الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مصر الجديدة مشاريع قومية عملاقة فى كفر الشيخ

أخذت من كل جمال بسبب، فاكتمل لها جمال الروح، وخصب الأرض، وعطر البساتين، وارتفعت فى غيطانها عيدان السنابل الخُضر،  تاريخها عريق فقد احتمت بها إيزيس لتضع ابنها حورس، حيث كانت تقع مدينة «بوتو» الفرعونية شمال شرق دسوق، مقرا لحكام الشمال، وأهلها ساندوا حورس ليسترد عرش أبيه أوزوريس، ولهذا الكفاح أثر فى أهلها، ففى العصر الحديث كان  أهلها ومريدو سيدى إبراهيم الدسوقى يقاومون الجيوش الصليبية، ويتبعون خطط  إبرهيم الدسوقى فى مكافحة الاحتلال، ثم عمل مريدوه بعد رحيل الغزاة فى خدمة الوطن، فعملوا فى شق الترع، وتعبيد الطرق، وبناء المساجد والتكايا، وإقامة الأسبلة فى الطرقات الطويلة .  



التعلق بأولياء الصالحين وكرم أهلها جعلها مركزا مهما لزائريها وتنسب بعض المصادر اسم المحافظة «كفر الشيخ» نسبة إلى الشيخ طلحة  أبى سعيد التلمسانى  المغربى الشاذلى، والذى قدم إليها من المغرب عام 600 هجرية، وهو صاحب المقام الموجود بها  فسميت «كفر الشيخ» .

ووجود مقام سيدى إبراهيم الدسوقى الذى ولد بدسوق جعل لها مكانة خاصة لدى الطرق الصوفية، فصارت دسوق من أشهر مراكز كفر الشيخ، وكانت تُلقب قديما بعروس النيل .

وكثير من القرى المصرية قد تغيرت أسماؤها فى العصر العثمانى، وسميت بأسماء المشايخ أصحاب المقامات الموجودة بها مثل دمينقون التى أصبحت كفر الشيخ كما يقول محمد رمزى فى كتابه «القاموس الجغرافى»، ويعلل هذا التغيير بأنه يرجع إلى رغبة أهالى هذه البلاد فى إحياء ذكرى أصحاب المقامات وفى عام 1833 ضُمت كفر الشيخ للغربية، وفى عام 1931 انفصلت عن الغربية، وأصبحت مديرية مستقلة، وفى سنة 1960 تغير اسمها إلى محافظة كفر الشيخ .

ومن أهم مراكزها: دسوق، وفوَّة، ومطوبس، وقلين، وسيدى سالم، والرياض، وسيدى غازى، وبيلا، والحامول، وبلطيم، ومصيف بلطيم، وبرج البرلس .

وتمتع كثير من هذه المراكز بوجود آثار إسلامية مهمة من العصر المملوكى والعثمانى  كما تقول د. سعاد ماهر فى كتابها «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون» ومنها مسجد الخطباء بمحلة أبوعلى، وهى من قرى مركز دسوق وهو من آثار العهد المملوكى فى القرن الثامن، وبنى فى عهد السلطان الظاهر برقوق الجركسى المصرى الذى اشتهر عصره بكثرة المبانى والعمائر ليس فى القاهرة فقط بل فى جميع أنحاء القطر، كما أنشأ الأمير خليل أغا فى العصر العثمانى مئذنة المسجد وهى غاية فى الدقة والإبداع، وتُشرف على النيل لقرب المسجد منه فتبدو وهى مضيئة فى الليل كأنها منارة لهداية السفن المارة بالنهر .

ومن المساجد التى تعد من الآثار الإسلامية المهمة أيضا مسجد نصرالدين بمدينة فوَّة وهى بلدة قديمة على شاطئ النيل قرب رشيد، ويقول عنها الرحالة الفرنسى «بلون» إنها كانت تعد أعظم المدن المصرية بعد القاهرة، وكانت فى القرن الخامس عشر غاية فى العمارة والرواج التجارى، أما مسجدها الأثرى فقد بناه الأمير حسن بن نصر الدين الذى نذر أن يبنى مسجدا فى بلده ومسقط رأسه فوَّة، فشيد جامعه فى عهد السلطان الظاهر جقمق عام 842 هجرية .

