوار وأعمدة إنارة داخل المحمية وربطها بالمولد الكهربائي.