سيدى البيلى

تتمتع مراكز كفر الشيخ بوجود  العديد من مساجد الأولياء مثل مسجد العارف بالله البيلى أبو غنام، ومسجد العارف بالله سيدى على المعداوى وهما من مساجد بيلا، بل إن مركزا من مراكزها المهمة يقترن باسم العارف بالله سيدى سالم أبو حبارة المسلم الحسينى، الذى تفرغ فيه للعبادة  والمعارف النورانية  ويصفه خيرى شلبى الروائى الكبير فيقول «مركز سيدى سالم اسم على مسمى فهو قطبها الكبير له فيها مقام رهيب يتوسط مسجدا لا مثيل له فى الفخامة والاتساع وطول المئذنة، ورخام الأرض، وضخامة الميضأة، كأنه أعد لصلاة العالم أجمع  وهو لهذا مفخرة البلدة ومزارها .

وأسماء سالم وسليم ومسلم وسلامة وعبد السلام والمسلمانى شائعة بين العائلات شيوع النخيل، وأشجار الصفصاف، والجزورين فى أراضيها، وعلى جانبى سككها، وحول دورها، وسيدى سالم هو أول ساكنيها، واستوطنها أهله وكانوا من الأعراب الرُحل، وكان اشتغالهم بالصيد وصنع المراكب وتجارة البحر، وكان حرصهم على اكتساب رضا الله، لاعتقادهم أن السُكنى فى الموانئ البحرية يجعل من كل ميناء أو مرسى رباطا كما يسمونه، وكل من يرابط فى بقعة مثل هذه له فى الجنة مكان يُحسد عليه، وكانوا جميعا من مريدى سيدى إبراهيم الدسوقى» .

وفى كفر الشيخ العديد من الكنائس والأديرة مثل كنيسة القديسة العذراء مريم بسخا  وهى من أقدم كنائس مصر، ويرجع تاريخها إلى تاريخ رحلة العائلة المقدسة إلى مصر قادمة من فلسطين، وكنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بدسوق التى تم الاحتفال بمرور مائة سنة على إنشائها هذا العام، والكنيسة الإنجيلية  .

آثارها الخالدة

وتتميز كفر الشيخ بوجود آثار من العصور الفرعونية والرومانية والبيزنطية والقبطية والإسلامية فقد كانت مدينة «بوتو»  عاصمة للوجه البحرى قبل عصر توحيد القطرين على يد الملك «نعرمر»،  وكانت تقع بين مدينتى كفر الشيخ ودسوق، وكانت عاصمة دينية لمصر القديمة، وكان ملوك الفراعنة يقدمون القرابين للإلهة «واجت» فى تل الفراعين. ولذا وضعت إيزيس ابنها حورس بالجزيرة المجاورة لها «أخبيت»، وهى قرية شابة الحالية بمركز دسوق، ومن أهم الآثار التى اكتشفت هناك تمثالان على هيئة أبى الهول، وتمثال لحورس، وتمثال مزدوج من الجرانيت الوردى للملك رمسيس الثانى .

كما أن هناك مجموعة من تلال أثرية أشهرها تل الفراعين بدسوق، وتل قبريط بفوَّة، وتل الخنزيرى بالرياض، وتل سيدى سالم، وغيرها .

ومن أهم آثارها فى العصر الحديث طابية عرابى بمدينة بلطيم، والتى استخدمها عام 1882 لصد هجمات الإنجليز، وفنار البرلس أقدم ثانى برج حديدى فى العالم

وهو الفنار الوحيد المتبقى من مجموعة فنارات أقامها الخديو إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس لإرشاد السفن ليلا، وقد صممه المهندس الفرنسى «بركار» وهناك أيضا من الآثار الحديثة  قصر الملك فؤاد الذى أصبح معهدا للخدمة الاجتماعية، ومنزل الزعيم سعد زغلول.

عيون المبدعين

تعد روايات خيرى شلبى من أهم الأعمال الأدبية التى أرخت للمدينة بقراها وساحلها وبحرها، وهو من مواليد قرية شباس عمير بمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ .

ومن أهم أعماله التى تجلت فيها روح المدينة:  روايته «السنيورة»، والتى وصف فيها أحوال الفلاحين أيام الملكية التى اتخذ لها رمز «السنيورة» والتى كانت تمتص دماء وشباب الفلاحين، فيعملون فى أراضى الخاصة الملكية دون أى حقوق، وبالفعل كان الملك فؤاد الأول قد أقام بكفر الشيخ قصرا بقصد الاستجمام، وسمى المنطقة كلها، وما يقع فى زمامها من أراض بالفؤادية، وقد استمر اسمها كذلك أيضا طوال حكم الملك فاروق، وقد عمل الفلاحون فى تلك الأرض أجراء، وعُرفت هذه الأرض بالخاصة الملكية، وقد تغير اسمها بعد ثورة يوليو 1952 فأصبح اسمها كفر الشيخ .

وفى رواية خيرى شلبى «نعناع الجناين» يصف ملامح الوسية وأرض الفلاحين التى اغتصبت منهم وخيراتها، كما يصف أول كُتاب لتحفيظ القرآن فى كفر الشيخ، وكان لجده حسن أبو السعود عقل، وسُمى بكُتاب العقالوة، وقد لعب دورا مهما فى حياة أهل القرية حتى بعد قيام ثورة يوليو، وتوزيع الأرض على الفلاحين، وأول مدرسة ابتدائية للبنين والبنات، وأسسها عمه أبو السعود أفندى عقل، وكانت اسمها مدرسة محمد فريد على اسم الزعيم الوطنى محمد فريد .

بورتريهات

وقد اختص خيرى شلبى أهم رموز مصر ومنها أبرز الشخصيات فى كفر الشيخ ببورتريهات كان يرسمها بقلمه وجمعها فى عدة كتب منها «عناقيد النور» الذى كتب فيه عن الزعيم سعد زغلول، فى بورتريه بعنوان «الأسطورة». وفى كتاب آخر بعنوان «كتب وناس» رسم بورتريها للشاعر محمد عفيفى مطر الأب الروحى للحركة الأدبية فى كفر الشيخ – رغم أنه قد ولد بقرية رملة الأنجب «بمحافظة المنوفية».

وفى حوارى مع الشاعر ممدوح المتولى قال لى إن قضايا الأرض وملكيتها وكفاح أهالى كفر الشيخ قد بدا واضحا فى أعمال أدبية مثل «الوتد» لخيرى شلبى، كما تبدت أيضا فى كتابات أسامة أنور عكاشة  -وهو من أبناء كفر الشيخ أيضا -  فى مسلسل «المصراوية»، حيث تدور أحداثه قبل الثورة فى أربعينيات القرن الماضى، فى قرى «كوم الطويل» و«سيدى غازى»، و«الزاوية»، وعبَّر المسلسل عن الحياة الاجتماعية فى منطقة البرارى التى تشتهر بها كفر الشيخ، وتصور الصراعات على الأرض والعمودية، كما يشير ممدوح المتولى إلى أن التمسك بالأرض والدفاع عنها سمة من سمات الأدب الواضحة فى كتابات أدباء كفر الشيخ  فعالجت الكثير من الكتابات  الثورة على الإقطاع، ومحاولة استرداد الأرض» .

الأرض التى هى «نعناع الجناين»، وأرض الأولياء، وبنوها هم عناقيد النور، هم روح المدينة ، سنابل الحقول الخُضر، وسكر البنجر، والأرز، وصيد البحر، وصيد الطيور، وقنص اللآلئ من صدفات الشعر والقصة والرواية، والفن التشكيلى، وألوان الغناء والتمثيل والمسرح  وأنواع الفنون.